كيف نربي أطفالنا ؟
الأستاذ حشاني زغيدي
في بدء فواتح الخير مع حلول شهر الصيام ، أحببت أن يكون مع أحبابي جلسات تذكير ، فاخترت أن يكون أول عمل كتابي ، يتوجه للنشء جيل المستقبل ، و كلنا يعلم مدى أهمية رعاية الأطفال في صناعة الجيل الرسالي .
مع اهتمام التربية الحديثة بعالم الطفولة بجميع مدراسها التربوية ، ألا أنني اخترت المدرسة النبوية ودورها في الرعاية التربية الموجهة لجيل المستقبل نموذجا ، فدور التربية النموذجية في تشكيل شخصية الطفل الرسالي مهم للغاية .
فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم النموذج التطبيقي الصحيح في التنشئة الصحيحة ، وقد وقفت على صور رائعة في فن حسن التعامل النبوي مع الأطفال ، فقد قامت تلك العلاقة التربوية على أساس الحب وحسن العشرة ، تربية صاغت كل المعاملات الأسرية في البيت، فكان نموذجا مثالا مع أهله ، فكان قرآنا يمشي في الأرض ، كان مثالا يحتذى به في التأسي ، فقد حظى الصغار من تلك التربية الاحظ كبير ، الذي لا يمكن بحال إهمال مصدر سعادة البيت وبهجتها ، فأطفال هم شموع الأمل ، الذي يبعث فينا راحة بال لا تشترى ، فكان لهم النصيب الأوفر في الرعاية النبوية ، رغم مهامه الكثيرة .
فكان نصيب الرعاية الذي يقوم على تلبية معظم حاجاتهم النفسية والمادية والتربوية ، فكانت التربية تراعي جوانب الشمول والتكامل ، فلم تهمل حاجيتهم البيولوجية الغداء والرعاية الصحية و البدنية والعقلية ، ولم تهمل الجوانب النفسية ، فوفرت لهم بيئة سليمة ، قامت على الملاطفة واللعب والممازحة ، واهداء الهدية ، فدور الجانب العاطفي مهم في هذه التنشئة ، فالحرمان ينتج لنا شخصية غير سوية ، تكون عرضة لانحرافات مستقبلية.
يحكي لنا أنس بن مالك عن حنو النبي – صلى الله عليه وسلم – على ابنه إبراهيم وغيره من الأطفال، فيقول: (ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، كان إبراهيم مسترضعاً في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت .. فيأخذه، فيقبِّلُه ثم يرجع) .
فالنبي لم يهمل هذا الجانب ، فأعطاه حقه كاملا غير منقوص .
واليوم أصبح هذا الأسلوب بيداغوجية تربوية تطبقها أرقى المنظومات التربوية الحديثة ، التي اصطلحت عليه بيداغوجية اللعب ، والتي تطبقها اليوم أرقى هذه الدول .
فالتربية النبوية جعلت من قبلة الصغار وحضنهم واللعب معهم بهذا الأسلوب البسيط ، يحرم منه الصغار في يومنا هذا ، بل تقابله قسوة المعاملة والجفاء وغلظة الطبع ، بل العجيب أن الواحد منا أصبح يفاخر بغلظة المعاملة مع أبنائه وهذا مؤسف جدا ، وتلك الرعونة سيكون نتاجها محصول تربية غير صالحة ، يشقى بها المجتمع والأمة .
لعل الدروس النبوية لا تتوقف كما جاء في السنة الصحيحة ، قدم ناس من الأعراب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -: «نعم». قالوا: لكنا والله ما نقبِّل! فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة!»
و من التربية الخاطئة التي يمارسها البعض التربية بالحرمان والتضييق على الأبناء وعدم مشاركتهم الأمور الحياتية ، بدعوى أنهم صغار لا يفهمون أو لا يضيقون تحمل الأعباء وهذا خطأ كبير ، فتدريب الأبناء على بعض التكاليف الحياتية مهم ، المهم أن يكون التدريب تحت رعاية الكبار وتوجيههم ، حتى يتدرب الطفل على الجد من صغره ويتعلمون المسؤولية ، كالقيام على خدمة نفسه ، بتوظيف فراشه ولباسه وترتيب أغراضه ، مشاركة الوالدين في الذهاب للمسجد و حضور حلقات العلم ، و الأنشطة الثقافية النافعة ، كلها واجبات مهمة في التنشئة الصحيحة .
ومن الأمور المهمة التي يجب على المربي في الأسرة أو المدرسة أن يراعيها التزام جوانب القدوة في القول والعمل ، فالأطفال يتعلمون من الأباء والمربين الصدق والأمانة والوفاء بالوعود ، يتعلمون منهم النظام وحسن المعاملة ، فلو رأى الطفل أباه يكذب فسوف يقلده في كذبه و لو رآه يسرق فسوف يقلده في السرقة ، ولو رآه يغش ويفجر في الخصوم فسوف يقلده ليكون نسخة طبق الأصل لمربيه .
فقد جاء في السنن عن عبد الله بن عامر أنه دعته أمه يوماً ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – قاعد في البيت، فقالت: ها، تعال أعطيك، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «وما أردت أن تعطيه؟» قالت: تمراً، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبتْ عليكِ كذبة»، وفي رواية أنه – صلى الله عليه وسلم – قال: «من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه فهي كذبة» .
وفي ختام المقال علينا أن نربي أطفالنا على محبة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته ، وهو أقرب طريق للتربية الصحيحة وسبيلها أيضا محبة أصحابه عليهم الرضوان.
الأستاذ حشاني زغيدي