الواقع الصحي في العراق

جلال الصباغ

يشكل ارتفاع اجور الاطباء في المستشفيات والعيادات الخاصة جانبا واحدا من عملية تغول الاسلوب الرأسمالي وخصخصة مختلف القطاعات في العراق، ما يعني مزيدا من الافقار للمواطنين؛ فقد بلغت اجور معاينة المريض بالنسبة لبعض الاطباء اكثر من ستين الف دينار، وسط تردي فضيع للخدمات الطبية والصحية في المستشفيات الحكومية، والتي دائما ما تكون مزدحمة بشكل يفوق التصور ما يجعل من عملية معاينة المريض عملية سريعة، غالبا ما تجرى خلال دقائق قليلة لا يمكن من خلالها الكشف عن حالة المريض، ليكتب الطبيب بعدها وصفته الطبية على عجل، وهو متأكد ان العلاج الموصوف غير موجود في صيدلية المستشفى الحكومي.

لا تنتهي معاناة المريض عند المعاينة الطبية، فالتحاليل المختبرية والاشعة وغيرها من الاجراءات دائما ما يطلبها الطبيب الذي يمتلك نسبة من ارباح هذه الاماكن ان لم يكن هو من يملكها؛ اذ يكلف اجراء التحاليل والاشعة الحديثة مئات الالاف من الدنانير، ما يثقل كاهل المواطن المعتمد على اجر محدود، او ربما عاطل عن العمل تكاليف اضافية، تدفع الكثير منهم الى الانصراف عن مراجعة الاطباء في العيادات والمستشفيات الخاصة والاضطرار للجوء للمستشفيات الحكومية الخالية من اي رعاية او دواء او مختبرات توفر ما يحتاجونه من علاجات وتحليلات، مع يعني بالمحصلة النهائية الموت المحقق او العوق الدائم.

كذلك يشكل غياب الادوية خصوصا التي تعالج الامراض الصعبة والمستعصية، في المستشفيات العامة عبئا جديدا على المرضى وعائلاتهم، فالصيدليات الخاصة لا ترحم هي الاخرى، وقد تصل علاجات بعض الامراض لاكثر من مليون دينار في الشهر الواحد. كل هذا ووزارة الصحة والمسؤولين عنها يقفون متفرجين بل انهم يدفعون باتجاه ان الحل يكمن بالاستمرار بهذا الوضع!! وبالتالي المزيد من البؤس والموت والمرض.

يلاحظ المريض او المهتم بالقطاع الصحي في العراق تزايد اعداد المستشفيات الاهلية في مختلف مدن البلاد، كما يلاحظ الاسعار الخيالية اللازم دفعها من اجل الرقود او اجراء عملية او حتى اجراء معاينة بسيطة لاحد المرضى. في مقابل تهالك وخراب المستشفيات الحكومية الخالية من ابسط شروط الرعاية الصحية، وعدم توفر العلاجات والفحوصات المتعلقة بحالات معينة مثل امراض القلب والسرطان والامراض التنفسية بالاضافة الى الامراض المزمنة، وغيرها من الامراض المنتشرة بشكل كبير في اوساط المواطنين.

ان سياسة خصخصة القطاع الصحي في العراق هي عملية مدروسة ومتعمدة تحاول فرض الامر الواقع على المواطنين، وهذا الامر لا يتعلق بالقطاع الصحي لوحده، انما يشمل مختلف القطاعات من التعليم الى الكهرباء الى الصناعة الى غيرها من مفاصل الحياة الاخرى. كما ان الفساد المستشري داخل القطاع الصحي وتعيين المسؤولين في وزارة الصحة والمستشفيات تتم بصفقات بين القوى والاحزاب المتنفذة، والجميع يعلم حجم الاموال المنهوبة بمشاريع وهمية او عمليات شراء لاجهزة ومعدات وادوية منتهية الصلاحية.

ان مسؤولية الدولة هي توفير العلاج والرعاية الصحية المجانية للمواطنين، وهذه الدولة التي تسيطر عليها قوى برجوازية تعتمد سياسة الخصخصة لتحول هذه المسؤولية الى اصحاب رؤوس الاموال الذين لا يهمهم شيء سوى الربح والمزيد من الربح، ولا يهمهم بعد ذلك ان مات الف او مليون مواطن بسبب عدم القدرة على تحمل تكاليف العلاج.

الكثير من الامراض التي يعانيها الناس في العراق هي نتيجة للحروب التي حصلت في العقود الاخيرة وما خلفته من تلوث واشعاعات؛ فمستويات الاصابة بالسرطان في تزايد مضطرد، كما ان تدهور الصحة النفسية وانتشار حالات الانتحار وتفشي المخدرات سببها الرئيسي هو السياسة المتبعة من السلطة الحالية، فانتشار البطالة بشكل كبير وانخفاض اجور العمال والموظفين مع ارتفاع الاسعار وتكاليف المعيشة من ماء وكهرباء وخدمات انترنيت، جعلت شرائح واسعة من المجتمع تعيش وضعا نفسيا صعبا يساعد كثيرا على انتشار الامراض النفسية.

ان وضع الحد للاستهتار بحياة المواطنين من خلال الاطباء الجشعين والمستشفيات الخاصة، ناهيك عن تردي الخدمات الصحية العامة يتطلب وقفة جماهيرية منظمة تفرض على هذه الدولة التراجع عن سياسات سرقة اموال القطاع الصحي واعادة احياء المستشفيات العامة وبناء اخرى جديدة تقدم خدمات مجانية وحديثة للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى