القروض الدولية .. الشروط التي يفرضها البنك الدولي على الدول قبل منح القروض

 
ناجي سابق
بداية فإنه لكي تتمكن دول معينة من الإقتراض من البنك الدولي أو من هيئة التنمية الدولية (IDA) فلا بد من أن تكون تلك الدولة عضواً في البنك الدولي أو في هيئة التنمية الدولية، إلا أنه إذا كانت هيئة التنمية الدولية تقدم قروضها للدول فقط فإن البنك الدولي يمكنه الإقراض إلى الدول أو إلى الوحدات اوالهيئات العامة أو الخاصة ولكن بشرط تقديم ضمان حكومي من حكومة الدولة التي تتبعها هذه الوحدات أو الهيئات.
يتمتع البنك الدولي بالحرية الكاملة في تحديد شروط أقراضه، من خلال الفوائد ومدفوعات الإستهلاك والإستحقاقات وتاريخ سداد كل قرض لكن كان هناك قيد وحيد على حريته والذي ورد في بنود الإتفاقية المنشئة للبنك الدولي وهو أنه في أثناء السنوات العشر الأولى من نشأته فإن عمولته لا تكون أقل من (١%) سنوياً وليس أكثر من (٥،١%) سنوياً والتي سوف تفرض على الحصة المعلقة من كل قرض. وعند نهاية هذه الفترة يجب أن تخفض هذه العمولة إذا كان الإحتياطي الخاص قد قيم على أنه كاف بواسطة البنك.
و بما أن معظم أموال وموارد البنك الدولي التي يستخدمها في الأقراض هي من أسواق رأس المال العالمية جعلت شروط الأقراض من البنك محكومة بدرجة كبيرة بالشروط التي يقترض البنك الدولي نفسه وفقاً لها “من أسواق رأس المال العالمية” علاوة على مجموعة أخرى من العوامل التي يتوقف عليها تحديد حجم الأقراض من البنك إلى الدول النامية حيث تتمثل هذه العوامل في ثلاثة بنود وهي: الأهلية للسوق، وأهلية الإقتراض في البنك الدولي، والعوامل الأيديولوجية.
أولاً: الأهلية للسوق
يقوم البنك الدولي بالإقراض لدولة معينة متى كانت الظروف السائدة في السوق تجعل هذه الدولة غير قادرة على الحصول على مبلغ القرض من مكان آخر أي من الأسواق العالمية لرؤوس الأموال بشروط معقولة وهذا يعني أن البنك لا يقدم على إقراض الدول التي يمكنها أن تحصل على احتياجاتها من الموارد المالية من أسواق راس المال العالمية، وبتعبير أوضح فالبنك الدولي يكون ممنوعاً من الإقراض إلى الدول المؤهلة للسوق. ( أي يتجاوز متوسط نصيب الفرد من الدخل السنوي في هذه الدول (٢٨٥٠) دولاراً وذلك وفقاً لإحصائيات ١٩٨٥) ولكن البنك أقرض إلى دول معينة كانت قادرة على الإقتراض نظراً لسمعتها الإئتمانية الخاصة.
ثانياً: أهلية الإقتراض من البنك الدولي
لكي تتمكن دولة معينة من الإقتراض من البنك الدولي فلا بد أن يتم تقديم هذه الدولة بطلب يبين أنها مؤهلة للإقتراض منه وذلك على أساس مدى قدرة هذه الدولة الوفاء بالتزاماتها الناشئة عن القرض. ومن خلال تقويم عام للإداء الإقتصادي في الدولة المقترضة ككل. وهذا يعطي البنك تصوراً عاماً لهيكل وإمكانيات التنمية الإقتصادية لإقتصاد هذه الدولة. (زراعة- صناعة – تسهيلات أساسية – طاقة – تجارة خارجية- كفاءة الجهاز الإداري ومدى فعالية استخدام الدولة للأموال المقترضة… الخ).
ولا بد من الإشارة إلى أن في تقويم البنك لأهلية دولة معينة للإقتراض منه يقوم على مدى استعداد وقدرة هذه الدولة على خدمة ديونها الخارجية وتسويتها “معدل خدمة الدين الخارجي كنسبة مئوية من حصيلة الصادرات” وهذا ما يجعل بالنسبة لهذا المعيار الخاص بمعدل خدمة الدين معظم الدول النامية غير مؤهلة للإقتراض من البنك لا سيما بعد تفاقم أزمة المديونية الخارجية لمعظم هذه الدول وبلوغه مستويات خطيرة.
ثالثاً: العوامل الأيديولوجية:
إن العوامل الأيديولوجية والمنبثقة عن إعتناق البنك الدولي لنظرية السوق قد مارست ولا تزال تمارس تأثيراً على إقراض البنك الدولي للدول الأعضاء المختلفة. وهكذا فالإيديولوجية الرأسمالية للبنك الدولي قد سببت غياب معظم دول أوروبا الشرقية والإتحاد السوفياتي من قائمة عضوية البنك وكذلك فإن عدداً قليلاً من الدول النامية في الوقت الحاضر لا تزال تفرض الإقتراض من البنك استناداً إلى المبادئ الرأسمالية التي يعتنقها البنك الدولي. وقد انخفضت هذه العوامل حيث يقوم البنك في الوقت الحاضر بالإقتراض لدول ذات فلسفات إقتصادية متباينة بدرجة كبيرة ( مثل الصين وتشيلي من ناحية وأثيوبيا وساحل العاج من ناحية أخرى ويوغسلافيا ورومانيا على الرغم من انهما من الدول الإشتراكية). ومع ذلك فإن المسألة الرئيسية التي تبدو من خلالها الطبيعة الإيديولوجية هي ربط سياسة البنك الدولي في مجال الإقراض في مسألة ” التأميم”.
ولا شك أن الصيغة التي يستخدمها البنك الدولي تنطوي على مجال هام من التقدير من قبل البنك حول معنى مجهودات ملائمة ” وتسويات عادلة ملائمة ” والتي يصر البنك على مراعاتها دائماً مع الدول التي تقوم بالتأميم للممتلكات الأجنبية الخاصة. وذلك كله خوفاً من عدم حل هذه المسألة بطريقة مرضية. (بسبب أن طلبات التعويض بواسطة أصحاب الشركات والمؤسسات التي تم ترميمها هي طلبات غير معقولة للتعويضات المطلوبة في هذا المجال).
ونشير أخيراً إلى أن نزع الملكية الأجنبية الخاصة بالإضافة لاعتبارات إيديولوجية أخرى والتي من بينها عزوف البنك الدولي عن مساعدة البلدان النامية التي تأخذ بنظام التخطيط الإقتصادي الشامل.
يتضح مما تقدم بأن منح قروض البنك الدولي إلى الدول الأعضاء يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية:
1. أن تكون الدولة المقترضة غير قادرة على الحصول على مبلغ القرض من الأسواق العالمية لرؤوس الأموال بشروط معقولة.
2. لا بد من تقويم البنك الدولي للدولة طالبة القرض ومعرفة مدى مؤهلاتها وقدراتها على الوفاء بالتزاماتها الناشئة عن هذا القرض.
3. يجب ان يتحقق البنك من فائدة المشروعات التي تنوي الدولة المقترضة القيام بها وذلك من خلال تقويم عام لإيدائها الإقتصادي.
4. ينبغي على البنك الدولي تقويم الإمكانية الإقتصادية والفنية والإدارية لمعرفة فعالية استخدام الأموال المقترضة من الأمكنة المخصصة لها.
تجدر الإشارة إلى أن البنك الدولي استنبط على مر السنين أساليب مختلفة لتلبية حاجات البلدان النامية من خلال الحصول على الأموال اللازمة لدعم الإصلاحات والخدمات العامة حيث تتمتع البلدان التي تستدين من هذا البنك بمدة أطول للتسديد مما لو استدانت من المصارف التجارية (١٥٢٠) سنة مع فترة سماح مدتها من (٣ إلى ٥) سنوات قبل البدء بالتسديد) وتقوم حكومات البلدان النامية بإستدانة المال ضمن الشروط أعلاه لبرامج تفي بالدرجة الأولى بتقليص الفقر وتوفير الخدمات الإجتماعية وحماية البيئة والنمو الإقتصادي الذي يرمي إلى رفع مستويات المعيشة.
وتقوم هيئة التنمية الدولية بمساعدة أشد البلدان الفقيرة عبر تقديم الهبات والتسليفات والتي تعتبر بدون فائدة لا تحتاج الدول إلى تسديدها قبل (٣٥٤٠) سنة مع فترة سماح (١٠) سنوات قبل البدء بالتسديد وتشكل هذه البلدان مجتمعة نحو (٥،٢) مليار نسمة أي نصف مجموع سكان البلدان النامية، فعلى قدر مستوى الحاجة يتوقف نوع التمويل وشروطه وآجاله.
ومن الواضح أن عمليات البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية يعتبرا القسمين الرئيسيين للإقتراض لجهة منح القروض وعدد المشروعات وإجمالي المدفوعات والصافي منها، والقروض غير المدفوعة والقروض القائمة غير المسددة ورأس المال القابل للإستخدام والإحتياطات، وبالتالي هما الذراعين الأساسيين في التنمية المستدامة.
وأخيراً لا بد من تسليط الضوء على أن البنك الدولي عمل منذ أن بدأ نشاط الإقتراض للإصلاح الهيكلي وفقاً للمبدأ العام الذي يقضي بأن أهلية الإقتراض تقتضي برنامج للإستقرار الإقتصادي يدعمه صندوق النقد الدولي في الوقت نفسه، وبذلك أصبح هناك إتفاق بين البنك والصندوق بحيث روج هذا الأخير بنشاط ” لحزم التمويل” للدول التي دعم سياستها وبصفة خاصة منذ بداية أزمة الديون. فكانت الدول المقترضة ذاتها ما إن تتخذ القرار الصعب جداً عادة في اتباع نوع السياسات التي يؤيدها الصندوق والبنك حتى يصبح لديها كل الأسباب والشروط لبدء المفاوضات معها سوياً للحصول على أكبر دعم مالي لهذه السياسات وفقاً لشروط المنظمتين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى