أمن وإستراتيجيةفي الواجهة

ارتدادات الحرب في اوكرانية على الوضع في الساحة الدولية ( 3 )

آدم الحسن

من اجل الحصول على صورة للساحة الدولية في المرحلة الحالية , مرحلة سقوط هيمنة القطب الأوحد الأمريكي و ظهور مستجدات سياسة و اقتصادية , يمكن تناول اجزاء من هذه الصورة و تجميعها لتتكامل و يتضح شكلها الكلي :
اولا : بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا اصبحت الإدارة الأمريكية الحالية في وضع صعب اضطرت بسببه لتقديم تنازلات لدول كانت في خلاف حاد معها منها فنزويلا حيث غيرت امريكا سياستها تجاهها بشكل كبير و تراجعت عن خططها لإسقاط النظام فيها و سمحت للشركات الأمريكية العمل في قطاعها النفطي من اجل تمكينها من انتاج كمية من النفط تسد به جزء من النقص في المعروض من النفط في الأسواق العالمية و بالتالي يصبح فرض عقوبات على قطاع النفط الروسي اقل صعوبة .
تحملت فنزويلا الكثير بسبب مناهضتها للهيمنة الأمريكية في زمن كانت امريكا هي القطب الأوحد في العالم تأمر و تنهى بما تشاء , فرغم انها صاحبة اكبر احتياطي من النفط في العالم لكن اقتصادها ظل يعاني من ضعف شديد بسبب العقوبات الأمريكية , عقوبات اجبرت دول عديدة في العالم الابتعاد عن التعامل التجاري معها و كذلك امتنعت الكثير من الشركات العالمية من العمل فيها لتطوير قطاعها النفطي أو أي قطاع أخر تجنبا لشمولها بالعقوبات الأمريكية .
ثانيا : اصبحت امريكا ملزمة لتلبية مطالب كثيرة لأعضاء حلف الناتو لتحقيق موقف موحد لدول هذا الحلف و لبقائه متماسكا , إذ لم يعد بمقدور أمريكا فرض كل ما تريد دون ثمن و الثمن هذه المرة هو التخلي عن مبدأ ” امريكا أولا ” الذي عمل على تحقيقه الرئيس الأمريكي السابق ترامب و هذا في حد ذاته يشكل عامل ضعف للهيمنة الأمريكية .
ثالثا : وقَعتْ أمريكا في هذه المرحلة في نفس الورطة التي وقع فيها الاتحاد السوفيتي السابق حيث كان عليه تقديم الكثير من الدعم للدول الصديقة و الحليفة له و بحجم أكبر من قدرته على تحمل تلك الأعباء ساهم ذلك مع عوامل عديدة أخرى في سرعة انهياره .
سياسة الرئيس الأمريكي بايدن تدفع أمريكا بنفس المسار الذي سلكه الاتحاد السوفيتي السابق و من هنا اصبح التحرك السريع للدولة العميقة في أمريكا امرا ضروريا لتغيير مسار السياسة الأمريكية الحالية من اجل بقاء امريكا قوة عظمى , إلا أن أمريكا ستجد نفسها مضطرة لمراعات المصالح الوطنية لحلفائها و إلا ستخسرهم الواحد بعد الآخر و إن ما اعلنه الرئيس الفرنسي ماكرون بعد زيارته للصين عن ضرورة أن تمتلك الدول الأوربية استقلالية في قراراتها و سياساتها هو دليل واضح على ذلك , لكن مراعات أمريكا لمصالح حلفائها يتعارض مع الهيمنة عليهم و هذا هو المفهوم الحقيقي لعالم متعدد الأقطاب و تأكيد على أن الانتقال الى التعددية القطبية هو امر حتمي .
رابعا : العقوبات الأمريكية على روسيا تتصاعد و قد تتحول المقاطعة الأمريكية لروسيا الى قطيعة بين هاتين القوتين النوويتين , و هذا يُشَكل خطرا كبيرا على كل دول العالم إذ قد يؤدي الى البدء من جديد في إنتاج و تطوير المزيد من أسلحة الدمار الشامل .
ما لم يتم انهاء القطيعة بين امريكا و روسيا سيتجه العالم نحو حافة الهاوية النووية , لذا فالعالم الآن في حالة أسوء و اخطر من ما كان عليه خلال الحرب الباردة الأولى فالحرب العالمية الثالثة اذا اندلعت قد تقضي تماما على حياة الأنسان و كل الكائنات الحية على كوكب الأرض .
هنالك اسئلة لابد من تناولها لمعرفة ما قد يحدث من ارتدادات محتملة للصراع الروسي الغربي في الساحة الأوكرانية :
** هل إن القيادة الروسية أخذت تخطط لحرب طويلة الأمد مع حلف الناتو في الساحة الأوكرانية , حرب ربما تمتد لبضعة سنين اكثر مما هو مخطط لهذه الحرب من قبل امريكا …؟
هذا السؤال بدأ يتردد في بعض البحوث التي تتناول مسألة التوازن الاستراتيجي , كل المؤشرات تؤكد ان روسيا لا تعمل على اطالة امد الحرب , ما يهمها هو الخروج من هذه الحرب بنتائج تعزز مكانتها الدولية بالإضافة الى تحقيق أهدافها المعلنة لعمليتها العسكرية في اوكرانيا .
** ماذا ستكون النتيجة لو فاز الحزب الجمهوري الأمريكي في الانتخابات الأمريكية 2024 و أظهر استعداد امريكا لوقف الحرب و روسيا تبدأ بفرض شروط يصعب على الإدارة الجمهورية القادمة قبولها …؟
لا شك أن فوز الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة سيصب في مصلحة الموقف الروسي و سيساهم في إيجاد تسوية سلمية و أنهاء لهذه الحرب و قد يرافق ذلك إسقاط حكومة زيلينسكي في اوكرانيا .
** هل ستسعى روسيا لإضعاف حلف الناتو و تفكيك بعض اجزائه كنتيجة حتمية عند فشل هذا الحلف في الحاق الهزيمة بروسيا في الحرب في اوكرانيا …؟
من المؤكد أن روسيا لا تريد أن ترى امامها حلف الناتو موحدا و متماسكا , و قد يعود هذا الحلف الى حالة الموت السريري كما سبق و وصف الرئيس الفرنسي ماكرون حالته قبل الحرب في اوكرانيا .
كخلاصة إن ما يجري من مواجهة على الأرض الأوكرانية بين روسيا من جهة و الغرب بقيادة أمريكا من جهة اخرى هي ليست مجرد حرب بقوات عسكرية إنما هي صورة واضحة للصراع الحضاري بين الغرب و الشرق ، الحضارة الغربية التي أساسها تاريخ الغرب الاستعماري و الحضارة الشرقية التي سيكون مركزها الصين و محيطها الهند و روسيا و الكثير من دول الشرق , ستساهم حضارة الشرق في بناء عالما جديدا ، عالما يستند على علاقات عادلة بين الأمم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى