أحوال عربيةأخبارأخبار العالم

كيف تنظر واشنطن إلى مستقبل الوجود العسكري في العراق؟

عمرو عبد العاطي

انطلقت أعمال اللجنة العسكرية العليا المشتركة التي ضمت كبار قادة الجيش العراقي والأجهزة الأمنية وقادة التحالف الدولي، الذي يضم عشرات الدول الأجنبية، وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية لهزيمة تنظيم “داعش” في ٢٧ يناير الفائت، لمراجعة مهمة التحالف بعد عقد من بداية مهمته في العراق، ونجاحه بالشراكة مع القوات الأمنية والعسكرية العراقية في هزيمة التنظيم، وبحث سبل الانسحاب التدريجي لقوات التحالف من العراق.

وسوف تناقش اللجنة ثلاثة موضوعات رئيسية، هي: مستوى التهديد الذي يمثله تنظيم “داعش”، والمتطلبات العملياتية والظرفية، وتعزيز القدرات المتنامية للقوات الأمنية العراقية، وذلك بحسب بيان نشره المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، على حسابه بموقع “إكس” (تويتر سابقاً) في ٢٧ يناير الفائت.

وتهدف تلك المراجعة إلى صياغة جدول زمني محدد لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف، والانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، والالتزام باتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين لعام ٢٠٠٨، وكذلك علاقات ثنائية في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والأمنية، والعسكرية بين العراق والدول الشريكة في التحالف الدولي لهزيمة تنظيم “داعش”.

ويواجه رئيس الوزراء العراقي ضغوطاً داخلية متزايدة من الفصائل السياسية لإخراج القوات الأمريكية من العراق بعد شن الجيش الأمريكي ضربات جوية استهدفت المليشيات الموالية لإيران، لتنفيذها هجمات مسلحة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، والتي وصلت وفق التقديرات العسكرية الأمريكية إلى أكثر من ١٥٠ هجوماً منذ ١٧ أكتوبر الماضي، رداً على الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة “حماس” ضد مستوطنات غلاف غزة في ٧ أكتوبر الماضي.

خيارات متعددة

أمام الولايات المتحدة الأمريكية جملة من الخيارات للحفاظ على المكاسب التي حققها التواجد العسكري الأمريكي في العراق خلال العقد الماضي، وتوطيد العلاقات مع المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية، والتي من شأنها حماية المصالح الأمريكية في العراق عامة، وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة، والتي تأتي في إطار الرؤية الاستراتيجية الأشمل لواشنطن لدورها في المنطقة، وتتمثل أبرز تلك الخيارات فيما يلي:

1- الانتقال إلى شراكة أمنية استراتيجية: يُشير المسئولون الأمريكيون إلى أن بداية أعمال اللجنة العسكرية لا تعني أن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث مع بغداد مسألة انسحاب القوات الأمريكية من العراق، ولكن الهدف الرئيسي منها، بحسب نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكي، ناثان تيك، هو الانتقال إلى تعاون أمني ثنائي أفضل وأكثر تطوراً بين واشنطن وبغداد، وهو ما أكّد عليه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، حيث ذكر أن الاجتماعات ستمكن من الانتقال إلى شراكة أمنية ثنائية دائمة بين البلدين.

وهناك اهتمامٌ متنامٍ من جانب المسئولين العسكريين الأمريكيين والعراقيين بتوسيع التعاون الأمني الأمريكي-العراقي الذي تركز بصورة رئيسية على مواجهة تنظيم “داعش”، ليكون أقرب لشراكة أمنية ودفاعية استراتيجية، والتي كانت القضية الأبرز على أجندة زيارة وفد عسكري عراقي برئاسة وزير الدفاع ثابت محمد العباسي لواشنطن في الفترة من ٧ إلى ٨ أغسطس الماضي.

وقد وصف وزير الدفاع الأمريكي لقاءه بنظيره العراقي والوفد العسكري المرافق له خلال زيارته لواشنطن بأنه “جزء من الخطوة التالية في شراكتنا الدفاعية الاستراتيجية”، ولا سيما مع سعي القوات الأمريكية في العراق لتغيير مهمتها العسكرية هناك. وقد أكدت نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون الشرق الأوسط، دانا سترول، أن الولايات المتحدة الأمريكية مهتمة بعلاقة دفاعية دائمة مع العراق.

2- تخفيض عدد القوات الأمريكية في العراق: تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية حالياً بحوالي ٢٥٠٠ جندي أمريكي في العراق يقدمون مهام استشارية للقوات العراقية في حربها ضد تنظيم “داعش”. ومع ضغوط الفصائل السياسية العراقية، ولا سيما تلك القريبة من إيران، على الحكومة لإخراج القوات الأمريكية، فإنه وفقاً لنائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، سابرينا سينغ، سيكون حجم القوة العسكرية الأمريكية في العراق جزءاً من أعمال اللجنة العسكرية العليا المشتركة مع تقدم المناقشات.

بيد أنه لن يكون هناك انسحاب وشيك للقوات الأمريكية من العراق، وإنما تخفيض في عدد القوات الأمريكية، في ظل تزايد التهديدات التي تُشكلها المليشيات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط للأمريكيين والمصالح الأمريكية. فضلاً عن أن الانسحاب العسكري الأمريكي الكامل من العراق سيضعف النفوذ الأمريكي، والعلاقات الأمريكية مع الحكومة العراقية، وإقليم كردستان، وسيترك فراغاً تشغله إيران، ولأن القوات الأمنية والعراقية ليست قوية بالقدر الذي يسمح لها منفردة بمواجهة احتمال عودة تنظيم “داعش” مرة أخرى، ومواجهة التنظيمات الإرهابية الأخرى.

3- دعم أمريكي لتأسيس جيش عراقي كفء: في ظل التحول في الاستراتيجية الأمريكية تجاه محاربة التنظيمات الإرهابية بمنطقة الشرق الأوسط، من الانخراط العسكري المباشر إلى نقل تلك المهمة إلى القوات الأمنية للدول الشريكة لها في المنطقة، واقتصار الدور الأمريكي على الضربات الجوية “الجراحية” الخاطفة ضد قيادات وتمركزات هذه التنظيمات؛ فإن المسئولين العسكريين الأمريكيين مع تزايد الضغوط العراقية واحتمالات السحب التدريجي لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة التنظيم، سيكونون أكثر تركيزاً على بناء جيش عراقي وطني قادر على تولي مهمة الحفاظ على سيادة الدولة العراقية، وحماية مصالحها وحلفائها ضد النفوذ الإيراني.

وكانت قضية بناء القدرات الأمنية والعسكرية العراقية على أجندة اللقاءات المتعددة بين المسئولين العسكريين الأمريكيين والعراقيين من خلال برامج المساعدات العسكرية والتعاون الأمني الأمريكية، بما في ذلك التمويل العسكري الأجنبي والمبيعات العسكرية الأجنبية. وخلال زيارة الوفد العسكري العراقي للولايات المتحدة الأمريكية، في 7 و8 أغسطس الماضي، تم بحث إمكانية توسيع الفرص التعليمية للعسكريين العراقيين، سواء من خلال برامج التدريب أو التبادل التعليمي. كما تشاور الجانبان بشأن فرص توسيع المشاركة العراقية في المناورات العسكرية التي تقودها القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط.

4- وضع خطة طوارئ لمواجهة المستجدات: تجنباً لتكرار تجربة انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام ٢٠١١، والذي سمح بصعود تنظيم “داعش” وسيطرته على مساحات شاسعة من دولتي العراق وسوريا في عام ٢٠١٤، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة تحالف دولي، وإعادة إرسال قواتها مجدداً للعراق لمحاربة التنظيم؛ فإنه يتوقع في إطار بحث خيارات الانسحاب التدريجي لقوات التحالف الدولي من العراق، واحتمالات تخفيض الوجود العسكري الأمريكي داخل الأخيرة، أن تضع واشنطن خططاً لحالات الطوارئ المحتملة، مثل عودة التنظيمات الإرهابية، أو عدم الاستقرار السياسي، للتخفيف من المخاطر وحماية المصالح الأمريكية، والاستقرار الإقليمي الذي يعد أولوية للاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

تحديات محتملة

رغم بداية أعمال اللجنة العسكرية المشتركة التي تبحث السحب التدريجي لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام ٢٠١٤ لمحاربة تنظيم “داعش”، تحت ضغط من الأحزاب السياسية والمليشيات الموالية لطهران في العراق؛ فإن التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة والمستمرة منذ 7 أكتوبر الماضي، والهجمات المسلحة من وكلاء طهران ضد القوات الأمريكية ومصالح واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط، والتي تجعل المنطقة على شفا حرب إقليمية، والتحديات المتعددة، ولا سيما الأمنية، التي تواجهها الدولة العراقية، والتي تجعلها لا تزال بحاجة إلى الوجود العسكري الأمريكي؛ ستطيل من أمد الإطار الزمني لانسحاب قوات التحالف، وتخفيض القوات الأمريكية في العراق، على نحو قد يؤدي لمزيد من العواقب السياسية والاقتصادية والأمنية التي لن تقتصر تداعياتها فقط على الدولة العراقية، ولكن ستمتد إلى المنطقة بأكملها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى