لن ننسى
لن ننسى
معركة طوفان الأقصى وما تلاها من أحداث غزة وفلسطين والمنطقة العربية تشكل منعطفا نوعيا في حياة العرب المسلمين على المستوى العاطفي والفكري والسياسي تنعكس انكاسا ميدانيا مؤثرا على التعامل مع مفاهيم الولاء والبراء والنصرة والخيانة والإيمان والكفر والنفاق ونحوها من المفاهيم التي لم تعد مادة للكلام أو القراءة أو النقاش النظري بل أصبحت مادة للحياة الشعورية والتصوّر والسلوك بالنسبة للفرد وللأمة كلها، ومن أشكال هذا المنعطف النوعي أن هناك صورا لن تنسى أبدا ولا يمكن أن تمتد إليها يد التبديل لا في هذا الجيل ولا الأجيال التالية…لذلك إنْ ننسَ فلن ننسى:
أن غزة بقيت لوحدها في وجه “الجيش الذي لا يقهر” المدعم ميدانيا بأكثر الوحدات الأمريكية جاهزية، بينما أسلحة الجيوش العربية المكدسة أكلها الصدأ و لا تستعمل كالعادة إلا ضد الشعوب المنتفضة ضد الظلم أو ضد الجيران “الأشقاء”.
أنه عندما كانت السماء تمطر صواريخ على غزة كانت سماء مدينة الرياض تزدان بالألوان البهيجة بمناسبة افتتاح موسم الرياض للترفيه (وهو موعد للغناء والرقص والفجور بكل أنواعه)، في نفس يوم الافتتاح أفتى الشيخ سليمان الرحيلي إمام مسجد قباء وأحد شيوخ الوهابية بحرمة تنظيم مظاهرات مؤيدة لغزة بسبب ما فيها من اختلاط بين الجنسين !!! ولم يشر بكلمة إلى الاختلاط الحاصل في مهرجان الرياض ولا حفلات المجون التي تقام دوريا غير بعيد عن الحرمين الشريفين، والعين المجردة تلحظ ما بين ملحمة غزة ومهرجان الرياض من بطولة هناك وذل وخنوع وحقارة ودياثة وقذارة هنا.
أن شيوخ الوهابية استمروا في تخذيل الأمة وتثبيطها وتسويق دين مخدر لا علاقة له بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، نلمس ذلك من خلال متابعة القنوات الدينية ودروسهم وفتاويهم وكلام أتباعهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وذهبت “غيرتهم” المفرطة عن الدين والسنة التي تميزهم أيام المولد وزكاة الفطر.
أن بعض رجال الدين من الجامدين حتى من غير الوهابية إذا تكلموا عن غزة – وقلما يفعلون – قصروا النصرة على الدعاء وحده وسوقوا الأمر تسويقا باردا، وغفلوا عن الدعم المالي القوي (وهو ممكن جدا) والدعم الإعلامي مثل نشر الصور التي تبثها المقاومة والمنشورات الداعمة للقضية وتكثيف المظاهرات والمسيرات وتوجيهها نحو سفارات الدولة الغربية الكبرى…ويؤسفني ما لاحظته من استمرار بعض هؤلاء الشيوخ في دروسهم الرتيبة عن التدين الفردي والأخلاق وفقه الصلاة كأن أمر فلسطين وغزة لا يعنيهم، ويكفي الدخول لصفحاتهم وقنواتهم للتأكد من ذلك.
أن السيسي وعباس ومسؤول الجامعة العربية قد وصفوا حماس وكتائب القسام بالعصابات الإرهابية في حين تجرأ قادة في أروبا وأمريكا اللاتينية وروسيا وأطلقوا هذا الوصف على العدو الصهيوني، وهو الحق، مما يدل على أن حصوننا مهددة من داخلها وأن الأنظمة العربية الوظيفية مبتهجة جدا بالحرب على غزة، فرحة بإمكانية القضاء على حماس والمقاومة لأنها تمثل الإسلام وبالتالي هي التهديد الحقيقي لعروشهم الباطلة، بيننا يمثل الكيان الصهيوني حليفا قويا لهذه الأنظمة للبقاء في الحكم.
أن سلطة رام الله بالمرصاد لكل فلسطيني يتحرك بأي شكل لتأييد غزة، فقد استنفرت قواتها الأمنية وتعدادها 60000 رجل لمحاصرة الشباب الفلسطيني المتعطش للجهاد واعتلقت العشرات منهم بل قتلت منهم عددا من الشهداء في نفس الوقت الذي كان فيه العدو الصهيوني يتحرك في نفس الاتجاه في الضفة الغربية المحتلة.
أن المظاهرات والمسيرات التي سمحت بها بعض الدول العربية كانت للتنفيس عن الجماهير واحتواء غضبها فقط، وقد منعتها من التوجه إلى سفارات الدول الغربية المؤيد للعدوان الصهيوني فضلا عن سفارات هذا الأخير بعواصمها.
تصريح عبد الرحمن السديس الشهير: “أمريكا تقود العالم إلى السلام”، وها هو اليوم يلوذ بالصمت.
وإن ننس فلن ننسى أنه في وقت العدوان الجهنمي على إخواننا في غزة كانت أعلام الكيان الصهيوني ترفرف في سماء القاهرة وعمان والرباط وغيرها من الدول المطبعة.
إذًا…بكل تأكيد لن ننسى.
عبد العزيز كحيل