رأي

الدولة و الوطن

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

من الطبيعي ان تستوقفنا الحروب و الانهيارات التي تتوالى في بلدان العراق و سورية و لبنان منذ سنوات 1970 و ما تزال متواصلة إلى الآن ، كما لو أنها ارتدادات لزلزال كبير ، بالمعنى المادي و المعنوي ، تمثل في الهزيمة الماحقة في حزيران 1967 ، لنتساءل عن آثار الدولة و الأمة في أكوام الأنقاض ، انطلاقا من كون الوطن مكانا يعيش فيه مواطنون يرتبطون فيما بينهم بعلاقات تجعل منهم ” أمة وطنية ” تتجسد بشراكة في الحفاظ على أمنهم الإقتصادي و الوجودي حاضرا و مستقبلا .
ينبني عليه أن الأمة الوطنية تختلف في جوهرها عن القومية . فهذه الأخيرة تجسد إجتماعا قائما على اساس العرق أو الدين ،أو الإثنين معا ، هذا إذا جاز الأخد بحقيقة هاتين الصفتين موضوعيا للتمييز بين الناس استنادا إليهما . مهما يكن فإن القومية تدل في الواقع على تكتل بدائي سابق عن الأمة بما هي انتماء محدث ،إرادي ،ذاتي او سلطوي ، طوعا أو كرها ، غير ثابت ، بمعنى أن المرء يستطيع من حيث المبدأ ، الإنفصال عن أمة وطنية و الإلتحاق بامة وطنيةبديلة . بكلام أكثر صراحة ووضوحا إن الفرق بين القومية و بين الأمة هو مثل الفرق بين علاقة القرابة و علاقة العمل و المصلحة .
نضع هذه التوطئة توخيا لدعم زعمنا بأن الحروب العدوانية التي تعرضت لهادول العراق و سورية و لبنان من أجل محوها و تجزئة أرضها ، أظهرت أن مجتمعاتها لم ترق بعد إلى مستوى رد فعل الأمة الوطنية الموحد ، دفاعا عن موطنها حيث مصالحها و حيث يتقرر مصيرها ، فمن نافلة القول أن الغزاة الآتين من دول إقليمية و دولية ، و جدوا دائما في هذه البلدان حلفاء لهم ، إنتقاما من السلطة الوطنية على حساب الشراكة الوطنية .
من البديهي أن مرد اجهاض تكون الامة الوطنية يعود إلى عوامل عديدة لا يتسع هذا الفصل للتعمق في تفاصيلها ، لذا نقتضب فنقول أننا نجد في مقدمة هذه العوامل مسألة ” الأوطان المؤقتة ” إذا جاز التعبير ، بانتظار الإتحاد فيما بينها ، في ” وطن عربي واحد ” ، نذكر أيضا العامل الديني بما هو الجزء العائم من مسألة دولة الخلافة الإسلامية ، يضاف إلى هذا و ذاك التعدد الديني في نفس البلاد و تأثير قوى الإستعمار القديم الذي منح الدول مثل سورية و لبنان و العراق في الواقع إستقلالا شكليا .
مهما يكن فإن المسؤولية في عدم نشوء امة وطنية تقع أيضا على السلطات التي توالت على حكم هذه البلاد و التي افتقدت إلى الإرادة الوطنية لخلق الأمة . فمن نافلة القول أن الحكام تميزوا بالإستهتار و انعدام البصيرة و المؤهلات . هذا لم يمنعهم من الإمساك بالسلطة خدمة لانفسهم ، لا خدمة للوطن ورعاية للامة . ليس من حاجة إلى التذكير بأمثلة عن نقائص بعضهم فهي لا تحصى و لا تنسى ، بدءا من ممارسة التمييز الطائفي حفاظا على الحكم ، و دفع حركات الدين السياسي لمضايقة الوطنيين ، و قطع الطرقات من أجل راحة الضابط و إطلاق الحملة الإيمانية و تبديل الراية الوطنية بينما الناس يرزحون تحت و طأة الإحتلال ,

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى