الصفقة السياسية بين حزب العمال الكردستاني و تركيا

أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار مع تركيا، بعد دعوة تاريخية لإلقاء السلاح وحلّ الحزب وجّهها زعيمه عبدالله أوجلان من السجن، يؤمل بأن تنهي نزاع داميا مستمرا منذ عقود.
وفي أول تعليق من حزب العمال الكردستاني على دعوة أوجلان التي صدرت الخميس، دعت اللجنة التنفيذية للحزب الى منح “الحرية” لزعيمه التاريخي الموقوف منذ أكثر من ربع قرن والمحكوم عليه بالسجن مدى الحياة.
وقالت اللجنة التنفيذية للحزب في بيان “نعلن وقفا لإطلاق النار اعتبارا من اليوم”.
وأضافت “نتفق مع مضمون الدعوة المذكورة بشكل مباشر ونعلن أننا سنلتزم متطلّبات الدعوة وننفّذها من جانبنا”، مؤكدة أنّه “ولكن مع ذلك، لا بدَّ من ضمان تحقيق الظروف السياسية الديمقراطية والأرضية القانونية أيضاً لضمان النجاح”.
وتابعت “لن تقوم أيّ من قواتنا بتنفيذ عمليات مسلحة، ما لم تُشن الهجمات ضدنا، كما أن تحقيق قضايا مثل وضع السلاح، لا يمكن أن تتم إلا بالقيادة العملية للقائد آبو”.
وبعد ساعات، هدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال إفطار رمضاني في إسطنبول من أنه “في حال لم يتم الإيفاء بالوعود المقطوعة وحصلت محاولة تأخير أو خداع… سنواصل عملياتنا الجارية… حتى نقضي على آخر إرهابي”.
تأسس حزب العمال الكردستاني في العام 1978، وتعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة “إرهابية”. وأطلق تمردا مسلحا ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة للأكراد الذين يشكّلون حوالى 20 في المئة من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة.
ويعدّ الأكراد أكبر أقلية في تركيا، وينتشرون في دول عدة في المنطقة خصوصا العراق وسوريا وإيران، حيث تمثلهم أحزاب سياسية وزعامات تقليدية، لا يرتبط كثير منها بالحزب.
وكان أوجلان البالغ 75 عاما قال في رسالة تلاها وفد من نواب “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد الذي زاره في سجنه في تركيا، إن “على المجموعات المسلحة إلقاء السلاح وعلى حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.
وفي حين أكد الحزب استعداده لتلبية الدعوة، شدد على أن تنفيذها لا يمكن أن يتم ما لم يتمتع أوجلان بالقدرة على “العيش والعمل بحرية جسدية”.
وشددت اللجنة التنفيذية على وجوب “ضمان تحقيق الظروف التي تمكن القائد عبدالله أوجلان من العيش والعمل بحرية جسدية، وأن يكون له اتصال مع كل من يريد، بما في ذلك رفاقه، دون عوائق، ونأمل أن تفي مؤسسات الدولة (التركية) المعنية بمتطلبات ذلك”.
وتابعت “لقد قمنا حتى الآن بإدارة الحرب على الرغم من كل الأخطاء وأوجه القصور، ولكن القائد آبو هو الوحيد القادر على إدارة حقبة السلام والمجتمع الديمقراطي”.
وأضافت “إننا على استعداد لعقد مؤتمر الحزب تماشيا مع دعوة القائد آبو، ولكن… يجب تهيئة الظروف المناسبة، ومن أجل نجاح المؤتمر، لا بدَّ أن يتولى القائد آبو قيادة المؤتمر شخصيا”.
ومنذ سجن أوجلان في العام 1999، جرت محاولات عديدة لإنهاء النزاع الذي خلّف أكثر من 40 ألف قتيل.
وبعد انهيار آخر جولة محادثات في العام 2015، لم يتمّ إجراء أي اتصال آخر لاستئنافها وصولا إلى تشرين الأول/أكتوبر عندما بادرت الحكومة التركية إلى هذه العملية عبر حليفها زعيم “حزب الحركة القومية التركية” دولت بهجلي.
وبعد عدّة اجتماعات مع أوجلان في سجنه في جزيرة إيمرالي قبالة اسطنبول، نقل حزب المساواة وديموقراطية الشعوب الخميس، دعوة الزعيم الكردي لإلقاء السلاح وعقد مؤتمر لإعلان حلّ الحزب.
ورحب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الجمعة بدعوة أوجلان، معتبرا أنها تشكل “فرصة تاريخية”. وأكد أن أنقرة “ستراقب عن كثب” لضمان أن تصل المحادثات لإنهاء التمرد إلى “نهاية ناجحة”، محذرا من أي “استفزازات”.
وأضاف “عندما تتم إزالة ضغط الإرهاب والسلاح فإن مساحة السياسة في الديموقراطية سوف تتسع بشكل طبيعي”.
وفي كلمته أمام أقارب أشخاص قتلوا أو أصيبوا في هجمات لحزب العمال الكردستاني السبت، أكد إردوغان أن المبادرة لا تحمل في طياتها أي شيء من شأنه “أن يثير الاضطراب في نفوس شهدائنا المقدسة”.
يرى محلّلون أنّ الهدنة مع حزب العمّال قد تكون مفيدة لتركيا ولسوريا حيث أُطيح حكم بشار الأسد في أواخر العام 2024 بعد نزاع طويل ودامٍ.
ويشنّ الجيش التركي الذي ينشر قوات في شمال سوريا، ضربات بشكل منتظم على مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية التي تتهم تركيا مكوّنها الرئيسي “وحدات الشعب الكردية” بالارتباط بحزب العمال.
وكان مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية، قد رحّب بدعوة أوجلان، لكنه أكّد أن قواته غير معنية بها.
وعقب جولة العنف الأخيرة في جنوب شرق تركيا في 2015-2016، انكفأت غالبية مقاتلي الحزب الى سوريا وشمال العراق حيث يشكّل وجودهم مصدرا متكرّرا للتوتر بين بغداد وأنقرة.
وللحزب قواعد خلفية في مناطق جبلية بإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالحكم الذاتي، وحيث تقيم تركيا أيضا قواعد وتنفّذ عمليات برية وجوية ضدّ المسلّحين الأكراد.
لكن دعوة أوجلان تبقي الكثير من الأسئلة من دون إجابات، خصوصا لجهة المسألة الكردية الأوسع بأبعادها الثقافية والتاريخية والجغرافية.
وشدد الحزب السبت على أن دعوة أوجلان “ليست بالتأكيد الأخيرة، بل… إنها بداية جديدة تماما”، مشيرا الى أن “الأمور التي كان يجب القيام بها خلال السنوات الـ 35 الماضية… ولكن لم يتم القيام بها بالقدر المطلوب، أما الآن، يجب أن تتم حتما”.
ودعا الى “التعامل مع مضمون الدعوة بمسؤولية وجدية كبيرة، ومن المهم جداً أن نحققها بنجاح في كل مجال”.