رجل كان يتصدق على اليتامى …ماذا وقع له بعد موته ؟
احمد الحاج
انتشر في الآونة الأخيرة وبكثرة مقطع فيديو لأحد مشايخنا الأفاضل المعتدلين وهو يتحدث فيه بأسلوب شائق ماتع عن واقعة لأحد معارفه المقربين حدثت خلال الصيف الجاري خلاصتها، أن ” شخصا كبيرا في السن مات فرآه حد ابنائه في المنام وهو في حالة من الغبطة والسرور يتحلق حوله ابناء جارته الايتام وهم يسكبون عليه الماء البارد ووالده ممتن وسعيد جدا ومستبشر بصنيعهم ، فما كان من العائلة الا ان قررت سؤال الجارة لعلها تملك تفسيرا لما حدث ، ولعل خبيئة خير كان يصنعها والدهم ولايدرون بها البتة ، وبالفعل ذهبوا اليها وعلموا منها بعد سؤال الارملة الجارة التي مات زوجها منذ سنين وتركها لتربي ايتامها الصغار وهي تعيش الكفاف بأن جارها المتوفى كان قد تكفل بدفع حساب المولدة الاهلية لعدة سنين شهريا ومن دون انقطاع ومن دون ان يخبر اهله بذلك ..فشاء الله سبحانه أن يراه أحد ابنائه في المنام بمعية أيتام الجارة وهم يسقونه ويسكبون عليه الماء البارد وهو بمعيتهم في حالة فرح جماعي غامر لتصل القصة الى الشيخ المفوه الذي سارع بدوره الى نشرها على الملأ من شاشة احدى الفضائيات المعروفة لينتشر المقطع بعد ذلك انتشارا كبيرا ، ومحوره هو تأثير الصدقة وفضل العمل الخيري الانساني الكبير لاسيما ذاك الخفي النقي المخلص الذي لايتبعه منُُ ولا أذى ولا رياء ابدا “، ولاشك أن فضل الصدقة ولاسيما الخفية منها عظيم عظيم عظيم ،وأثرها في أحوال المتصدقين ومعيشتهم وصحتهم وأمنهم وأمانهم وتوفيقهم ونجاحهم ولو بعد حين في الدنيا قبل الآخرة كبير كبير كبير بما يذهلك ، بما يدهشك ، بما يصدمك، بما يغبطك ، ولعل من القصص الواقعية التي جرت وقائعها أمامي أن شخصا ما كان قد أهدى حاسبة الكترونية بكامل مواصفتها وتجهيزاتها الى شخص آخر كان بأمس الحاجة لها في عمله وهو لايمتلك ثمنها حينئذ ، ومرت الأيام سراعا بما يقرب من 9 سنين تقريبا واذا بالشخص الذي أهدى الحاسبة يقع في نفس مطب زميله الأول حيت تعطلت حاسبته وهو يمر بحالة مادية صعبة وليس بوسعه شراء أخرى جديدة مع عدم جدوى اصلاحها ، واذا بحاسبة تهدى له من حيث لايحتسب ومن شخص قريب كريم عن طيب خاطر من دون طلب منه بتاتا مع أن المُهدي لايعلم بقصة الحاسبة السابقة التي اهداها الموما اليه الى آخر كان بحاجة لها في يوم ما ، وانا على يقين تام بأن من اهدى الحاسبة الثانية ستهدى له حاسبة من حيث لايحتسب في زمن يحتاجها فيه أو بما يوازيها ويناظرها من اجهزة مستقبلا !
وهناك واقعة أخرى حدثت أمامي مع شخص آخر أهدى هاتفا محمولا لزميل له بعد سرقة هاتف الأخير في الباب المعظم وهو لايمتلك ثمن شراء هاتف جديد وقتها ، ومرت الأيام بما يقرب من 7 سنين واذا بهاتف المُهدي يقع على الأرض ويتعطل وهو في حالة مادية لاتسمح له بشراء هاتف جديد حينها، واذا بشخص ثالث لايعلم بالقصة الأولى كليا ونهائيا يهديه هاتفا عن طيب خاطر من دون ان يطلب منه ذلك !
والقصص على هذا النحو كثيرة ومذهلة بما لايتسع المقام لذكر عشر معشارها ، فتصدق رعاك الله ولاتبخل ولاتخش من ذي العرش اقلالا ابدا وخلاصة نصيحتي للجميع هي ” لابد من الوعظ القصصي المستلهم من الواقع المعاش أو المعاصر والتي أجد بعضها اكبر تأثيرا واكثر فاعلية لتطابق الصور وقربها من القلوب والنفوس والاذهان اكثر من سواها ، وعدم الاقتصار على الوعظ التأريخي فحسب لاسيما حين يكون الاخير لمجاهيل عن مجاهيل في – زمكان – مجهول ، او حين يشط الوعظ على لسان الواعظ في عالم الخرافات والاساطير ، بل قل الاكاذيب والاوهام للتأثير في الناس بزعمه ” واقول لهذا الصنف الاخير من الوعاظ ، عمر الكذب والاكاذيب والاستحمار لم ينجح في دعوة الناس الى الخير والعطاء والتأثير فيهم على النحو الايجابي المطلوب…يؤثر في الناس على النحو السلبي الغبائي والاستغبائي نعم ، على النحو الايجابي العقلاني الانساني المثمر ، لا ” .
وليعلم الجميع بأننا جزء من هذا التأريخ ايضا وعلى الجميع ان لايذهل عن ذلك البتة ، ولعل قصص تراحمنا وتراحم ابنائنا وامهاتنا وجداتنا واجدادنا واخواننا ومعارفنا مع بعضنا لاتقل تأثيرا عن قصص من سبقنا ولابد من تطعيم هذه بتلك بين الفينة والاخرى والمناوبة بينهما وعدم الاقتصار على احداها من دون الاخرى ..ولا ادل على ذلك من انتشار قصة الجار الذي دفع حساب مولدة الايتام لسنين وبرد حياتهم فبرد الله تعالى له حياته بعد الموت !
ونصيحتي الثانية للخطباء والوعاظ والمربين والمرشدين ان لايختزلوا مفهوم الصدقة بإعطاء المال مباشرة الى الفقراء فحسب كما جرت عليه العادة …لا ….شراء دواء لمريض فقير وتحمل تكاليف علاجه صدقة …دفع حساب المولدة الشهري لأرملة مسكينة صدقة …دفع ايجار مؤجر محتاج صدقة …اجراء عملية جراحية مجانية لمعاق او مسكين صدقة …شراء كرسي متحرك لمشلول عاجز صدقة ….شراء سماعة خلف الاذن لضعيف سمع عاطل صدقة …الاسهام بشراء او تعبئة قناني الاوكسجين مع مرفقاتها لمن يحتاجها من مرضى كورونا صدقة …شراء عصا ارتكاز بيضاء لكفيف بصر معدم صدقة …اسقاط دين مدين معسر او امهاله صدقة …شراء كسوة العيدين وحقائب وملابس وقرطاسية العام الدراسي الجديد لأيتام صدقة …اهداء سلة غذائية تموينية متكاملة لعائلة متعففة صدقة ..توزيع كمامات ومعقمات وقفازات ومناديل ورقية صحية في زمن الوباء والغلاء والبلاء بين سواق سيارات الاجرة والكيات والستوتات والنقل العام او في الاماكن العامة والمساجد صدقة …توزيع قناني او اقداح مياه معبأة ومعقمة بين عمال النظافة والخدمة والكادحين في الصيف اللاهب صدقة …حفر بئر ارتوازي في منطقة يشح فيها الماء صدقة ..اهداء مصادر وكتب ومراجع لطالب علم مثابر كادح صدقة …وقف مكتبة لطلبة علم شرعي او طبي او هندسي او صيدلاني ونحوها صدقة …وهكذا دواليك وما نقص مال من صدقة ، علما ان الصدقة وبالاخص الخفية منها تطفئ غضب الرب وتقي مصارع السوء .
ومن الامثلة الواقعية على العمل الانساني الرحماني المثمر قصة مسيو جانو الذي كان بحاجة الى الاسلام العملي لا النظري …الى الاسلام الرحماني الانساني المتعدي لا الفرداني ولا الاناني المتقوقع ليهتدي الى طريق الحق !
مسيو جانو بإختصار هو رجل فرنسي ابا عن جد عاش عمره كله ملحدا ، وعمره اليوم فوق الـ 95 عاما تركه اهله واولاده ليعيش بمفرده وقد اخبروه بأنهم سيحرقون جثته بعد وفاته ، فما كان من جارته المسلمة المصرية ” مدام هناء ” وزوجها وهما يقيمان في فرنسا ويجيدان التحدث بالفرنسية بطلاقة وبعد ان علما بحالة الرجل النفسية السيئة بعد ان هجره كل ابنائه واقربائه واصدقائه اما بموت او بسفر او بعمل ، الا ان توليا رعاية الرجل المسن من تنظيف منزله ومتابعة علاجه والاهتمام بطعامه وشرابه حسبة لله تعالى من دون مقابل لا مادي ولا معنوي ، فتأثر الرجل بهما كثيرا وقرر اعتناق الاسلام وهو بكامل قواه العقلية وبالفعل ذهب مسيو جانو الى الجامع ونطق بالشهادتين وحصل على شهادة رسمية توثق اسلامه قبل ثلاثة اسابيع حتى لايقوم اولاده من بعد وفاته بحرقه وبحسب تصريحه اكثر من مرة بمقاطع فيديو بأنه ” يريد ان يدفن ، ولا يحرق ” وقد تعلم الوضوء والصلاة وحفظ الفاتحة وصار يواظب على الصلواة الخمس جلوسا ….وقد حظي الرجل بمتابعة كبيرة من الفرنسيين والمسلمين على سواء لما يتمتع به من اطلالة جميلة ، ودماثة خلق ، وابتسامة رائعة .
الحقيقة ان العمل الانساني والفعل الصالح الرحماني هو افضل واروع واقصر الطرق واكثرها فاعلية في الدعوة ” الدعوة بالقدوة ، بعيدا عن الثرثرة وربما اللغوة ” ، نحو ” رعاية المسنين ، كفالة الايتام ، السعي على الارامل ، شد عضد الكادحين ، دعم الفقراء والمساكين ، رعاية ذوي القدرات الخاصة وتأمين احتياجاتهم من كراسي متحركة للشلل النصفي والرباعي وتوفير العكازات الابطية والمرفقية والمساند الثلاثية والرباعية ، اطعام الجياع ، كسوة العراة ، سقي الظمأى ، حفر الابار الارتوازية في المناطق التي تشح فيها المياه ، تعليم المكفوفين لغة برايل وتزويدهم بالكتب اللازمة وبعصي الارتكاز العادية والذكية ، تأهيل الصم والبكم وتعليمهم لغة الاشارة ، تعليم اطفال التوحد والحنو عليهم ، تأهيل اطفال متلازمة داون ومعاملتهم بالحسنى ، علاج المرضى ورعايتهم وتوفير الدواء والعلاج اللازم لهم مجانا او بأسعار رمزية ، خدمة النازحين ، ايواء المشردين ، تعليم الاميين ، قضاء الدين عن المدينين “شراء دفاتر الديون وتمزيقها ” ، اماطة الاذى عن طريق الناس تطوعا ، سداد او التخفيف او التنازل عن ايجار المستأجرين ولو مرة واحدة في العام ، ارشاد الضالين ، تنبيه الغافلين ، تشغيل العاطلين ، رعاية وسقي واطعام الحيوانات السائبة – قطط كلاب – كذلك الطيور والعصافير الحرة ، الزرع بدلا من القطع ، اشاعة وافشاء السلام بوجه طلق على من عرفت ومن لم تعرف ، بذل المعروف وصنائعه في كل وقت وحين ، بحاجة الى التواضع ،الى الكرم والجود ، الى الاقدام والمثابرة ،الى الجد والاخلاص في العمل ، الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة ، الى والى والى ..فكل هذه الاعمال الانسانية الرحمانية الرائعة وفيها عشرات النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة انما هي بمثابة ” القوة الرحمانية الراحمة لمواجهة القوتين الغاشمة والناعمة ” وهي روح الاسلام وجوهره بكل ما تعني الكلمة من معنى ولها مفعول المغناطيس ولا اقول السحر في قلوب الاخرين وعقولهم بما يغني عن كثير جدال وطويل خصام ، وما اغفالها عمدا او سهوا او بخلا او عجزا او كسلا او جبنا او تهاونا ، الا ابتعاد عن المنهج الاسلامي الصحيح المتكامل الصالح لكل زمان ومكان ….وجماعها هو ” رحماء بينهم ” !
لم يكن مسيو جانو وهو بهذه السن المتقدمة بحاجة الى محاضرات عقلية أو نقلية ، ولا الى دروس فلسفية وفكرية وجدلية تحاول إقناعه بالاسلام لأنه غير مستعد للنقاش ولا الجدال ….لم يكن مسيو جانو بحاجة الى مشاهدة اناس يعبدون ويذكرون صباح مساء من دون ان يظهر اي اثر لعباداتهم اليومية تلك على سلوكهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم ولو بالحد الادنى بعد ان صارت عادات اكثر من كونها عبادات ..لم يكن مسيو جانو بحاجة الى ان يعرف الفرق بين الفرق والعقائد وهذا جهمي وذاك قدري ،هذا معتزلي وذاك اشعري ، ولا يريد ان يعرف عن ذلك شيئا البتة ، لم يكن مسيو جانو بحاجة الى بقية القرف الذهني والترف الفكري الذي اضاع الامة وحرف بوصلتها كليا حتى صارت لقمة سائغة بيد اعدائها وخصومها وحسادها وبات الاكلة يتداعون على قصعتها من كل حدب وصوب ” ، مسيو جانو كان بحاجة الى ان يرى تعاليم واخلاقيات ومثل وقيم ومبادئ الاسلام الحنيف العظيمة غضة طرية عمليا وواقعا وليس نظريا وهي حبيسة الكراسات والكتيبات والمطويات ، ليقتنع بها وهذا ما حدث تماما “زوجان عربيان مسلمان توليا رعايته بحق وهم لايمتان له بأي صلة ، انهما من غير قوميته ، انهما على غير دينه ، انهما من غير بلده ،انهما من غير لونه ، انهما على غير ملته ، الا ان تواصلهما معه ورعايتهما له جديا بعد ان تخلى اقرب المقربين اليه كأنسان كبير في السن اوجب الاسلام رعايته وتمريضه واطعامه وكسوته وتقديم يد العون له وان كان غريبا عنهما ، جعله ينسف كل ما امن به طوال 95 عاما ليؤمن ويعتنق دينهما غير أبه بأحد من معارفه واقاربه ولا ابناء جلدته ، وقد كان في غاية الفرح بعد اسلامه حتى انه كان يخرج شهادة الاسلام اكثر من مرة ويقبلها ويضعها على صدره فرحا وجذلا كالاطفال والدمع يغالبه !
مسيو جانو كان بحاجة الى الاسلام العملي لا النظري ، كان بحاجة الى الاسلام الرحماني الانساني المتعدي ، لا الفرداني ولا الاناني المتقوقع ، ومثل مسيو جانو هذا عشرات بل مئات بل الوف الملايين حول العالم بالامكان الوصول اليهم بكبسة زر الكترونية مخلصة وواعية وانت في غرفتك تشرب الشاي المهيل ، لا اكثر ! اودعناكم اغاتي