أخبار هبنقةرأي

كن كالحمار تعش مرتاح البال .

كن كالحمار تعش مرتاح البال .

رشيد مصباح (فوزي)

**

قديما قال المتنبّي:

ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ

وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ
وحديثا قال إيليا أبو ماضي:

كن جميلا تر الوجود جميلا.

من الواضح أن الشاعر (إيليا أبو ماضي) قصد بالجمال جمال الروح و الجوهر ، لا جمال الصّورة و المظهر. والحمار مثلا؛ لا أعتقد أن كل ما يُنسب إلى الحمار هذا الحيوان المغبون؛ سيّء الحظ والسّمعة، والكائن المتفاني الصبور، من حمق و بلادة وغباء… صحيح. وعلى كل من يدّعي ذلك تقديم الدّليل.
ولحد كتابة هذه السطور، لم يثبت عن الحمار أنّه أغبى الدّواب فوق الأرض. ولا حتى الفلاسفة والمفكّرين الكبار من أمثال( بافلوف) الذي اختار القرد من فصيلة الثدييات والدجاجة من فصيلة الطيور لإجراء تجاربه عليهما واستغنى عن الحمار، استطاعوا تأكيد ذلك،
هذا الحيوان الأليف الذي عرف كيف يتأقلم في بيئته مع الإنسان في مختلف الأزمنة والدهور، ويعيش مع بشر؛ غليظ الطبع جافٍ، بأقل مجهود دون أن يخاطر بحياته؛ كما يحدث لمختلف الحيوانات الأخرى،. على الرّغم من افتقاره إلى رشاقة القطط وسرعة الكلاب وقدرة التحليق في الأجواء مثل بقية الطيور. لذلك تحتّم عليه أن يجاري صاحبه أو مالكه؛ “البشري الجلف”، ويصبر على فظاظة وغلظة طبعه. ونحن بجهلنا وغبائنا، نعتقد أنه لو كان للحمار ذرّة عقل ما لبث في العذاب المهين لحظة واحدة. وهذا الاعتقاد بالطبع غير صحيح.
مشكلة الحما المناضل الصبور، ليست في افتقاره للذّكاء، وإنّما تكمن في غياب الحظ؛ فالحمار سيّء الحظّ،وليس الطّبع. وانظر إلى”لاإنسانية” تعاملنا معه نفهم القصد.
وانظر كيف استطاع هذا المخلوق اللّطيف أن يتأقلم معنا في بيئة صعبة مثل بيئتنا العربية خاصّة، حتى إنّه بات صديقا مميّزا لأشهر الأدباء والكتّاب، جليس موائدهم الأدبيّة. وحتى إنّهم راحوا يكتبون عنه ويألّفون الكتب.
ولا داعي لذكر عديد أسماء المشاهير الذين كتبوا عن الحمار، ويكفي الإشارة لبعض منهم فحسب؛ مثل (أبوليوس) ابن (مداوروش) البارّ، و (مادور) الأثرية، و(مداوروش) تقع في ولاية (سوق أهراس) بالجزائر. فهو أمزيغي ـ كما ورد ذلك في بعض المراجع ـ وابن بلدتي، وصاحب أوّل رواية في التّاريخ: “الحمار الذهبي”. وأضف إليه (توفيق الحكيم) ابن الكنانة مصر العربية، وكتابه: “حمار الحكيم”.
في مجتمعات مثل التي نعيش فيها، يتميّز معظم الأفراد بالفظاظة وفساد السريرة، و إلى حدّ ما يعتبر ذلك مقبولا ويمكن التعايش معه، مقارنة بالمداهنة وحبّ التملّق… وعلى كل من يريد العيش بينهم، أن يكتسب صبر الحمار، وخبرة الحمار وقدرة الحمار على التأقلم مع هذه الطبائع والسلوكيّات، كي يعيش مرتاح البال. ولا يهمّ ما يقوله الغوغاء، فمعظم هؤلاء الذين تضجّ بهم مواقع التواصل الافتراضية، لا ضمير ولا مروءة لهم. وإنّك تعرف أين تجدهم؛ حيث تكون الغلبة والقوّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى