حكاية أخرى لـ غزوة بدر المباركة
معمر حبار
سيّدنا رسول الله صلى الله عليهم وسلّم للمبارزة قبل غزوة بدر:
بدأت غزوة بدر بالمبارزة بين الفرسان، “فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار،
ابتدأ القتال بالمبارزة، فخرج من صفوف المشركين ثلاثة نفر: عتبة بن ربيعة وأخيه شيبة وابنه الوليد فطلبوا أكفاءهم فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار، فقالوا: لاحاجة لنا بكم إنّما نريد أكفاءنا من بني عمّنا”. 114
أقول: لم يكن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هو الذي طلب من أسيادنا الأنصار المبارزة، إنّما هم الذين اختاروا طواعية، وبمحض إرادتهم النزول لميدان المعركة، ومبارزة عدوهم من قريش.
لايمكن بحال لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أن يدفع بأسيادنا الأنصار لخوض الحرب دونه، وبدلا عنه.
وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يقدّم أسيادنا آل بيته للمغرم والقتال والحرب، ويؤخّرهم عند الغنائم، فالصدقة لاتجوز في أسيادنا آل البيت مثلا.
اعتراف كفار قريش بمكانة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأسيادنا آل بيته:
كفار قريش وهم العدو، رفضوا أن يقاتلوا عدوا غير عدوهم، ولذلك رفضوا مبارزة الأنصار لأنّهم ليسوا أعداءهم، وفضّلوا أن يبارزوا أسيادنا المهاجرين، أي من بني أعمامهم، لأنّهم يرونهم أكفّء لهم. فالعربي الكافر وهو العدو، لايسرف في القتل، ولا يريد أن يبارز آخر غير عدوه، ولا يريد أن يبارز من -يراه- دونه، وليس كفؤا له.
يعترف كفار قريش باختيارهم وشرطهم هذا، أنّ المسلمين من المهاجرين وبالضبط من بني أعمامهم أكفاء لهم. وهذا اعتراف بمكانة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبأسيادنا آل بيته، وبأسيادنا الصحابة الذين يحيطون به، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا.
عظمة صدق سيّدنا الصّديق:
قال الكاتب: “ثم رجع صلى الله عليه وسلّم ومعه رفيقه أبو بكر، وحارثة سعد بن معاذ واقف على باب العريش متوشح سيفه. وكان من دعاء الرسول عليه السّلام ذاك الوقت “اللّهم أنشدك عهدك ووعدك اللّهم إن شئت لم تعبد. فقال أبو بكر: حسبك فإنّ الله سينجز لك وعدك”. 115
أقول: من عظمة سيّدنا الصّديق، رحمة الله ورضوان الله عليه، أنّك تجده في المحطات المنعرجة الخطيرة من تاريخ الأمّة الإسلامية، يغرس فيها الثّبات، ويزرع فيها الأمل.
وهاهو الصّديق، يظلّ ظلّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أثناء غزوة بدر، لايغادره، ولا يتركه وحيدا. وكلّه ثقة في نصر الله تعالى، وفي قائده سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وهذا مظهر من مظاهر عظمة سيّدنا الصّديق، بالإضافة إلى مظاهر العظمة التي ذكرناها سابقا، ونذكرها لاحقا حين يحين المقام.
ليس النصر دائما بالعدد والعدّة:
قال الكاتب: “فلم تكن إلاّ ساعة حتّى هزم الجمع وولوا الدبر وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون”. 115
أقول: رغم أنّ عدد كفار قريش يفوق المسلمين بثلاثة أضعاف، ويفوقهم بشكل غير قابل للمقارنة من حيث العتاد، إلاّ أنّ الكفار انهزموا في السّاعة الأولى من بدء المعركة.
السّرعة الخارقة في انتصار المسلمين، تدل أنّ العدد والعدّة ليست بمفردها -ودون تجاهل قيمتها-، التي تحسم المعركة، بل هناك عوامل أخرى يمتلكها المسلم ويفتقر إليها الكافر، كالثقة بالله تعالى، والإيمان بوعد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والإيمان المطلق في نصر الله تعالى، والتصديق الكامل في القضية العادلة التي يمتلكها المؤمن ويدافع عنها ويموت دونها، وانتقال هذه العقيدة من جيل صادق إلى جيل واعد، بالإضافة إلى عناصر أخرى.
دولة عمرها 14 سنة تهزم دولة تفوقها عمرا وعددا وعدّة:
قال الكاتب: “فقتل من المشركين نحو السبعين، أما الأسرى فكانوا سبعين. وكانت هذه الواقعة (غزوة بدر) في 17 من رمضان. وبين التاريخين 14 سنة قمرية كاملة”. 116
أقول: 14 سنة في عمر الدول لاتساوي شيئا، لكن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، انتصر وفي ظرف 14 سنة على جيش يفوقه بثلاثة أضعاف، واستطاع أن يكوّن قوّة عسكرية تضاهي قوّة قريش التي تفوقه عددا وعدّة. مايعني -وإن كان عامل الزمن مهم-، لكن لايشترط القرون لبناء الدول والمجتمعات والأمم والحضارات، ويكفي بعض السنوات، حين يتوفر القائد المناسب صاحب القرار الحاسم الفاعل، والمجتمع الذي يملك العزيمة والإقدام.
قتل الأسير الأشدّ عداوة، والمجاهر بعداوته، وجرائمه تجاه الدين والقائد والمجتمع:
قال الكاتب: “أمّا الأسرى فكانوا سبعين أيضا قتل منهم عليه السّلام عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث اللذين كانا بمكة من أشد المستهزئين”. 116
أقول: الأسير لايقتل، لكن الأسير الذي بالغ وأمعن وجاهر وسعى لقتل القائد، والاستهزاء به، ومحاربة المجتمع، والاستهزاء علانية بقيمه، وأفنى حياته وماله وجاهه لمحاربة المسلمين، وصدّ النّاس عن دعوة الحقّ، فلا عجب إذن أن يقتله سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قصاصا لجرائمه تجاه دين الله تعالى، وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمسلمين.
تكمن عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في كونه لم يفتدي هذين الأسيرين، رغم أنّه كان بحاجة ماسة إلى المال. لأنّ جرائمهما غطّت المال الذي ينتفع بفديتهما، والمجرم لايستفاد منه ولو كان من ورائه فائدة، والفائدة العظمى هي أن يقتل، جزاء جرائمه العلنية والمستمرة.
انتصار المسلمين في حرب المعنويات:
قال الكاتب: “وكان المنافقون والكفار من اليهود قد أرجفوا بالرسول صلى الله عليه وسلّم والمسلمين، فجاء أولئك المبشرون بما سرّ أهل المدينة”. 117
أقول: بمجرّد ماانتهت غزوة بدر بنصر المسلمين، أرسل سيّدنا رسول الله صلى الله، مبعوثين عنه للمدينة وما جاورها، ليبشّروهم بالنصر، لأنّه يعلم أنّ المنافقين واليهود، سيستغلون غيابه وغياب جيش المسلمين، ويبثّون في صفوف المسلمين اليأس والقنوط فيما بينهم. فسبقهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبثّ الأمل والعزّة والنصر والقوّة والعزيمة لدى المسلمين في المدينه، وقبل أن يشرع المنافقون واليهود ببثّ سمومهم.
إنّها إذن حرب معنويات، ومن انتصر فيها فقد انتصر في الحرب. والحرب تبدأ برفع المعنويات، وتختتم برفع المعنويات، ومن أحسن تسيير بداياتها ونهاياتها، فقد انتصر على عدوه ولو كان أكثر منه بثلاث مرّات، ويفوقه في العتاد.
وعظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في كونه انتصر في تسيير حرب المعنويات قبل أن تبدأ غزوة بدر، وبعد انتهائها، وهذا هو النصر المبين، الذي وعده الله إيّاه.
—
الشلف – الجزائر