ما بين حكومات أبو عمار وحكومات أبو مازن
إبراهيم ابراش
اتصل بي صديق عمل سنوات كوزير في السلطة في حكومات أبو عمار ليعلمني مستهجنا أنه سمع أن الأسماء المرشحة لحكومة محمد مصطفى تم عرضها على واشنطن للموافقة عليها.
وكان ردي أن كل الحكومات الفلسطينية في عهد الرئيس أبو مازن كان يتم التشاور بشأنها مباشرة أو غير مباشرة مع واشنطن والقاهرة وعمان، وكان لكل دولة نصيبها من الوزراء الموالين أو الأصدقاء الذين يمكن الاطمئنان لهم. وهذا مفهوم وغير مستغرب مع حكومة سلطة تخضع للاحتلال ولا يمكن أن تتدبر أمورها دون التنسيق مع الاحتلال وواشنطن ودول الجوار في كل شيء. الاستثناء الوحيد كانت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية التي لم تعمر إلا لأشهر (١٧ مارس إلى ١٤ يونيو ٢٠٠٧ وخلالها تم محاصرة الحكومة والسلطة وجرت اشتباكات مسلحة بين فتح وحماس وما يشبه الحرب الأهلية تُوجت بانقلاب حماس على السلطة.
حكومات ياسر عرفات كانت مختلفة بعض الشيء حيث ضمت شخصيات سياسية بارزة ومقاتلين وفدائيين قدامى وكان التنسيق مع دولة الاحتلال وواشنطن والأطراف الخارجية موجود ولكن بدرجة أقل، ولكن في نهاية المطاف تعرضت السلطة والحكومة والرئيس نفسه لحصار شديد ثم اجتياح الضفة 2002 وممارسة ضغوط على الرئيس لتغيير النظام السياسي، حيث فُرض عليه بداية سلام فياض كوزير للمالية ثم مقاسمة السلطة مع رئيس وزراء أيضا دون رغبته وأخيرا تصفية أبو عمار نفسه وتدمير غالبية الإنجازات المهمة في الضفة وغزة، بالإضافة الى عدم قدرة حكومات أبو عمار على وقف الاستيطان.
ولكن وحيث هذا الزمان ليس ذاك الزمان والرئيس أبو مازن ليس الرئيس أبو عمار، و(العباسية) نهجا وكاريزما ليست (العرفاتية)، وحيث إنه تم توافق الفصائل في موسكو على تشكيل حكومة تكنوقراط وواشنطن تريدها كذلك، فمن غير المستغرب أن يكون رئيس الوزراء والوزير المفضل اليوم هو من ليس له سوابق في المشاركة بأي شكل من أشكال المقاومة المسلحة أو غير المسلحة حتى إلقاء حجارة على العدو، ولم يسبق أن تم اعتقاله أو وقفه إداريا على خلفية سياسية، وهذا لا ينتقص من قيمة أي وزير أو نشكك بوطنيته ولكن هذا هو الواقع المؤلم، وسيستمر إلى حين التوصل لوحدة وطنية حقيقية وتقوية جبهتنا الداخلية وتحصينها من كل الاختراقات وتصويب مسار علاقتنا بمحيطنا العربي والإسلامي، حتى تخفف من اشتراطات الخارج في تشكيل الحكومة.
وموضوعيا فالحكومات الفلسطينية لا تحكم بل تدير ملفات كل وزير حسب تخصصه، ونفس الأمر بالنسبة للمجلس التشريعي ،وهذا ينطبق على فلسطين وكل الدول العربية، أما الحكم والسلطة ورسم السياسات العامة فهي بيد ما يمكن تسميتها مجازا وتجاوزا (الدولة العميقة): الرئيس وبعض مستشاريه وقادة الأجهزة الأمنية وربما جهات أخرى.–