سبب التطور السريع للصناعة العسكرية والدفاعية التركية
شهدت السنوات الماضية تطوراً لافتاً في الصناعات الدفاعية التركية، وظهر ذلك على صعيد تطوير الطائرات المسيرة، حتى أصبحت واحدة من أهم الدول في هذا القطاع بالنظر إلى العديد من العوامل، في مقدمتها إثبات المسيّرات (قاطرة التصدير العسكري التركي) فعاليتها العالية في ساحات قتال مختلفة متنوعة، وفي مواجهة أسلحة وأنظمة دفاع جوي روسية وصينية، في كل من سوريا وليبيا وأذربيجان وأوكرانيا مؤخراً.
التطور اللافت في قطاع التسليح التركي لم يقتصر على ما سبق، فقد أعلن الرئيس التركي (في نوفمبر 2022) عن نجاح بلاده في إطلاق تجربة صاروخ “تايفون” الباليستي من منطقة على ساحل البحر الأسود إلى نقطة أخرى تبعد مئات الكيلومترات، وهي المرة الأولى التي يُعلن فيها عن أن تركيا بدأت تجارب فعلية على برنامج لصناعة صاروخ باليستي.
وسبق هذا الإعلان تأكيد الرئيس أردوغان على نجاحات واسعة لبلاده في مجال الصناعات الدفاعية في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالمسيّرات الجوية والبحرية والسفن الحربية وبرنامج الطائرة الحربية المقاتلة والدبابات والمدرعات، فضلاً عن استعداد بلاده لإطلاق قمر صناعي جديد إلى مدار الأرض باستخدام الصاروخ “قائم”، خلال هذا العام. كما كشف في أكتوبر الماضي “ياسين أكديري”، المدير العام لشركة الصناعات الميكانيكية والكيميائية التركية (MKE)، عن إنتاج الشركة لنظام دفاع جوي جديد من الفئة قصيرة المدى، واصفاً إياه بأنه “جنوني”.
التطور في تطوير القدرات التسليحية التركية لم يقتصر على الاهتمام بدعم الصناعات الدفاعية المحلية، فقد اتجهت أنقرة إلى تزويد ترسانتها العسكرية بأحدث التقنيات، فبينما حصلت على منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400، بدأت في يونيو الماضي مباحثات مع لندن بشأن إمكانية حصول الأولى على عدد من طائرات “يوروفايتر تايفون”، وهي طائرة حربية متقدمة من الجيل الخامس يصنعها تحالف شركات من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وتُستخدم بفاعلية في سلاح جو العديد من الدول حول العالم. وتصاعد الحديث عن شراء تركيا صفقة محتملة من مقاتلات “تايفون”.
والواقع أن ثمة تفسيرات متنوعة بشأن حرص تركيا على تطوير المنظومة الدفاعية المحلية جنباً إلى جنب مع تحديث قواتها العسكرية بأحدث التقنيات، ومنها تجاوز الضغوط الغربية التي تتعرض لها بين حين وآخر، وظهر ذلك في استبعاد تركيا من إنتاج منظومة المقاتلات الجوية F35، ناهيك عن معارضة الكونجرس منح تركيا الجيل الأحدث من طائرات F16. كما أن ثمة مخاوف لدى أنقرة من حدوث توتر في العلاقة مع موسكو في ظل اتساع الخلاف بين البلدين حيال المشهد السوري، ورفض الأخيرة العمليات العسكرية التركية على مناطق الشمال السوري، فضلاً عن تعزيز موقع تركيا على خريطة الصناعات الدفاعية الدولية، ومواكبة التطور العسكري للخصوم الإقليميين لها وفي المناطق القريبة منها، ولا سيما مع اتجاه اليونان نحو توقيع اتفاقيات دفاعية مع باريس وواشنطن خلال نهاية عام 2021، واتجاه إيران نحو تطوير قدراتها الصاروخية. كما تمثل المنظومة رسالة للداخل يمكن توظيفها في عملية التعبئة والحشد لمصلحة الحزب الحاكم.
ختاماً، فإن توجهات تركيا نحو تطوير قطاعاتها التسليحية، سواء محلياً أو من خلال استيراد أحدث التقنيات العسكرية، يعكس رغبتها في تطوير هذا القطاع الذي بات يلعب دوراً محورياً في خارطة الصادرات التركية، ناهيك عن كونه بات يمثل أولوية في تعويض التراجع الحادث في الاقتصاد التركي، خاصة أن أنقرة أصبحت واحدة من أهم الدول المصدّرة للطائرات المسيرة. ويشار إلى أن ثمة إقبالاً على الصناعات الدفاعية التركية، فإلى جانب ميزاتها التنافسية الاقتصادية، فهي تتسم بالجودة والكفاءة العالية، ناهيك عن أنها لا ترتبط باشتراطات سياسية. لكن في المقابل، ثمة تحديات تواجه قطاع الصناعات الدفاعية التركية، يأتي في الصدارة منها تراجع مؤشرات الاقتصاد التركي، واستمرار العقوبات الغربية على هيئة الصناعات الدفاعية التركية بسبب حصولها على منظومة الدفاع الروسية إس 400، ناهيك عن افتقارها إلى تكنولوجيا المحركات التي تستخدم في إنتاج كثير من المعدات العسكرية.
الحائط العربي