أكاذيب حول زواج الأقارب

لا ينصح كثير من علماء الوراثة بالزواج من الأقارب على اعتقاد ان زواج الاقارب ينقل الأمراض الوراثية من الأباء إلى الذرية اكثر مما هو في زواج الاباعد ولقد تحمس كثير من العلماء لهذا الرأي وجاء باحاديث اسندوها إلى النبي محمد تنصح بزواج الأباعد ، مثل الحديث القائل: «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» والحديث القائل: «اغتربوا لا وتضووا» أي تزوجوا الأغراب حتى لا تضعف الذرية فهل هذا الرأي صحيح علميا وهل هذه الأحاديث قالها الرسول حقا.
نظرة علمية وحقائق طبية
إذا نظر اي عالم نظرة متأنية في أبعاد هذا الموضوع لوجد ان القول «بان زواج الأقارب يعطي الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية في الذرية ليس قولا صحيحا في كل الأحوال .. قد يكون صحيحا في حالات معينة ولكنه ليس صحيحا في كل الحالات وبالتالي لا ينبغي ان يكون قانونا عاما او قاعدة عامة .. آن الآوان ان ننظر لها نظرة علمية أكثر دقة كذلك نقول ان الاحاديث التي ساقها البعض ليدلل على النصح بعدم زواج الأقارب .. هذه الأحاديث لم يثبت صحة اسنادها إلى النبي الكريم وهناك بعض الحقائق الأساسية في هذا الموضوع :
✅ زيادة نسبة ظهور الأمراض الوراثية في الذرية الناتجة من العوامل الوراثية المتنحية من كلا الأبوين .. ليست معتمدة على زواج الاقارب في كل الاحوال ولكنها تعتمد أساسا على مدى انتشار العامل الوراثي المرضي المتنحى بين أفراد المجتمع ككل.
✅ فإذا كان منتشرا بنسبة أكثر من 8:1 في المجتمع فان زواج الاباعد لا يكون ضمانا لانجاب اصحاء وراثيا.
نفهم من ذلك ان ظهور بعض الأمراض الوراثية في الذرية في المجتمعات التي تنتشر بين افرادها العوامل الوراثية المرضية المتنحية انتشار نحو 8:1 تتساوى ظهورها في الذرية في زواج الاقارب وزواج الاباعد على السواء.
✅ وهناك فرض أخر اذا كانت نسبة انتشار العامل الوراثي المرضي المتنحى في المجتمع أكثر من 12 في المئة وكانت اسرة في هذا المجتمع نقية وراثيا في هذه الحالة فان الزواج بين الأقارب في هذه الاسرة افضل كثيرا وأكثر ضمانا من زواج الأباعد.
✅ إن ظهور الامراض الوراثية المتسببة من جينات متنحية في زواج الاقارب ليست بالكثرة التي يظنها البعض فقد اظهرت الدراسات ان ظهور تلك الامراض الوراثية ذات الجينات المتنحية كان اقل من المتوقع وفي القبائل العربية التي يتحتم فيها ان يتزوج الرجل من ابنة عمه لم تظهر في تلك القبائل نسبة غير عادية من المعوقين او المرضى.
✅ كثير من الامراض الوراثية تنتقل بعامل وراثي سائد واحد من الأب أو الأم تحدث في زواج الأقارب والأباعد على السواء.
✅ امراض وراثية ليس لها علاقة بزواج الاقارب مثل الامراض الناتجة من اختلال عامل «روسوس Rhtactas» بين الزوجين والطفل المنغولي ومرض تيرنر ومرض كلانيفلز وأمراض اخرى وراثية كثيرة.
✅ هناك أمراض وراثية تحدث في الذرية ومرتبطة بالجنس بمعنى ان الام سواء كانت قريبة للزوج او غير قريبة – لا فرق- تحمل المرض ولكنها لا تعاني منه وتنقله إلى اولادها الذكور فيظهر عليهم المرض اما بناتها فيحملن المرض ولا يظهر عليهن.
✅ إذا كان بالاسرة مرض وراثي ما ناتج من جينات متنحية وترتفع نسبة ظهورها على نسبتها في زواج الاباعد غير المرضي بها في هذه الحالة لا يفضل زواج الاقارب على زواج الاباعد.
تخيروا لنطفكم «الاستشارة الوراثية»
✅ لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخير بأي طريقة متاحة كما قال صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم» ومعلوم ان احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة لبني البشر في كل زمان ومكان فقوله صلى الله عليه وسلم لنا الآن تخيروا لنطفكم ، نفهم منه التخير في الشكل وفي الدين وفي الحسب والاستشارة الوراثية ايضا.
✅ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم تخيروا لنطفكم اشارة نفهم منها أن الاستشارة الوراثية تقي الذرية من الأمراض الوراثية التي تنتقل من زواج الاباعد ايضا.
✅ وهكذا ففي وجود الاستشارة الوراثية لا نخشى على الذرية سواء في زواج الاقارب او زواج الاباعد.
إيجابية زواج الأقارب
✅ لا يجوز ان ننسى ان زواج الاقارب له جوانب ايجابية فاذا كان بالاسرة عوامل وراثية مرغوبة ليست في غيرها من الاسر مثل صفات الجمال والذكاء والقوة والعبقرية والوفاء والشهامة والكرم أو طول العمر وغيرها.
✅ حينئذ يكون زواج الأقارب افضل من زواج الاباعد شريطة الا يستمر الزواج بين الاقارب جيلا حتى لا تتحول الاسر إلى مجتمعات صغيرة مغلقة .
✅ وقد اوضحنا في شرح بعض الحالات التي يكون فيها زواج الاقارب افضل من زواج الاباعد في نقل الامراض في الحقائق العلمية التي ذكرناها.
و هكذا تتساوى الاحتمالات في زواج الاقارب والاباعد في هذه الحالات وسواء كان هذا او ذاك فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم امرنا بالتخير اذ قال تخيروا لنطفكم والتخير في عصرنا الحاضر اساسه الاستشارة الوراثية.
لو كان زواج الاقارب فيه ضرر .. ما تزوج الرسول ابنة عمته
جاء في الحديث الشريف «تخيروا لنطفكم وانكحوا الاكفاء وانكحوا اليهم» وجاء ايضا «اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه».
✅ نلاحظ ان الحديث الشريف لم يذكر لا زواج الاقارب او الاباعد ولكن على الرجل والمرأة ان يتخيرا شريك حياتهما في الصفات الخلقية قبل الزواج .. وفضلا عن كل هذا فهناك دليل اقوى فلو كان زواج الاقارب غير مرغوب فيه ما تزوج النبي من ابنة عمته ام المؤمنين زينب بنت جحش ولا زوج علي رضي الله عنه لفاطمة رضي الله عنها وهي ابنة عمه.
✅ وما يثبت ان زواج الاقارب كقانون عام لا شيء عليه هو ما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى «يا ايها النبي انا احللنا لك ازواجك اللاتي آتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما افاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك» الاحزاب: 50.
✅ ولو كان في زواج الاقارب ضرر اكيد ما احله الله تعالى لرسوله واشار اليه صراحة في الزواج من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله.
✅ و لقد ذكرنا من قبل ان الاحتمال العلمي لنقل القلة من الامراض الوراثية الناتجة من الجينات المنتجة عن طريق زواج الاقارب يقع في حالة واحدة وهي ان يكون افراد المجتمع انقياء وراثيا وافراد الاسرة غير انقياء وراثيا وحتى في مثل هذه الحالات فإن الاستشارة الوراثية لدى عيادات الاستشارات الوراثية يمنع اي ضرر وراثي محتمل في زواج الاقارب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تخيروا لنطفكم وانكحوا الاكفاء وانكحوا اليهم».
لا أساس للتحذير من زواج الأقارب في الإسلام
✅ ساق كثير من العلماء احاديث نسبوها إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تحذر من زواج الأقارب وتشجع على زواج الاباعد ومن هذه الاحاديث القول «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» وكذلك الحديث «اغتربوا لا تضووا» لم نجده في كل كتب الحديث ولم نجدها موصولة السنن او مروية عن النبي .
✅ من الممكن الاحتفاظ بالجينات الصحية الممتازة بين افراد العائلة لجيل او اثنين اما اذا استمر زواج الاقارب لاجيال متعاقبة فإنه لا يمكن تجنب الامراض التي قد تحدث نتيجة العوامل المتعددة كما لا يمكن تجنب تواجد الجينات المنتجة التي تسبب الاصابة بالامراض.
✅ الجانب الايجابي الآخر في زواج الأقارب هو عدم التضحية بجيل من اجل جيل آخر ولشرح هذه النقطة نفترض ان في مجتمع ما صار الزواج بين اقرباء فقط في هذه الحالة نجد ان نسبة تواجد الجينات المرضية في هذا المجتمع ستزداد في ذرية هذا الجيل نتيجة عدم التخلص من هذه الجينات المرضية اذا ان التقاءها في حالة مزدوجة امر نادر الحدوث والنتيجة انه بمرور الاجيال سترتفع نسبة تواجد هذه الجينات المرضية في المجتمع وهذا يؤدي إلى زيادة مطردة في ظهور الامراض الوراثية المحكومة بهذه الجينات في الاجيال القادمة.
✅ نخرج من هذا كله بنتيجة مهمة وهي ان زواج الاقارب قد يضحي بالاجيال بالجيل الحاضر من اجل الاجيال القادمة .. وان زواج الاباعد قد يضحي بالاجيال القادمة من اجل الجيل الحاضر وهكذا نجد في النهاية حتى في الامراض المحكومة بجينات متنحية لا تفضيل لزواج الاقارب على زواج الاباعد ولا لزواج الاباعد على زواج الاقارب.
نرجو ان نكون قد ساهمنا في تصحيح مفهوم علمي غير صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى