بين سوريا و تركيا الآن
الدكتور خيام الزعبي
عندما نتابع الأحداث السياسية وبرؤية تحليلية نكاد نجزم بأن تركيا على حافة الهاوية وذلك لتدخلها في أكثر من بلد عربي لتحافظ على هيمنتها ونفوذها بالمنطقة في حلبة صراع مع سورية وحلفائها، هذه السياسة المتبعة من قبل تركيا جعلتها تخسر الكثير من قواها إقتصادياً وأصبح شعبها يعيش ظروف صعبة، لذلك نحن على أعتاب متابعة مشهد جديد في المنطقة خصوصاً بعد أن لوح أردوغان بغزو الشمال السوري.
في هذا الاتجاه، تركيا ستهاجم الشمال السوري في الوقت التي يناسبها، ولكن الهجوم يتباطأ بسبب ضغوط واشنطن وموسكو على تركيا، فروسيا شريكة تركيا في ادارة أجزاء في الشمال السوري حيث تخشى من فصل أجزاء من سورية ونقلها الى تركيا لذلك حذرت موسكو أنقرة من الغرق في المستنقع السوري والنار التي تحرقها هناك، والولايات المتحدة الامريكية تعتبر القوات الكردية في سورية التي يطمح اردوغان الى ابعادها عن الحدود، حلفاء حيويين في محاربة داعش، وكان الدعم الأمريكي اللامحدود للأكراد في إقامة مشروعهم على الحدود التركية السورية .
اليوم اسرائيل توقع الرئيس التركي بآخر أفخاخها، فالجيش التركي دخل إلى شمال سورية منذ فترة بضوء أخضر اسرائيلي ويدخل اليوم بإيعاز إسرائيلي أيضاً، لذلك فأن الكيان الصهيوني وحلفائه سيزيدون من تورط الجانب التركي في المستنقع السوري، وبذلك يكون الرئيس أردوغان قد أخطأ في قراره وذهب إلى الحرب، وسيعض أصابع الندم بسبب قراره المتعجل بغزو الشمال السوري الذي يُعد المغامرة الأكبر في حياته السياسية.
من هنا فإن القرار السوري حاسم بشأن معركة شمال حلب وما من مجال للتراجع او الخسارة، فالرئيس الأسد يتابع سير المعركة بكل تفاصيلها الدقيقة ومعطياتها المختلفة، والجيش السوري وحلفائه مستمرون بحربهم ضد الإرهاب حتى تحقيق النصر، وستكون الكلمة الأخيرة للجيش العربي السوري في إقتلاع الإرهاب وإجتثاثه من المنطقة.
وموقف تركيا الأخير بإعلانها تطبيع علاقتها مع دمشق، واستعدادها لبحث مسألة الإرهاب في سورية، يعني تراجع في الموقف التركي اتجاه الحرب السورية، بسبب صمود الشعب السوري وجيشه في مواجهة المؤامرة، وفشل أجندة أردوغان للهيمنة علي المنطقة وسقوط مشروعه الذي أدى الى فوضى وإرهاب في المنطقة، كما أن تأجيج تركيا والقوى الخارجية الأخرى النيران أدى إلى تطور الأزمة السورية لتتحول إلى حرب بالوكالة، ونتج عنها سلسلة من الآثار الجانبية، منها انتشار الارهاب والتطرف، وزيادة عدد اللاجئين السوريين الى المناطق المجاورة، بالإضافة الى قرب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إذ تدرك تركيا تماماً أن الدخول الى المرحلة القادمة يتطلب المرونة وتقديم بعض التنازلات ويبدو أن هذه القناعة هي التي عبر عنها الرئيس التركي، إن أنقرة تتوقع حدوث تطورات “في غاية الأهمية” خلال المرحلة المقبلة بشأن العلاقات مع دمشق، كل هذه الأسباب والمتغيرات كان طبيعياً أن يحاول أردوغان اللحاق بالركب في تغيير سياسته تجاه سورية، الأمر الذي شكل صدمة كبيرة لحلفاء تركيا من المعارضة المسلحة، التي كانت تتخذ من أنقرة قاعدة لإنطلاقها.
اليوم تحولت سورية إلى عاصمة العالم تطرق أبوابها قوى الشرق والغرب، لأنها تدرك تماماً أن العالم هو من يحتاج إليها وليس العكس، هي من ترسم المعادلات، وتقرر التحالفات، وتقود المعارك على الأرض لترسم خارطة المنطقة بأكملها، من هذا الباب وضعت دمشق شروطها للمصالحة مع تركيا ورئيسها المغامر أردوغان، وأهم هذه الشروط هي: الانسحاب الكامل للقوات التركية ومرتزقتها من الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن، وأن تغيِّر من موقفها فيما يخص الأزمة السورية، وتغلق حدودها أمام تدفق الإرهابيين والأسلحة، فضلاً عن إعادة النظر في خطط أردوغان العثمانية التوسعية قبل أي حديث عن عودة ناجحة للعلاقات بينهما.
مجملاً …نقول إلى كل من يخطط لهدم سورية وتقسيمها، هذا لن يحدث أبداً لأن الشعب السوري متماسك ، كما نقول لهم إن كل ما يحاك ضد سورية من كل التنظيمات الدولية لن تجدي نفعاً ولن يحدث أي انكسار للشعب، وسورية دائماً من انتصار إلى انتصار رغم أنف الأعداء، وأن سورية لن تعود إلى الوراء مهما حاول الواهمون لأن أبناءها قادرون على تخطي هذا المرحلة بكل شجاعة وعزيمة.
وأختم بالتساؤل التالي: هل ستجر أنقرة ذيول الخيبة والهزيمة في سورية؟ وهو الثمن الذي ستدفعانه نتيجة أخطاءها في سورية وسعيها الفاشل لإسقاطها، وإنطلاقاً من كل ذلك، يجب على تركيا إعادة النظرة في الرهانات السياسية والعسكرية الخاطئة قبل فوات الأوان خاصة بعدما بدأ الجيش العربي السوري يزداد تقدماً إلى الأمام ببسالة وقوة منقطعة النظير.
الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر صحيفة الجزائرية للأخبار