كيف سيطرت مدرسة اقتصادية وسياسية واحدة على الحياة العامة فى مصر ؟!
أحمد فاروق عباس
هناك مدرسة اقتصادية واحدة تسيطر على الأفكار الأساسية التي توجه الاقتصاد المصرى منذ أربعة عقود على الأقل ، ويمكن القول أن هذه المدرسة تتبنى النظرة الغربية للاقتصاد بالكامل ، ولا تستطيع أن ترى غيره ..
وهذه المدرسة على عداء كامل مع فكرة تدخل الدولة فى الاقتصاد ، وعلى اقتناع كامل باقتصاد السوق ، وكلام آدم سميث عن اليد الخفية لاقتصاد السوق ..
ويمكن القول أن هذه المدرسة بدأت بصفة أساسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة ..
ثم لحقتها باقى كليات وأقسام الاقتصاد فى الجامعات المصرية ..
ولا تجد هذه المدرسة تحد قوى – فى الجامعات المصرية – إلا من أنصار مدرسة الإقتصاد الإسلامى !!
وقد انتقل رجال هذه المدرسة من قاعات المحاضرات إلى دواوين الوزارات ، ونقلوا ما تعلموه فى الكتب وما يدرسونه لطلبتهم إلى سياسات تؤثر في حياة الناس ..
فمن مصطفى السعيد فى الثمانينات إلى محى الدين الغريب فى التسعينات ..
ومن يوسف بطرس غالي ومحمود محى الدين فى العقد الأول من القرن ٢١ ، إلى هالة السعيد وفخرى الفقى الآن ..
وهى مدرسة لها كل الاحترام طبعا ، وأغلب من فيها مجتهدين ومتميزين فى عملهم ، ولكن عيبهم الأساسى أنهم ذوو نظرة واحدة واتجاه واحد ، وأنهم فنيين بأكثر مما يجب ، ومجال عملهم فى الأدوات أكثر من السياسات ..
وكان د يوسف بطرس غالي – وقد عملت فى مكتبه فترة قصيرة فى خريف ٢٠٠١ قبل العمل بالجامعة – يصف نفسه بأنه ميكانيكي اقتصاد ، اى ليس له علاقة بالأفكار أو السياسات ولكن عمله كله – كأى ميكانيكي – فى عدة الشغل أو أدواته ..
ترتب على ذلك أن الاقتصاد المصرى ومعه السياسة المصرية لم تستطع أن توصَّف بحق وعلم احتياجات الاقتصاد المصرى ، ولا طبيعة المرحلة التى يمر بها ، وماذا نريد منه ، وماذا تريد مصر من وراءه ..
ونفس ما حدث في الاقتصاد حدث مثله في السياسة !!
مدرسة واحدة ونمط تفكير واحد هو ما يحكم السياسة فى مصر منذ عقود ، فى الحكم كما فى مصر المعارضة ..
وباستثناء المدرسة الإسلامية وأفكارها معروفة للجميع ، لم تقم باقى مدارس الفكر والسياسة في مصر بمجهود يذكر ..
ولا تقديم اجتهادات جديدة تستحق الالتفات ، أو نخب جديدة تستحق الاحترام ..
يستوي في ذلك المدرسة الليبرالية ، أو المدرسة اليسارية بأفرعها المتنوعة الناصرية أو القومية أو الماركسية ..
وانكمش على أنفسهم أنصار الوحدة العربية مثلهم مثل أنصار التوجه شرقا .. حيث الصين والهند وفيتنام واندونيسيا وباقى آسيا الناهضة ..
وحتى أنصار مدرسة مصر أولا وأخيرا ، وهى المدرسة التى تحكم مصر حاليا ومنذ عقود ، لم تطور خطابها وتلهم أجيالا جديدة من المصريين ..
وما صعود تلك المدرسة بعد يونيو ٢٠١٣ إلا بفضل خوف المصريين على بلدهم وعلى دولتهم ..
ولكن الخوف – على المدى البعيد – لا ينتج سياسة مستقرة أو قابلة للبقاء ..
تجديد الحياة العامة فى مصر بأفكار جديدة ونخب جديدة وأحلام وتصورات جديدة مهم لحيوية البلد ومستقبله ..
وهو واجب مدارس الفكر والسياسة في مصر ، وليس واجب الدولة ، فليس من واجبات الدولة أن تفكر أو تطرح الاجتهادات المختلفة أو المعارضة ..
فمن مشاكل مصر الكبيرة في زمننا الحاضر أن الكل أصبح ينتقد لكن لا أحد أصبح يجتهد ، والكل أصبح يشتم ولكن لا أحد أصبح يفكر ..
نهضة مدارس الفكر والسياسة في مصر وتقديم اجتهادات علمية ومدروسة وعاقلة ضرورة لبقاء حيوية مصر ..
وهى ضرورة للديمقراطية والتداول السلمى والآمن للسلطة إذا أردنا ديموقراطية عاقلة ورشيدة ، وليست ديموقراطية المعارضة التى تتبناها وتنفق عليها دول خارجية ، أو معارضة الهواة او المغامرين كما يحدث الآن ..