أحوال عربيةأخبار العالمفي الواجهة

كيف خطط الغرب من 25 سنة لما يحدث الآن ؟!!

أحمد فاروق عباس

رجعت مرة ثانية لكتاب عالم السياسة الأمريكى المشهور صامويل هنتنجتون ” صدام الحضارات ” فقد كنت أريد مراجعة بيانات خاصة بتركيا التسعينات ، تذكرت أننى قرأتها فيه من فبل ..
قرأت الكتاب فى التسعينات ، ولكن بدون تركيز كبير ، على الرغم من الضجة الكبرى التى أثارها حينئذ ، وظلت فكرة الكتاب الأساسية في عقلى بدون تفصيلات ..

وهو كتاب طبقت شهرته الآفاق ، وكانت فكرته مقال طويل كتبه هنتنجتون فى مجلة الشئون الخارجية foreign affairs صيف ١٩٩٣ ، وقد أثار المقال ضجة عالمية كبرى وقتها ، مما دعا هنتنجتون الى تحويل المقال إلى كتاب كبير صدر عام ١٩٩٦ ..
وصامويل هنتنجتون عالم سياسة مرموق ، كان يعمل في جامعة هارفارد ، ولم يكن عمله وجهده قاصرا على دروسه لطلابه أو تأليف الكتب والمقالات ، بل كانت طريقه إلى أعلى مستويات السلطة في الولايات المتحدة مفتوحة دائما وسالكة ..
ولم يكن – بالتالى – ما يكتبه خواطر رجل فى أوقات فراغه ، أو ملاحظات رجل يعيش فى برجه العاجى بعيدا عن الحياة وصخبها ، بل كان ما يكتبه مساهمة من رجل له مكانته في بناء السلطة في بلده ، وفيما يخص عمله ذلك بالذات – صدام الحضارات – فقد تحول ما قاله الرجل من اجتهادات إلى سياسات طبقتها أمريكا .. ومازالت !
وسأقتصر على ما قاله هنتنجتون عن تركيا ، وعن اوكرانيا ..
وكيف خطط الغرب ومفكريه منذ ربع قرن لما حدث فى الشرق الأوسط من سنوات قليلة ، وما يحدث في شرق أوربا الآن ..
والفكرة الأساسية للكتاب أن الحضارات الرئيسية في العالم هى الآتى :
١ – الإسلامية : فى الشرق الأوسط ، وفى أفريقيا وآسيا .
٢ – المسيحية الغربية : أوربا الغربية وأمريكا الشمالية واستراليا .
٣ – المسيحية الأرثوذكسية : فى روسيا والسلافيين في شرق أوربا .
٤ – الكونفيوشسية : فى الصين ومحيطها .
٥ – الهندوسية : فى الهند ومحيطها .
٦ – الشنتوية والبوذية : فى اليابان .

وبما أن منافسى الغرب الرئيسيين في القرن ٢١ هم الصين وروسيا وربما اليابان والهند ، فإن حرب بين الحضارات – وخاصة الحضارة الإسلامية – مع هؤلاء كفيلة بعرقلة الجميع وتأخيره عن السباق والزعامة العالمية ..
ومنعا لسوء الفهم أو سوء النقل ، سأقتبس كلام هنتنجتون حرفيا ، وأرقام الصفحات لمن يريد الرجوع للتأكد أو الاستزادة ..
ونسخة الكتاب التى اقتبس منها هى الترجمة العربية للكتاب التى قامت بها دار سطور ، وهى متاحة فى المكتبات ، ونسخة إلكترونية منها متوفرة بسهولة على الانترنت ..
١ – القوى الرئيسية الست فى القرن ٢١ : الولايات المتحدة – أوربا – الصين – اليابان – روسيا – وربما الهند ص ٤٦ .
٢ – فى العالم الجديد لن تكون الصراعات المهمة والخطيرة بين الطبقات الاجتماعية أو الغنى والفقير أو جماعات أخرى محددة اقتصاديا ، الصراعات ستكون بين شعوب تنتمى إلى كيانات ثقافية مختلفة .. تفاصيل وأمثلة ص ٤٦ .
٣ – إن عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم مكون من سبع أو ثمان حضارات ، العوامل الثقافية المشتركة والاختلافات هى التى تشكل المصالح والخصومات وتقارب الدول ، الصراعات الأكثر ترجيحا أن تمتد إلى حروب أوسع هى الصراعات القائمة بين جماعات ودول من حضارات مختلفة .. ص ٤٨ .
٤ – عمليات الاحياء الديني في كل الأديان فى التسعينات وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي .. ص ١٥٨ – ١٥٩ .
٥ – كلام بإيجابية عن ظاهرة الاحياء الإسلامي والإسلام السياسي ص ١٨١ – ١٨٤ ، ولا كلمة واحدة عن دور الغرب ، ويقول الكاتب أن هناك تشابه كبير بين الصحوة الإسلامية وبين الماركسية ( نصوصها المكتوبة – رؤيتها للمجتمع المثالي – رفض الدولة القومية – نزوعها للتغيير الجذري ) ص ١٨٢ .
٦ – هجوم على نظم الحكم القائمة فى الشرق الأوسط ووصفها بأنها قمعية متحجرة فاسدة ومعزولة تماما ، فى المقابل تعاطف مع الإسلام السياسي الثوري ، وهو المناظر للحركات الديموقراطية المعارضة للسلطوية في المجتمعات المسيحية !! ص ١٨٦ – ١٨٨ .
٧ – أرقام عن زيادة نسب الشباب فى العالم الإسلامي ، وأنها جزئيا هى من امدت الإسلام السياسي بالطاقة البشرية ، وأن ذلك لن يستمر بدون نهاية ، وأنه فى العقد الثاني والثالث من القرن ٢١ ستخفت هذه الظاهرة ص ١٩٥ – ١٩٨ .
٨ – أزمة هوية تضرب دولا كثيرة حول العالم فى الشرق والغرب والعالم المتقدم والنامي ، وسؤال من نحن يشغل بال الجميع ص ٢٠٤ .
٩ – حيرة تركيا بين أوربا والعالم الإسلامي ومحيطها التركماني المسلم ، وقرارها اختيار العالم الإسلامي كزعيمة له ، ودعم قوى جدا وخفى لذلك فى التسعينات ص ٢٣٨ – ٢٤٤ .
١٠ – غياب دولة إسلامية مركزية تقود الإسلام عامل أساسي في الصراعات الداخلية والخارجية التى تميز المنطقة الإسلامية ..
ثم يستعرض ست دول يقول أنها مؤهلة أن تقود العالم الإسلامي وهى ( إندونيسيا – مصر – إيران – باكستان – السعودية – تركيا ) وكلام مفصل عن كل دولة ، واستعراض لنواحي نقص وضعف كل دولة ، واهتمام بتركيا ودعم لأن تكون هى زعيمة العالم الإسلامى ، ويوضح لها شروط ذلك : وأول الشروط التخفف من العلمانية ( وهو ما حدث منذ نهاية الثمانينات ) ثم مجيء زعيم قوى ( وهو ما أتى به الغرب فعلا بعد أقل من عقد ) ص ٢٨٩ – ٢٩٢ ..
١١ – يقول هنتنجتون ” فى العالم الناشئ لن تكون العلاقات بين الدول والجماعات التى تنتمى إلى حضارات مختلفة علاقات وثيقة ، بل ما ستكون عدائية ، بيد أن هناك علاقات أكثر عرضة للصراع من غيرها ، على المستوى الاصغر فإن أشد خطوط التقسيم الحضاري عنفا هى تلك الموجودة بين الإسلام وجيرانه الأرثوذكس والهندوس والأفارقة والمسيحيين الغربيين ” وهو نص كاشف جدا لما يراد له أن يتم وما يخطط له ص ٢٩٣ .
١٢ – خوف الغرب من تقارب إسلامي صيني ، تمثل فى تقارب دول مثل ليبيا والعراق وسوريا مع الصين وكوريا الشمالية ( فى التسعينات ) وهو ما يفسر لماذا استهدفت تلك الدول بالذات في بداية القرن العشرين ، ثم فى ثورات الربيع العربي ٢٩٦ – ٢٩٧ .
١٣ – ما مصلحة روسيا في التقارب مع إيران ( كبح انتشار الأصولية في آسيا الوسطى – كبح انتشار النفوذ التركي فى وسط آسيا والقوقاز ) ص ٣٩٥ .
١٤ – الهند ودورها الجديد فى آسيا من وجهة نظر الغرب ( كابح قوى للصين ، وثقل مضاد للقوة الصينية والنفوذ الصيني – تناقض الهند مع الصين سيجعلها تقترب أكثر من أمريكا والغرب ) ص ٣٩٥ – ٣٩٦ .
١٥ – أمريكا تقف وراء المجاهدين الأفغان بقوة في حربهم مع السوفييت ، مقدار ما تكلفته أمريكا ( ٣,٥ مليار دولار ) والسعودية ( ٣ مليار دولار ) – شارك في الحرب الأفغانية ٢٥ ألف متطوع ، أغلبهم من الدول العربية ، كانت الأردن نقطة تجمعهم إلى باكستان ، وتقوم المخابرات الباكستانية بتدريبهم وهى أيضا من قامت بتوزيع الاموال على المجاهدين ص ٤٠٠ .
١٦ – المسلمون هم الأكثر تورطا في الصراعات والعنف من شعوب الحضارات الأخرى .. تفاصيل ص ٤٢٦ ( وبالتالي فهم الأقدر على استخدامهم في بدء نزاعات لا تنتهى مع الروس والصينيين ) ، ويقول أن سبب هذه الصراعات والعنف لأنه ينقصه وجود مركز مسيطر ص ٤٢٩ .
١٧ – إذا كانت أي حرب لابد لها من نهاية ، لكن حروب التقسيم الحضاري لا نهاية لها ، يمكن أن تتوقف لفترة أو يتخللها هدنات ، لكن نادرا ما تتوقف تماما ، ولا تتميز باتفاقيات سلام شاملة ، فالثقافات المختلفة تزكى الأحقاد الشديدة .. تفاصيل مهمة ص ٤٧٣ – ٤٧٤ .
١٨ – هل الاستعمار صالح اليوم ؟ يجيب هنتنجتون لا ، فالغرب لم يعد لديه الديناميكية الاقتصادية أو الديموغرافية المطلوبة لفرض إرادته على المجتمعات الأخرى ، واى محاولة كتلك ستكون ضد القيم الغربية ص ٥٠٢ ، ثم نصيحة هنتنجتون للغرب لكى يحافظ على قوته : المسار الحصيف للغرب هو الا يحاول أن يوقف تحول القوة للآخرين ، وإنما أن يعرف كيف يبحر في المياه الضحلة ويتحمل الشقاء ويخفف من مغامرته ويحمى ثقافته .. تفاصيل ص ٥٠٣ – ٥٠٤ .
١٩ – تحت عنوان ” حرب الحضارات والنظام ” يقول أن حرب بين الحضارات ليست مستحيلة ويضع الإسلام – دون كل الحضارات – لكى يبدأ هذه الحرب ، وبعد هذه الفقرة مباشرة كلام عن التحدي الصيني للغرب ص ٥٠٥ – ٥٠٦ .
٢٠ – يقول الكاتب فكرة خطيرة : المجتمعات التى اتحدت عن طريق الأيديولوجيا أو الظروف التاريخية ولكنها منقسمة بسبب الحضارات إما أنها تتفتت كما حدث للاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا والبوسنة أو تتعرض لتوترات شديدة مثل أوكرانيا والسودان ونيجيريا والهند وسريلانكا وغيرها … وإعادة إحياء الدين مرة أخرى فى معظم أنحاء العالم تقوى من تلك الفروق الثقافية ص ٤٧ .
٢١ – الدين ودوره في أواخر القرن العشرين ص ١٠٦ ، وفيه :
أ – اتساع الوعى الديني وبروز الحركات الأصولية أدى إلى تقوية الاختلافات بين الأديان .. ص ١٠٦ .
ب – جدول يوضح أعداد المنتسبين لكل دين فى العالم وكذلك اللادينيين والملحدين خلال القرن العشرين وحتى عام ٢٠٠٠ ص ١٠٧ .
ت – نص مهم ” وخلال العقود الأخيرة من القرن العشرين زاد عدد كل من المسلمين والمسيحيين في أفريقيا ، وحدث تحول رئيسي إلى المسيحية في أمريكا الجنوبية ، وفى المجتمعات سريعة التحديث ، عندما لا تكون الأديان أو العقائد الشعبية قادرة علي التأقلم مع متطلبات التحديث ، توجد إمكانية لانتشار المسيحية الغربية والإسلام ، وفى تلك المجتمعات يظل أكثر أبطال الثقافة الغربية نجاحا ، ليسوا طبقة الاقتصاديين المحدثين ، ولا دعاة الديموقراطية المتحمسين ، ولا كبار موظفي المؤسسات متعددة الجنسيات ، الأكثر نجاحا هم المبشرون المسيحيون ، والمرجح أن يظلوا كذلك ، لا آدم سميث ولا توماس جيفرسون سيفي بالاحتياجات النفسية والعاطفية والأخلاقية للمهاجرين الجدد إلى المدينة ، أو للجيل الأول من خريجي المدارس الثانوية ، ولا المسيح قد يفي بها ، وإن كانت فرصته أكبر ، على المدى الطويل محمد سينتصر ” ص ١٠٨ .
٢٢ – تركيا ودورها قديما وحديثا ، لم تقبل تركيا فى الاتحاد الأوروبي لأنها دولة مسلمة ص ٢٣٨ ، تركيا تتجه الشرق والعالم الإسلامي بدء من التسعينات وهو دورها الجديد ص ٢٣٩ ، إعادة هندسة المجتمع التركي وعودته إلى الإسلام ص ٢٤٠ – ٢٤٣ .

.. هكذا فكر الغرب ، وهكذا خطط ودبر ، وهكذا نفذ ..
وأصبحت الشعوب هى العجينة التى أراد تشكيلها كما يشاء ، والشعوب لا تفهم – للأسف – كيف ولماذا ومتى ومن ..
لكن ما عرفته وعاشته وخبرته جيدا أنها هى – وهى وحدها – من دفعت الثمن القاسى .. من أمنها واستقرارها وتقدمها وحياتها ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى