أحوال عربيةأخبارإقتصادمال و أعمال

الجنيه الفلسطيني ماضٍ مُغيب

عمار جبر

في ظل الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الوطنية الفلسطينية، بسبب القرصنة الصهيونية على أموال المقاصة والاستيلاء
غير مبرر على غيرها من الأموال التي تندرج تحت ملحق باريس الاقتصادي، برزت التساؤلات عن عدم وجود عملية
وطنية وهل بالإمكان فك الارتباط المالي بعملة الاحتلال- الشيكل- والنهوض بالاقتصاد الوطني الفلسطيني باستخدام
عملته الوطنية المنسية، تطرق العديد من الاقتصاديين لهذا الأمر واعتقاد البعض الجازم بعدم القدرة على استخدام عملة
تخصنا بسبب وجود الاحتلال الذي يتحكم بالاقتصاد بإغراق الأسواق المحلية بمنتجاته وتحكمه بالحدود ومنع دخول
المواد الخام، والإغلاق المتعمد للمدن والقرى الفلسطينية، والذي يصب -بالأساس- في المحاولات الاحتلالية التضييق
وخنق الاقتصاد الفلسطيني الذي يسير بخطوات مثقلة نحو الاستقرار والتعافي، لكن وعلى فرض أننا نبذل الخطى نحو
البدائل فما هي البداية لهذه الخطوة التي من شأنها إكساب دولة فلسطين بعدا اقتصاديا جديدا بعيدا عن الارتباط القسري
بالشيكل، باعتقادي محاولة إحياء الجنيه الفلسطيني والسعي بشكل منهجي ومدروس نحوه، فهو العملة الوطنية لفلسطين
التي لو استطعنا خوض معركة إعادة العمل بها، وضخ الحياة فيها عبر عدة وسائل يكون في مقدمتها وضع قضيته أمام
المحاكم الدولية، لإعادة ما تفوق قيمته ١٣٠ مليون جنيه فلسطيني، وما يعادلها من الذهب وسندات تغطية النقد والعائدات
التي تخص تشغيلها منذ سحب الجنيه الفلسطيني، والتي استولت عليها بريطانيا بوصفها سلطة الانتداب.
فما هو الجنيه الفلسطيني؟ إنه العملة الوطنية التي اندثرت من الاستخدام اليومي، لكنها ما زالت في الأذهان ولو بعد
مرور ستة وسبعين عاما على المجزرة التي ارتكبتها بريطانيا بحقه، وتولدت الحاجة لإصداره كعملة وطنية لدى سلطات
الاحتلال البريطاني، لمجابهة الليرة التركية والذي منع الاحتلال تداولها نهائيا وسمح بتداول العملتين المصرية
والإنجليزية حتى شباط 1918، حتى أصدر المندوب البريطاني في 21 شباط 1927 مرسوم النقد الفلسطيني الذي
استبدل الجنيه المصري بالفلسطيني وبدأ العمل على إصداره بتشكيل مجلس النقد الفلسطيني (بسك) بنفس العام وفرضت
سلطات الاحتلال على إيداع جنيه ذهبا مقابل كل جنيه فلسطيني يتم طباعته، ليظل الجنيه الفلسطيني العملة الوطنية
لفلسطين والمنطقة حتى العام 1948، والذي امتلك قوة نقدية لدرجة أنها ساوى الجنيه الإسترليني بالقيمة تماما، ودخلت
فلسطين منطقة الجنيه الإسترليني- هو تكتل من دول ربطت عملتها المحلية أو استخدمت الجنيه الإسترليني- وظهر هذا
التكتل في بدايات الثلاثينيات من القرن الماضي، وبقيت فلسطين ضمن هذه المنطقة حتى 22 شباط 1948، لتفرض
سلطات الاحتلال التجميد الكامل على الجنيه، تمهيدا للاستيلاء عليه ومصادرته والمنع من تداوله بفعل قرار بما سمي
قانون (الدفاع المالي البريطاني)، والذي استولى حسب التقديرات على ما يقارب 130 مليون جنيه فلسطيني، في نهاية
العام 1948,76 مليون أرصدة بنكية، و (54) مليونا على صورة سندات لتغطية النقد كما استولت بريطانيا على مزيد
من النقود المودعة في البنوك لدى انتهاء انتدابها.
الانتباه للعملة الوطنية وإيجادها وحمايتها، والعمل الجاد على تثبيت قيمتها السوقية، والمعادل لها من العملات المتداولة،
من أهم ركائز العمل الوطني، والتي من شأنها العمل النهوض بالواقع الحياتي والاقتصادي للمواطن الفلسطيني،
وضرورة الدفع لإيجاد الآليات التي بوسعها لإعادة إحياء الجنيه وبدء التعامل به وإيجاد طرق له للسوق الوطنية، وكسر
احتكار عملة الاحتلال، ودفع عجلة الاقتصاد الوطني وتعزيز نظام المدفوعات المالية الداخلية والدولية، وتوقيع الاتفاقيات
والمعاهدات المطلوبة لجعله عملة وطنية يعول عليها.
إن مسألة الجنيه وتثبيته على الساحة الفلسطينية ضرورة ملحة، يجب الاعتناء بها وتفعيل الجهات المسؤولة عنه ورفدها
بالخبرات المالية والاقتصادية والقانونية، وهي مسألة تقارب المعركة في خوضها، فالكوادر القانونية ستقوم بمعركة
قانونية لن تكون بالسهلة مطلقا، فالأساس القانوني لوجود الانتداب لم ينفذ بالطريقة التي طرحتها الأمم المتحدة في صك
الانتداب، وهو أساس انتداب قائم على سرقة خيرات فلسطين والعمل على إيجاد تعديل ديمغرافي وسكاني فهو احتلال
إحلالي، لم يكن وجوده إلى مقدمة لإحلال اليهود مقابل السكان العرب الاصلانيين، إن المعركة القانونية التي ستخوض
الكوادر القانونية ضد من كانت سلطة احتلال، لاسترداد ما سرقته هذه السلطات من أرض وخيرات ومال، هي معركة
وجود وتثبيت واستعادة حق، ومطالبة بإعادة ما سرق من فلسطين وتقديم التعويض العادل بعد النظر في معدلات التضخم
من تاريخ منع الجنيه من التداول، والقيمة السوقية لمكافئ الجنيه بالذهب، والفوائد المترتبة على استغلال الاحتياطي الذي
وضعت سلطات الاحتلال اليد عليه، إذا هي مسألة ملحة وخطوة من شأنها برأيي الشخصي، وجود عملة وطنية إن خضنا
المعركة بنجاح، سيكون لها شأن عظيم في سوق العملات المحلية والدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى