الديكتاتوريّة و”الإخوانيّة”.. والتّهم “المكارثيّة” الجاهزة.

رشيد مصباح (فوزي)

**

بعد أدائه اليمين، خرج أردوغان من قاعة البرلمان يحمل مطّاريّته بيده متّجها نحو ضريح كمال أتاتورك؛ ماذا لو امتنع الرّجل عن زيارة ضريح هذا اليهودي العميل الذي جعل منه الغرب أسطورة للضّحك على ذقون المسلمين بعد قيامه بدور مهم في إسقاط نظام الخلافة؟ من دون شك سيقلبون الدّنيا على أردوغان وحزبه ولا يقعدونها، ويقولون عنه: إخوانيّ صاحب فكر متطرّف، و”الاخونجية أصبحت تهمة جاهزة لأعداء الإسلام السيّاسي”، عدو للحريّة والدّيمقراطية؛ ألم يحذّر بشّار سوريا العرب من الإخوان خلال كلمته التي ألقاها في جدّة بمناسبة انعقاد القمّة العربية مؤخّرا؟ا

لا يستطيع العلمانيّ اللاّدينيّ تقبّل فكرة تطبيق الشّريعة الربّانيّة، كما أن الدّيكتاور لا يقبل التعايش هو الآخر مع من يدعو إلى الحريّة وإلى نظام ديمقراطيّ، لأن ذلك يعني موته ببساطة. فالدّيكتاتور شبه إلــه، والدّيكتاتوريّة تعني الحكم المطلق. لذلك لا يتوانى الدّيكتاتور في محاربة الفكر الديمقراطي التشاوري الحر بكل ما أوتي من حيلة و قوّة، مستعملا كل الأساليب؛ بما في ذلك القتل، والنفي، والتشويه، والتعذيب، وإلقاء التّهم الجاهزة بالعمالة والخيانة.

إن السّماح بإقامة نظام ديمقراطيّ حر وعادل، وتطبيق أحكام الشّريعة الإسلاميّة، كل ذلك يعني تجريد الدّيكتاتور من ألوهيّته، بتحديد صلاحياته وتقييد أفعاله. وهذا ما يخشاه الدّيكتاتور الذي أوهموه أن الحياة من دونه لا تساوي شيئا على الإطلاق، وكل من يخالف رأيه فهو بالضّرورة إمّا عميل أو خائن كافر بالنّعمة. فلا يحقّ لعاقل مخالفته أو الوقوف في وجهه ويسأله ربما: لماذا فعلت كذا وكذا، فالدّيكتاتور الذي استمدّ قوّته وحكمته من الرب الخالق الرّازق معصوم مّما يتعرّض له بقية الخلق؛ صارت قناعة ترسّخت في الأذهان.

وكما أن للحريّة أهلها وناسها، فإن للدّيكتاتور بطانة أو حاشية، من المنتفعين منه ومن نظامه. وهؤلاء يشكّلون جدارا مانعا يحول بين الديكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي شوري قائم على العدل والمساواة، نظام لا أحد فيه يعلو على القانون. وسقوط الدّيكتاورية يعني تعرية هؤلاء الانتهازيين أمام الشعب وتجريدهم من كل الأرباح والمكتسبات التي استولوا عليها بطرق لا شرعية. وللأسف فإن الإعلام العربي، والسّواد الأعظم من المثقّفين، وبعض رجال الأعمال… هم من بين أهم المروّجين للدّيكتاورية في هذا العصر البهيم.

الدّيكتاورية كنظام متغوّل توغّل في جميع مفاصل الدّولة التي تتحكّم في سير الأمور، ومن أبسط موظّف إلى أكبر مسئول في أعلى هرم. ومن مظاهر هذا النّظام الأرعن وأعوانه المتبجّحين حياة البذخ والترف، والإسراف في كل شيء؛ والسّطو على مقدّرات الشعب، وتبديد المال العام، واحتقار المواطن البسيط… بحيث أنّ أعوانه يعتقدون أن كل الوسائل العامة التي بين أيديهم هي ملك لهم وحق من الحقوق المشروعة لهم ولأزواجِهم وذريّاتهم يرثونها من بعدهم. وليست ملكا للدّولة أو الشّعب؛ ويبدو ذلك جليّا من خلال “البروتوكولات” التي تقام لهم هنا وهناك في المناسبات الرسمية وغير الرّسميّة. ومن خلال تصرّفاتهم، وما يتبع هذه البروتوكولات من إسراف وبذخ وترف، و تضييع للأوقات، وهدر للمال العام، وتعطيل للحياة بمواكب لا أوّل لها ولا آخر، ومهرجانات ماجنة مائجة لا طائل منها ترجى، ولا فائدة.

الدّيكتاورية أضحت فكرا وعقيدة في الدوّل التي لا تؤمن لا بالحريّة ولا بالدّيمقراطية، ولا بهؤلاء الذين يطالبون بتطبيق الشّريعة الإسلاميّة، فهؤلاء “إخوان” بمعنى “إرهابيون” وعملاء أشرار. و”الإخوانية” في هذه الأيّام عقوبتها جاهزة ناجزة كافية لتجريم صاحبها وتسليط أقصى العقوبات عليه وعلى من يجاوره أو يدافع عنه. وهي لا تختلف كثيرا عن “ماكارثية” جوزيف ريموند؛ عضو الكونغرس الأمريكي السّابق في خمسينيّات القرن الماضي، والذي ذهب ضحيّته العديد من الأبرياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى