العنف الاجتماعي … نتيجة خيارات
محمد الطيب بدور
قد نظن أن المدخل الرئيسي لتفسير العنف الاجتماعي و تكسير ما لم يكن قابلا للكسر في زمن سلم اجتماعية مزعومة هو الصراع بين أشكال السيطرة و الحرمان المراكم للكبت قبل أن يتحول المستقبل الى أحجية …قبل أن ينجلي في كسر النوافذ و استعمال الأدوات القاطعة و التسلح بالكلمات البذيئة و تفادي الخطر باحياء نواتات صلبة تحمي مصالح فئات و قطاعات هي الأخرى تنقسم في داخلها كتلا متصارعة في خضم تجزئة أصابت خاصة كل ما له علاقة بالمرفق العمومي .
لذلك تتشظى منظومات ظلت الى وقت قريب ملاذ الفقراء و متوسطي الدخل … فقدت توازنها و ألقت بكل تناقضاتها لبعثرة منظوريها في سابقة خطيرة حيث فقدت المدرسة أشرعة رسالتها و تناسقها..
المدرس الذي يهينه تلاميذه و هو يعطيهم درسا في مبادىء الأخلاق …الولي الذي لا يجد حرجا في تحقير المربي لأسباب عدة في سياق انهيار ريادة التربية لمجتمع فاقد للتوازن الاقتصادي والاجتماعي و القيمي ..في سياق استحالة اصلاحات جوهرية تستهدف انقاذ المرفق العمومي ضمن
توجهات و موازنات أصبحت خاضعة لسيطرة الصناديق الدولية و علاقتها بدولة غارقة في الفساد همها الوحيد تقديم جرعات مغالطية و اطالة الأزمات المتفاقمة … جرعات سرعان ما تلتقطها أطراف و مكونات لاغراق المنظومة المتداعية في صراعات تزيد في تفتيتها و النزول بها الى الدرك الأسفل.
ماذا ننتظر من تناقض صارخ و صراع كان في القديم ملتبسا أصبح اليوم يهدد جيلا بضياع سببته اختيارات الانتقاء و الاقصاء و تنافس و بمعايير لم تعد ذاك المصعد الاجتماعي للكثير من شرائح المجتمع و لكن بمعايير شرسة تعتمد البشر سلعة قابلة للتلف أوالتصدير في سياق عولمة تستقطب
بمغرياتها الاستثمارفي الذكاء البشري …عملية تفرغ الوطن من أدوات التفكير و البحث و الاعتماد على الذات …سباق محموم تتآكل فيه مكونات المشهد التربوي و أدواته لنشهد انحدارا وتدحرجا و بأساليب جعلت من كل المكونات التربوية حلبة صراع و اصطفافات لن تخدم سوى القادرين بالنأي بأبنائهم عن وضع طال عفنه أدق تفاصيل الحياة المدرسية … تفاصيل أقلها فقدان الحياة و الانقطاع و استحالة مسايرة نمط يهمش الضعيف و الفقير …نمط يجعل من رسالة المربي تيها و حيرة و شعورا بالعجز …دون الانتباه أن الجميع ضحية حتمية لخيارات مجتمعية تقودها سياسات ملغزة لا ترى البشر الا ضمن سياسات اقتصادية و ثقافية و اعلامية تفقر البشر في كل الاتجاهات و لا تراهم و هم يتفككون في حاضر لا أفق له ….لذلك يبدو العنف في ظاهره محكوما بعلاقات بين الأفراد و المكونات المشكلة للمنظومة …قبل أن يتكشف عاريا في مستواه العميق في سياسات تتحكم في كامل المشهد الاجتماعي … لذلك يأكل الفقراء و المقهورون بعضهم ….لذلك تفتح جبهات صراع بين الولي و المدرس تاركين لمن يتحملون المسؤولية الوضع الآمن …وضع يمنع عنهم الرؤية الصحيحة.