أخبارثقافةفي الواجهة

ما وراء فيلم حياة الماعز الهندي

حيوانات وحشية وأليفة على خطوط التماس الخشنة والخفيفة!

احمد الحاج
قبل أيام وبينما كنت أتابع عن كثب آخر أخبار الفيلم الهندي(حياة الماعز) أو “The Goat Life”المتصدر حاليا لقائمة الأفلام الأكثر مشاهدة على منصة “نتفليكس”، وهو من بطولة الممثل والمخرج والمنتج ، بريثفيراج سوكوماران، ضمن ما يعرف بـ” السينما الهندية التي تعالج القضايا الإنسانية والاجتماعية باللغة المالايالامية” وتعد السينما الرابعة هنديا بعد السينما بلغة التاميل وتعرف بـ “كوليود”، تليها السينما باللغة التيلوغوية وتعرف بـ” توليود”، ومن ثم السينما باللغة الكنابية وتعرف بـ “صندل وود” أما سينما”بوليوود” فهذا مصطلح عام يطلق على السينما الناطقة بالهندية إجمالا بوجود 10 مراكز للانتاج السينمائي في أرجاء الهند بحسب موسوعة ويكيبيديا ، وعودا على بدء فإن فيلم ( حياة الماعز )المقتبس عن قصة حقيقية بزعم منتجيه حدثت في تسعينات القرن الماضي لهندي سافر الى المملكة العربية السعودية بعد أن باع كل ما يملك بحثا عن فرصة عمل هناك ليتعرض الى العبودية على يد كفيله السعودي الذي عزله عن العالم تماما وأجبره على تربية الأغنام والابل في الصحراء القاحلة بحسب الرواية المزعومة وبما رسخ الصورة النمطية عن العرب وأثار غضب السعوديين خاصة، وسكان الخليج العربي عامة وما تزال الضجة قائمة على قدم وساق حتى كتابة السطور وكلها تدور حول قطيع حيوانات أجبر هندي مهاجر على رعايته في ظروف قاسية للغاية، وإذا بصديق يقتل صديقه طعنا في العراق بسبب – صخلة – وذلك في حادثة أعقبت مصرع مراهق مصري بمطواة صديقه بسبب – حمامة- ، تلاهما مصرع شخصين بعيارات نارية في محافظة الفيوم بسبب خلاف على – ربط كلب – أمام المنزل، وإذا بمنظمة الصحة العالمية تعلن حالة الطوارىء من مغبة انتشار فايروس أصله حيواني “جدري القردة”بمتحوره الجديد المعروفة باسم (1 بي) التي أعقبت سلاسته السابقة المعروفة باسم ( 2بي ) وقد انتشرت السلالتان في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية و بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا،مع احتمال تحول المرض الى جائحة عالمية شبيهة بجائحة كورونا( كوفيد – 19) في حال لم تتخذ الاجراءات السريعة اللازمة ولا سيما مع رصد فايروس”جدري القردة” في دول عدة خارج أفريقيا وأبرزها الفلبين والباكستان والسويد وبما رفع مستوى الخوف والقلق بغياب اللقاحات الفاعلة والعلاجات الناجعة للمرض حتى الآن ، علما بأن هذا المرض كان قد اكتشف للمرة الأولى عام 1958في الدنمارك وتحديدا داخل مختبر يجري أبحاثا طبية على مجموعة من القردة الاندونيسية فحمل اسم القرود منذ ذلك الحين والى يومنا هذا !
ولم نكد نستفيق من الصدمات الحيوانية الأنفة وإذا بنا نصدم ونصاب بالذهول من مقطع مصور أصبح ترندا يُظهر استهداف قناصة جيش الاحتلال الصهيوني البغيض عن عمد لحصان هزيل من شدة الجوع يجر عربة خشبية متهالكة تنقل المواد التموينية الى الجياع والمحاصرين في مخيمات النزوح بقطاع غزة،والعجيب في الأمر هو أن جنود الاحتلال لم يكتفوا بقتل الحصان المسكين بل واستخدموه بعد نفوقه غرضا للتسلية والتدريب أيضا حيث واصلوا إطلاق الرصاص على جثمانه المسجى على الأرض مرارا وتكرارا وبما بدا وكأنه استعراض لمهاراتهم أمام بعضهم بعضا في مجال القنص والتهديف !
قبل حادثة الحصان العجيبة تلك رصدت عدسات مصوري القنوات الفضائية فضلا على هواتف الناشطين وصحفيي المواطنة العديد من حالات القنص المتعمد للأحصنة والحمير التي تجر العربات المخصصة لنقل الجرحى وجثث الشهداء والمواد التموينية وبقايا مقتنيات وأمتعة النازحين الفارين من القصف الصهيوني الوحشي بأسلحة أمريكية بنسبة80% الى اللامكان،علاوة على توثيق استهداف جنود الاحتلال بالرصاص الحي للاغنام والفتك بها تباعا إمعانا منهم بتضييق الخناق على الفلسطينيين وتشديد حدة المجاعة عليهم وتوسيع رقعتها، فيما رصدت الكاميرات أواخر العام 2023إزالة قوة من جيش الاحتلال لـ”نصب الحصان”المقام في مخيم جنين كشاهد على مجازر الصهاينة بعيد اجتياح المخيم عام 2002 والتي أسفرت عن ارتقاء 500 شهيد وإصابة العشرات ليتم تصميم “نصب الحصان” من بقايا المنازل والعجلات التي دمرها الإحتلال آنذاك كرمز معنوي لصمود أهالي المخيم ومقاومتهم الباسلة ضد دويلة الكيان اللقيط ، كل ذلك في وقت نفقت فيه معظم الحيوانات الوحشية منها والاليفة داخل حديقة الحيوان في مدينة رفح بعد معاناتها من قلة الطعام وسوء التغذية ومن حالات التسمم بسبب تناولها للطعام الفاسد بحسب الطبيب البيطري الفلسطيني ، عادل جمعة !
ولاغرو في ذلك البتة فقد جاء في تلمود أورشليم الصفحة الـ 94،أن”النطفة التي خلقت منها باقي الشعوب الخارجة عن الديانة اليهودية هي نطفة حصان!”وفقا لكتاب(الكنز المرصود في قواعد التلمود) وجاء فيه أيضا”أن الأعياد المقدسة لم تُجعَل للأجانب ولا للكلاب،وأن الكلب أفضل من الأجانب، لأنه مصرح لليهودي في الأعياد أن يطعم الكلب، وليس له أن يطعم الأجانب،لأن الكلب أفضل منهم”بحسب مركز الشرق للدراسات الحضارية والاستراتيجية ومقره في لندن .
وبينما كانت الأخبار الفيروسية المفجعة تتابع تترا تتصدرها أخبار”جدري القرود “وإذا بأخبار تفيد بانتشار وباء الكوليرا في السودان الذي يشهد حربا أهلية وسيولا مدمرة ما أسفر عن ظهور مئات الاصابات والوفيات منذ مطلع العام 2024 بحسب منظمة الصحة العالمية،اضافة الى انتشار مرض”شلل الأطفال”في غزة وذلك بعد 25عاما على خلو القطاع المحاصر من هذا المرض شديد العدوى الأمر الذي استدعى دق ناقوس الخطر وإطلاق تحذيرات من قبل منظمة اليونيسف لتدارك الأزمة قبل تفاقهما،زيادة الى انتشار مرض “داء الكلب” في تونس وقد تسبب بالعديد من الإصابات والوفيات،وفقا لقسم البيطرية بوزارة الفلاحة التونسية .

زيارات عابرة ومشاكل غائرة
كنت قد فرغت للتو من زيارتين خاطفتين اعتدت على القيام بها بين الحين والآخر لقضاء أوقات الفراغ هربا من – زمط – الناشطين ،ومن صخب المحللين السياسيين وبعضهم وبمجرد أن أرى – جهرته- على الشاشة أصاب بالغثيان ولا أريد أن أنجس لساني بذكرهم ، زيادة على برامج التوك شو السياسية التي درج مقدموها على استضافة – نفس الشكولات – وعلى الكلام والثرثرة أكثر من ضيوف الحلقات أنفسهم ، وفرارا من ضجيج النشرات الإخبارية ولاسيما منها العراقية والتي عادة ما تبدأ بخبر قمع وقفة سلمية احتجاجية مطالبة بحقوقها المشروعة ، مرورا بأخبار استيلاء مجاميع مسلحة منفلتة على ممتلكات المواطنين والدولة – عيني عينك ياتاجر – قبل أن تنتهي النشرة بخبر اغتيال ناشط برصاص أحد سائقي دراجات الديلفري، أو باعتقال فاشينيستا بتهمة المحتوى الهابط مع أن هذا المحتوى الخابط يزداد عراقيا ولا ينقص، اضافة الى وعود سياسية معسولة جلها عبارة عن” جعجعة من غير طحن” و” هواء في شبك” نحو قانون العفو العام ، زيادة رواتب الموظفين ، توزيع اراضي سكنية على المتعففين ،بناء مجمعات سكنية واطئة الكلفة لذوي الدخل المحدود، تحسين واقع المتقاعدين ، اعادة النازحين ، وهلم جرا من أكاذيب تلو أخرى مللنا من سماعها ، الزيارة الأولى كانت الى متحف التاريخ الطبيعي في الباب المعظم والذي كان قد افتتح عام 1946 بذكرى ولادة الملك فيصل الثاني حيث مجسمات النباتات والحشرات والزواحف والبرمائيات والطيور والاسماك واللافقريات المحنطة، أما الزيارة الثانية فكانت الى سوق الغزل قرب جامع الخلفاء وقد تخصص السوق ببيع مختلف أنواع الحيوانات وأسماك الزينة والطيور المحلية والمستوردة وإذا بالعراق المبتلى بفاسديه ومفسديه،البلد الذي يعاني الأمرين من خطر السلاح المنفلت والمؤدلج والموازي، المتذيل ايجابا ، والمتصدر سلبا لقوائم معظم الاحصاءات الدولية السنوية المتعلقة بقضايا سوء المناخ والبيئة والتصحر والجفاف والبطالة والفقر والمخدرات والعنف الأسري والطلاق والأمية وهدر المال العالم والاختلاس والرشوة قد أصبح البلد الثاني بعد ماليزيا ومن أصل 91 دولة في استيراد أغذية القطط والكلاب من تركيا بواقع 7.5 ملايين دولار في عام 2024 وحده وفقا لجمعية مصدري الحبوب ومنتجات بحر التركية !

دبلوماسية الحيوانات
من الظواهر القديمة الشائعة لتقريب وجهات النظر، وتعزيز العلاقات الدولية، ما يعرف بـ” دبلوماسية الحيوانات” الناعمة وتتضمن اهداء أنواع شائعة أو نادرة من الحيوانات في بلد ما الى رؤساء وملوك وأمراء وسلاطين أو الى حديقة حيوان بلد آخر عربون صداقة ومحبة، ولا شك بأن الصين تتصدر هذه الدبلوماسية حاليا عن طريق حيوانها الوديع والشهير”الباندا”،كذلك استراليا وحيوانها الأرق والأجمل “الكوالا “،اضافة الى ماليزيا وحيوانها العجيب”انسان الغاب”الذي يعيش في مزارع نخيل الزيت شرقي ماليزيا، ومؤكد بأن الفيلة والدببة والنمور الشرسة اضافة الى الكلاب الوفية والقطط الجميلة والطيور النادرة وغيرها تحتل مكانة رفيعة في دبلوماسية الحيوانات وقد أبدع الخبير القانوني الدكتور اثير هلال الدليمي، بتفاصيل هذا الموضوع من خلال بحث جميل شائق عن هذا النوع من الدبلوماسية أنصح بقراءته ، وقد برزت في الآونة الاخيرة ظاهرة إهداء رؤساء دول الى نظرائهم أثناء الزيارات الرسمية المتبادلة أنواعا مختلفة ونادرة من الحيوانات !

مبيدات حيوية وبيولوجية
تلجأ بعض الدول الى مكافحة الحشرات والآفات الزراعية بمبيدات حيوية وبيولوجية بدلا من الكيمائية والصناعية ، هذه المبيدات عادة ما تكون عبارة إما عن طفيليات و أنواع من البكتيريا وإما عن زواحف وحيوانات وطيور وقوارض تتولى مهمة القضاء على الآفات والحد من مخاطرها ليصبح هذا المبيد الحيوي بمرور الوقت آفة أخطر من سابقتها تتطلب استيراد آفة جديدة لمكافحتها وأشهر مثال على ذلك هو استقدام استراليا و للمرة الأولى عام 1935 الضفادع السامة من أجل القضاء على الخنافس التي تقتات على قصب السكر، فما كان من الضفادع السامة إلا أن تأقلمت وتكاثرت بسرعة لتقضي على خنافس القصب قبل أن تصبح تهديدا حقيقيا تسبب بنفوق معظم الحيوانات في المنطقة فما كان من استراليا إلا أن استوردت هذه المرة جرذان “راكالي” للقضاء عليها ، وهذه الجرذان ولا شك سيكون لها حكاية مستقبلية لا تلبث أن تخرج للعيان مستقبلا !
كذلك الحال مع طائر المينا الذي استقدم من جنوب شرق آسيا الى جنوب شرق أفريقيا واستراليا للقضاء على الجراد والحشرات فأصبح كارثة بحد ذاتها لتتصدر أخبار” طائر المينا الهندي” القادم من شبه القارة الهندية كوارث الزراعة في كل من السعودية والعراق وسورية ومصر والأردن ولبنان لما يسببه هذا الطائر العدواني المعروف بمهاجمة أعشاش الطيور الأخرى وإتلاف بيضها وقتل أفراخها،اضافة الى انكبابه على تناول الزروع والثمار والحبوب بشراهة منقطعة النظير، وتسببه بخلل بيولوجي وكوارث زراعية وبيئية لا تحصى فضلا على انتشار الأوبئة الخطرة في المناطق التي يظهر ويتكاثر فيها وأبرزها وباء انفلونزا الطيور !
في بعض المدن الهندية وبعد أن تكاثرت الفئران والقرود بشكل غير مسبوق حتى تحولت الى كارثة تهدد أمن وسلامة الناس لجأت الادارات المحلية الى الاستعانة بالأفاعي السامة للقضاء على الفئران والقرود، ولكن وبما أن الافاعي مقدسة عندهم ويحتفى بها بعيد شعبي وعطلة رسمية يطلق عليها اسم “ناغا بانشامي”، وكذلك الحال مع القرود فإنها مقدسة ولها معبد خاص يدعى”معبد هانومان ” أو”الإله القرد” فوق تل أنجانيا ، وبما أن الفئران بدروها مقدسة ولها معبد خاص بولاية راجستان اسمه “معبد الفئران” أو كارني ماتا ، بنى عام 1900 على يد المهراجا غانغ سينغ، فقد تكاثروا معا بمرور الوقت من دون أن يقضى على أحدهم قط ولله في خلقه شؤون، ولا أدري كيف سمحت الهند بإنتاج فيلم سينمائي يسخر من العرب، ويحط من قدرهم ،وجل ما في الهند في عهد الحزب الهندوسي اليميني المتطرف “بهاراتيا جاناتا ” يدعو الى الاستهجان والسخرية ..كيف سخرت الهند من العرب و ملايين الهنود يعملون هناك ولاسيما في دول الخليج و يعتاشون على خيراتهم ؟!

أخلاقنا وأخلاقهم

قال تعالى: ” وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ”.
شاءت اﻷقدار أن أكون مهتما وشغوفا منذ نعومة أظافري بالمخلوقات من حولنا وكانت وماتزال الأفلام والبرامج الوثائقية عن عالم الحيوان فضلا على الموسوعات المختصة بها تستهويني بشكل كبير، فيما كانت مادة الحيوان في السادس العلمي وقبلها مادة النبات في الخامس العلمي من أجمل المواد الدراسية عندي ، ولم يقتصر إهتمامي بالحيوان والنبات على جانب واحد بل تعداه الى البحث في أسباب عبادة الحيوانات والنباتات وتقديسها في الحضارات الفرعونية والبابلية واﻷفريقية والهندية والصينية وشعوب اﻷنكا واﻷزتك والموش والهنود الحمر ﻵكتشف بمرور الوقت بأن هناك من قدس الحيوانات لإعتقاده بأن أرواح اﻷجداد تسكنها خلال دورتها بما يعرف بتناسخ اﻷرواح على وفق مبدأ – الكارما أو الجزاء – كما يعتقد الهندوس ، فإن كانت هذه اﻵرواح ﻷناس صالحين فستسكن بعد موتها في الحيوانات الوديعة وستبعث ﻻحقا بجسد بشري يرتقي في نظام الطبقات الى أعلى ، وإن كانت ﻷناس طالحين فستسكن الحيوانات الشريرة وسيبعث أحدها بجسد بشري ينزل الى أسفل وفق نظام الطبقات ( الهندوس يقسمون البشر الى أربع طبقات : البراهمة ،الكاشتر ،الويش، الشودر والصنف اﻷخير لايحق له حتى دخول المعابد والزواج من الطبقات اﻷخرى وﻻ التوظيف الا بشروط معقدة جدا ) وﻻسبيل للخلاص من هذه الدوامة اﻷبدية إﻻ – بالنيرفانا – أو الفناء بذات الاله على حد وصفهم عبر تعذيب الجسد عند الهندوس ، ومقاومة الشهوات عند البوذية ، ومنهم من إعتقد جازما بأن المخلوقات هي رسائل الالهة الى البشر إما لمساعدتهم أو للاقتصاص منهم وبالتالي فقد رمزوا لكل آلهة منها بحيوان يناظره على وفق معتقدهم كما في الحضارة الفرعونية يقدمون لها النذور والقرابين ، ومنهم من إعتقد أن الالهة تحل بأجساد حيوانية حلولا جزئيا أو كليا فقدسوها ، وبعضهم إعتقد أنهم ينحدرون من هذا الحيوان أو ذاك فقدسوه وإتخذوه ربا لهم ولكل مقدس من هذه المخلوقات طقوس ، رموز ، نصب ،كهنة ، معابد ، وميثولوجيا الشعوب ونقوشهم تكاد تغص بتقديس الحيوانات ، حتى بعث الحبيب الطبيب ﷺ رحمة للعالمين فغير المعادلة كليا وقلبها رأسا على عقب ليخرج البشر من عبادة النار والشجر والحجر والبشر والبقر ونقلها الى عبادة الخالق وحده سبحانه ، في ذات الوقت الذي نظم فيه العلاقة بين البشر والحيوانات عبر منظومة أخلاقية وإنسانية سامية قبل 1446 عاما حارت فيها العقول سبقت منظمات – حقوق الحيوان – بقرون طويلة ، علاقة منفعة متبادلة ، ﻻ علاقة عبادة وتقديس ، وﻻ علاقة إهانة وتدنيس ، وساق القرآن الكريم لنا أمثالا كلها تدور حول الحيوانات التي سميت سور كاملة بأسمائها ” الفيل ، البقرة ، العنكبوت ، النحل ، النمل ” ، ولعل أمره عز وجل بأن يفدى اسماعيل بكبش كبير كان ليقضي على عادة تقديم القرابين البشرية الى اﻷصنام واﻷوثان والكثير منها يرمز لحيوان وﻷن بعض شعوب المنطقة كانت تقدس الكبش ، فالفراعنة على سبيل المثال كانوا يقدسونه ويرمزون له الى ما يسمى بـ” الإله آمون” ، وأمر الله عز وجل بني اسرائيل بأن يذبحوا بقرة وذلك للقضاء على ظاهرة تقديس البقر التي إعتادوا عليها أثناء مكوثهم تحت عبودية الفراعنة ردحا طويلا من الزمن وكانت البقرة ترمز الى ما يسمى بالالهة ” ايزيس ” والالهة ” حتحور ” مرشدتا الموتى إلى الحياة الآخرة وحاميتا الممالك من اﻷعداء والتي إنتقلت عبادتهما الى الإغريق والرومان فيما بعد ، واليهود هم الذين عبدوا العجل متأثرين بهذا التقديس بغياب موسى عليه السلام بعدما خدعهم السامري ، وهم ينتظرون حاليا ظهور ما يسمى بالبقرة الحمراء المقدسة بزعمهم كدليل على بدء معركة هرمجدون وبناء الهيكل على أنقاض الاقصى المبارك ، فيما ظلت عبادة وتقديس البقر والقردة والفيلة والافاعي والفئران قائمة في الهند الى يومنا هذا يعتنقها مليار هندوسي إذا ما أخرجنا المسلمين والمسيحيين وبقية الديانات والطوائف اﻷخرى من مجموع سكانها، وبالعودة الى اﻵية الكريمة الأنفة يتضح لنا، بأن ”هذه المخلوقات إنما هي أمم امثالنا ﻻ تستحق التبجيل والتقديس من جهة، وأمم أمثالنا لا تستحق الإهانة والتدنيس من جهة أخرى” ليتم مسك العصا من الوسط في العلاقة بين الطرفين من غير إفراط ولا تفريط وهذا هو عين ما جسده النبي اﻷكرم ﷺ في وصايا عديدة منها قوله صلى الله عليه وسلم : “بينما رجل يمشى فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من شدة العطش قال: لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى القلب! فشكر الله له، فغفر له ” قالوا يا رسول الله! وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر”.
وقوله ﷺ” دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض”، وهو القائل ﷺ ﻷصحابه بعد أن أخذوا فرخين لطائر يشبه العصفور من عشه ” مَن فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها”، وهو القائل لرجل يجيع جمله ” أفلا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه” ومعنى تدئبه اي تتعبه في العمل من دون طعام وشراب كاف ، وهو القائل حين رآى قوما احرقوا بيتا للنمل ” “مَن أحرق هذه؟”إنه لا ينبغي أن يُعذِّب بالنار إلاَّ ربُّ النار” .
وهو القائل ﷺ: “أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا” ، فيما نهى ﷺ “أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ ” بمعنى أن تحبس لغرض القتل بالرمي ونحوه، كما نهى رسول الله ﷺ”عن التحريش بين البهائم بمعنى تحريض بعضها ضد بعض بغرض التسلية أو المقامرة ، و نهي ﷺ أيضا عن اتخاذ المخلوقات غرضا ترمى بالسهام أو الحجارة أو أي شيء آخر قائلا : ( لا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا )، وهو القائل (ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها) ، قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال:( يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها يرمي بها) وهو الذي أمر بالاحسان في ذبح البهائم “وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته”. وغيرها الكثير .

ولله در احمد شوقي القائل في بردة المديح :

يـا أَحـمدَ الخـيْرِ، لـي جـاهٌ بتسْمِيَتي ..وكـيف لا يتسـامى بالرسـولِ سمِي؟

المــادحون وأَربــابُ الهـوى تَبَـعٌ …لصـاحبِ الـبُرْدةِ الفيحـاءِ ذي القَـدَمِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى