مواقف الدول من الدولة الجزائرية الجديدة .. قبيل استقلال الجزائر
مقدمة القارىء المتتبّع:
الكتاب: بن يوسف بن خدة: “نهاية حرب التحرير في الجزائر، إتفاقيات إيفيان”، تعريب لحسن زغدار، ومحل العين جبائلي، مراجعة عبد الحكيم بن الشيخ الحسين، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر العاصمة، الجزائر، سنة 1986، من 141 صفحة.
قرأ صاحب الأسطر هذا الكتاب -فيما يتذكر- حين صدر في حينه سنة 1986-1987، وكان يومها سنة أولى جامعي. ويزعم -فيما يتذكر- أنّه قرأ النسخة الأولى باللّغة الفرنسية. ويعترف أنّه لايتذكر منه الكثير. ويعود إليه -اليوم- بعد أن أشار صديقنا Cherif Abdou إلى الكتاب عبر صفحته، وعمل بنصيحته واستخرجه، وأعاد قراءته بعد هذه العقود. وله منّي بالغ الشكر على التذكير، والتنبيه.
سبق لصاحب الأسطر أن قرأ أيضا ليوسف بن خدة كتابه:
Les origines[1] du 1er novembre 1954
وتمّ عرضه في حينه عبر مقال[2]
لاأحد يفرض رأيه على الجزائر:
جاء في مقدمة الكتاب: كان للجزائر أصدقاء من العالم يقفون معها في ثورتها. لكن لاأحد فرض عليها آراءه في إتّفاقية إيفيان. ورفضت الجزائر أيّة وساطة، ولم تتدخل أيّة حكومة بما فيها الحكومات المساندة للجزائر. مايدل على أنّ قرارات الجزائر كانت مستقلّة أثناء المفاوضات، وهي يومها تحت الاستدمار الفرنسي.
شروط المفاوض الجزائري التي لارجعة فيها:
جاء في فصل أهداف جبهة التحرير الوطني: وضع المفاوضون أربعة شروط لايمكن بأيّ حال من الأحوال التنازل عنها، ومهما كانت الظروف، وهي: الوحدة الترابية، ووحدة الأمّة الجزائرية، والسّيادة الجزائرية، وجبهة التحرير الوطني هي الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري.
أسباب رفض المفاوض الجزائري الطاولة المستديرة:
قال بن يوسف بن خدة رحمة الله عليه: رفضت الجزائر فكرة الطاولة المستديرة المقترحة من طرف المجرم ديغول حتّى لايسمح للذين لم يشاركوا في الثّورة الجزائرية، وكانوا أعداء لها أن ينضموا للمفاوضات فيكونوا عونا للمحتلّ المجرم.
أقول: الذي أعرفه من قبل أنّ الجزائر رفضت الطاولة المستديرة حتّى لاتكون جنبا إلى جنب مع المحتلّ الفرنسي المجرم وكأنّه صديق ولذلك فضّلت الطاولة المستطيلة ليكونا طرفين متقابلين، ومستقلين، ومتنازعين، ومتحاربين، ومتباعدين إلاّ بعد الانتهاء من المقاوضات. ولذلك لم يصافح بعضهما بعضا إلاّ بعد التّوقيع النهائي للمفاوضات.
سعي المجرم ديغول، والمجرم جيسكار ديستان لتفتيت الجزائر عبر المفاوضات:
سعى المجرم ديغول لتحقيق حلمه الاستدماري بإقامة الجزائر على مجموعات مختلفة، وهي: فرنسية، وعربية، وقبايلية، وميزابية، وعناصر أخرى تساهم في تفتيت الجزائر. وفي الوقت نفسه تحتفظ فرنسا المجرمة بالصحراء، ومنطقة خاصّة بالمستدمرين المجرمين ويخضعون لقانون خاص بهم. ورفض المفاوضون اقتراحه جملة وتفصيلا.
طالب المجرم ديغول بـ: الحكم الذاتي، وفصل الصحراء عن الجزائر، وتجزئة الجزائر عرقيا، وطاولة مستديرة، والهدنة قبل المفاوضات. ورفض قادة الثّورة الجزائرية كلّ هذه النقاط، وأصرّوا على وحدة التراب الجزائري أوّلا، ووحدة الشعب الجزائري، وجبهة التحرير الوطني هي الممثّل الوحيد والشرعي، ووقف إطلاق النار.
طالب المجرم فاليري جيسكار ديستان، وزير المالية يومها بتقسيم الجزائر تلبية لأطماع فرنسا المجرمة، ولم يستطع ذلك.
أطماع المغرب، وتونس في الأراضي الجزائرية:
قال: في اللّحظة التي كنّا ضدّ تفتيت الجزائر من طرف المجرم ديغول، والتشبّث بوحدة الجزائر كان محمد الخامس، ومن بعده ابنه الحسن الثّاني يطالبان بتندوف الجزائرية، وكانت لبورقيبة أيضا أطماع ترابية في الجزائر. وبدعم من المجرم ديغول الذي كان يطالب بإشراكهم في المفاوضات لتجزئة الجزائر، وتفتيتها.
أضيف: ذكر بلعيد عبد السلام رحمة الله عليه في كتابه[3]، أنّ أنبوب الغاز الموجّه لإسبانيا، وإيطاليا في الستينات من القرن الماضي عرف تأخر كبيرا وصل إلى عشر سنوات بسبب أطماع المغرب، وتونس في التراب الجزائري، وقد ذكرنا ذلك في مقال[4].
رفض هواري بومدين لإتّفاقيات إيفيان:
قال: رفض هواري بومدين مفاوضات إيفيان، ورفض التصويت على إتّفاقيات إيفيان باعتباره قائد هيئة الأركان، ورفض أن يرسل عسكريين ممثّلين عنه في الوفد خاص بالشؤون العسكرية.
أقول: المتتبّع لمنحى المفاوضات يدرك وبوضوح أنّ خطّ المجرم ديغول في انخفاض مستمر من حيث تنازله عن شروطه الأولى، وفي الوقت نفسه يرى بوضوح تصاعد خطّ المفاوضين الجزائريين من حيث تشبّثهم بمطالبهم المشروعة، وعدم التنازل عنها طيلة فترة المفاوضات. وهذه من عظمة المفاوض الجزائري.
عظمة المفاوض الجزائري:
قال: بفضل تشبّنا بالوحدة الترابية قامت الجزائر بتأميم خيراتها، وإنهاء الاحتلال قبل أوانه بسنوات سواء في الصحراء أو المرسى الكبير.
قال: وبرفض الجزائر منح الجنسية الجزائرية لمليون فرنسي أوروبي مستدمر مجرم، جنّبنا الجزائر أن تكون برأسين، وحافظنا بذلك على وحدة الجزائر عكس بعض الدول التي مازالت تعاني الإنقسام، والطائفية، والحروب لأنّها رضيت بشروط المحتلّ الداعية لتقسيم البلد، وأبناء البلد الولد.
الأطماع الترابية التي أفشلت وحدة المغرب العربي للشعوب:
ضمّ الكتاب أربعة عشر ملحق، وعبر صفحات 43-139، فكانت هذه القراءة:
ممّا فهمته من الكتاب أنّ الجزائر ظلّت تطالب بوحدة مغربية ضدّ الاستدمار الفرنسي لطرده لكنّها وجدت رفضا قاطعا، وقويا من طرف تونس والمغرب لأنّ كلا منهما لايريد طرد الاحتلال، بل يدافع عن العيش معه. مع العلم، منح الاحتلال الفرنسي في يوم واحد 14 دولة استقلالها ليتفرّغ للجزائر، ومنح الاستقلال لتونس والمغرب يندرج ضمن هذا المسعى.
قال: رفضت الجزائر وحدة المغرب العربي على أساس الملوك والحكام لأنّها كانت تريد وحدة المغرب العربي على أساس الشعوب، وبيّنت لهم فشل الوحدة المصرية السورية سنة 1958 لأنّها بنيت على الحكام وليس على الشعوب.
لم تحسن الجزائر استغلال “إعلان المبادىء الخاصّة بالتعاون الثقافي” لصالحها:
قرأت بتمعن “إعلان المبادىء الخاصّة بالتعاون الثقافي”، و “التبادل الثقافي” فوجدته عادي جدّا خاصّة في الظروف التي عاشتها الجزائر يومها، ولم تكن هناك شروط فرنسية، بل نفس البنود تتحدّث عن الجزائر وفرنسا بنفس المساواة، والتعاون.
ممّا وقفت عنده وأذكره لأوّل مرّة أنّ الجزائر لم تحسن استخدام الجانب الثقافي، والتّعليمي لصالحها، خاصّة وأن الإتّفاقية تنصّ على حقّ الجزائر في توظيف البنود لصالحها. وقد أجد العذر للجزائر -يومها- بسبب ضعف البنية التحتية، وقلّة المتعلّمين، وانعدام الوسائل، وقلّة التجربة.
خطورة “إعلان الاتّفاق الخاص بالمسائل العسكرية” على الجزائر، وعظمة هواري بومدين:
قارنت بين مختلف المواضيع فوجدت أنّ أخطرها على الإطلاق -وحسب قراءتي، وفي تقديري-، هي “إعلان الاتّفاق الخاص بالمسائل العسكرية”.
المتتبّع لتعامل الجزائر مع إتّفاقيات إيفيان بعد استرجاع السّيادة الوطنية يلاحظ وبوضوح أنّ بنودا عديدة وكثيرة تمّ قبرها في حينها، وألغيت بالممارسة أي بالرفض الجزائري، ولم يعد لها أيّ معنى في جزائر مابعد استرجاع السّيادة الوطنية، ولم تستطع فرنسا فعل شيء.
لابدّ في هذا المقام من تسجيل عظمة الرئيس هواري بومدين الذي رفض تمديد البنود الخاصّة بقاعدة مرسى الكبير، ومسائل عسكرية أخرى، ودوره في إلغاء هذه البنود عن طريق قراراته الجريئة المتّخذة في حينها كالتأميم، ومرسى الكبير.
أضيف: لأوّل مرّة أقرأ، أنّ الجزائر أحسنت حين وافقت على بقاء القاعدة العسكرية الفرنسية بالجزائر خشية أن ينفلت الأمن، وتسيل الدماء، وتزهق أرواح الجزائريين، فكان التدرج عاملا من عوامل استتباب الأمن، وصيانة الأعراض والأرواح والممتلكات. مع العلم، هذا الرأي لقادة: جوزيف بروز تيتو، وفيدال كاسترو، وشوان لاي.
في المقابل وافق آيت أحمد، وبيطاط، وبن بلة، وبوضياف، وخيضر على إتّفاقيات إيفيان وبسهولة تامّة، ودون اعتراض.
اللّغة الفرنسية عبر الاتّفاقيات المالية، والإقتصادية، والإدارية:
ممّا وقفت عنده أنّ استعمال اللّغة الفرنسية جاء وبشكل واضح، وجلي، ومتكرّر، وبقوّة عبر الاتّفاقيات المالية، والاقتصادية، والإدارية. مايدل على بقاء اللّغة الفرنسية في هذه المجالات -ولغاية كتابة هذه الأسطر-، والنفوذ الفرنسي عبر هذه الميادين.
لايوجد اتّفاقيات إيفيان سرية:
قلتها وأعيدها غير نادم ولا آسف: قرأت لقادة الثّورة الجزائرية، وللمفاوضين الجزائريين، ولأعضاء الحكومة الجزائرية المؤقّتة الأولى 1958، والثّانية 1959، والثّالثة 1961 ولم يذكر أحد منهم لاتصريحا، ولا تلميحا، ولا في حياتهم، ولا بعد مماتهم، ولا من طرف أصدقائهم، ولا من منافسيهم، ولا أعدائهم أنّ هناك “إتّفاقية سرية لإتّفاقيات إيفيان؟!”، وبصوت واحد ينكرون هذا القول، ويستنكرونه على قائله.
ماوراء إتّفاقيات إيفيان:
أقول: ممّا وقفت عنده أنّ إتّفاقيات إيفيان ضمّت محورين: ماقبل وقف إطلاق النار، وما بعد حقّ تقرير المصير. والشطر الأوّل ألغيت صلاحياته في حينه، والشطر الثّاني ألغيت صلاحياته، وتدريجيا ابتداء من استرجاع السّيادة الوطنية، وخاصة في عهد الرئيس هواري بومدين.
أقول: لم يكن هدف فرنسا والمجرم ديغول إبرام الإتّفاقية، ولم يكن هدف المفاوض الجزائري إبرام الإتّفاقية، وكان لكلا منهما أهداف معلنة وصريحة -ذكرناها بالتّفصيل- لكنّها غير إبرام الإتّفاقية، ولذلك قلت أنّ إتّفاقيات إيفيان ماتت نقاطها الأولى في مهدها، ولحقتها أخواتها بمجرّد استرجاع السّيادة الوطنية، وفيما بعد.
[1] دار دحلب بالعاصمة،سنة 1989، من 362 صفحة.
[2] بن يوسف بن خدة “مصادر أول نوفمبر1954، الشيوعيون يتشيعون لإمامة فرنسا”، أسبوعية الصح-أفة، من 28 شعبان إلى 6 رمضان 1412هـ، ومن 3 إلى 10 مارس 1992، عدد 57، صفحة 8.
[3] BELAID ABDESSELAM “Le gaz algérien, stratégies et enjeux”, édition BOUCHENE, Alger, Algérie, 1989, Contient 349 Pages.
[4] للزيادة، راجع مقالنا بعنوان: ” الجزائر، وهواري بومدين، والغاز في نظر بلعيد عبد السلام – معمر حبار”، وبتاريخ: الخميس 1 رمضان 1444 هـ، الموافق لـ 23 مارس 2023
—