أمن وإستراتيجيةثقافةدراسات و تحقيقاتولايات ومراسلون

إحياء الذكرى 62 لمعركة قصر ملكية ( 06 أكتوبر—1961/2023) بولاية غرداية.

إحياء الذكرى 62 لمعركة قصر ملكية ( 06 أكتوبر—1961/2023) بولاية غرداية.

يعود بنا التاريخ مرة أخرى بخطوة للورى ليذكرنا بحدث بارز في تاريخ المنطقة المحلي بولاية غرداية، ألا وهو حدث معركة قصر مليكة. 6 أكتوبر1961.

تطرق عديد الإعلاميين والمؤرخين إلى الحديث عن حرب الجزائر عامة وتناولت عديد الجرائد والصحف والمراجع والشهادات والندوات والأيام الدراسية على غرار خلاف باقي وسائل الإعلام السمعية والبصرية، إلى وقائع هاته الحرب، حفاظا على الوطن وحدته الترابية وإسترجاع سيادته، التي كانت الهدف الأسمى الذي لا يختلف عليه إثنان، والكثير من فصولها كانت الصحراء الجزائرية برمتها مسرحا لأحداث مجرياتها.

معارك ببصمات منقوشة خالدة:

معارك تروي لتاريخ قصصها عن بسالة وشجاعة أبناء الجنوب، وحرصهم الشديد على موقف تمسكهم بمآثر سلفهم لأجل وحدة التراب وسلامته شعبا وحدودا. ورغم تأكيد تقارير الأحداث المؤرشفة والأبحاث المؤرخة مشاركة أبناء الصحراء ودورهم الفعال في الدعم الإستراتيجي واللوجستيكي المادي والبشري الذي قدموه للثورة عامة ولجيش التحرير الوطني خاصة، والذي يشهد عليه العدو الفرنسي بنفسه بعدما ما أوقعته بطولاتهم في فخ أطماعه التوسعية عامة ومحاولة تقسيم الجزائر وفصل الصحراء عنها، لكن سرعان ما أنقلب السحر على الساحر وتفطن أبناء الصحراء للمخطط الإستعماري التوسعي الذي قوبل بمقاومة شرسة من هجومات وكمائن ومعارك طاحنة، لا تقل أهمية عن ما قام بها أهل الشمال ضمن سلاسل تاريخ الثورة الجزائرية المجيدة وعلاقتها المرتبطة أحداثها بكل ربوع الوطن دون نقصان ولا تقليل شأن، لكن يبقى على الأجيال ورجال الغد نفض الغبار والسعي وراء معرفة الحقيقة وكشف ملابسات إخفائها وتنوير الرأي العام بها وإطلاع الأبناء بمآثر وفخر مجد الأجداد والأباء، تاريخ حافل يستحق الدراسة الشاملة الموسعة والتعمق في أعماق جدورها الضاربة إلى ما لا نهاية.

وعلى غرار باقي الجهات كان لزاما على أبناء الصحراء عامة وأبناء منطقة غرداية بربوعها إحتضان ثورة التحرير المظفرة منذ ميلادها إلتحاقا بالركب، أين كانت لهم بصمة لامعة وباع في المشاركة ضمن قوافل المجاهدين والجهاد الأكبر ومقاومته الشعبية وبطولاته من مهده.

ومن بين هاته المشاركات وملاحمها البطولية معركة قصر مليكة الكبرى يوم 05 و06أكتوبر 1961، بعد معارك أفران –الجرجير – البسباسة – الخراجة- شعبة النيشان – إلخ….

معركة قصر مليكة وموقعها:

للعلم أن قصر مليكة أت مليشت هو أحد القصور السبعة 07 لسهل وادي ميزاب وتاريخه العريق منذ قرون خلت وتميز بتمازجه وتعايشه السلمي بين ساكنيه، كما يعتبر معلما تاريخيا أثريا منذ قرون خلت.

تعد معركة قصر مليكة من ضمن كبرى المعارك الطاحنة التي فرض من خلالها مجاهدينا إستراتيجية عسكرية بنجاح كبير وثقة بالنفس زادته قوة وتشبت بالقضية وإصرار للمواصلة وتنفيذ خطط القيادة بأرض الميدان وتلقين العدو درسا لن ينساه يحمل معه خيبات الأمل وإفشال مخطط الرامي لفصل الصحراء.

توطئة:

في أواخر سنة 1960 قدم الضابط الأول أحمد طالب إلى الناحية الثالثة، في مهمة سرية عاجلة كلف بها من طرف قائد الولاية السادسة بمساعدة الضابط سعيد عبادو والملازم زروال. بهدف إحباط وإفشال المؤامرات الفرنسية الرامية إلى تقسيم التراب الجزائري، وباشر مهامه بعمل جبار في المنطقة لاسيما كل من بريان والقرارة وتحسيس مواطنيها بأهمية القضية الوطنية، والحث على الإلتفاف حول رجال الثورة وتفعيل العمل الثوري, وبعد أشهر عاد الضابط طالب أحمد. للمنطقة وتوسع لنشاطه وإكمال مهمته زار كل من القرارة وبريان وغرداية، بأيام قبل يوم 07 أكتوبر 1961 موعد عقد الإجتماع العام لإطارات الناحية الثالثة، المزمع حضوره كل من السادة: سعيد اعبادو مسؤول الناحية الثالثة بسكرة)، رشيد صايم ملازم أول سياسي للناحية، العابد زروال ملازم أول إخباري للناحية، هاشمي دارم مسؤول القسمة 59(متليلي الشعانبة)،محمد أولاد حيمودة مسؤول القسمة 60 (المنيعة) إضافة لكل من المجاهدين: لخضر بكراوي، لزرق محمد والعريف موسى سويلم (متليلي الشعانبة).

أسباب المعركة:

بعد رجوع الضابط طالبي أحمد للمنطقة وإستنئاف نشاطه، تسربت المعلومات ووصلت للعدو من طرف عملائه الذين رأوا في هذه الزيارة تهديدا لمصالحهم الشخصية، فقام العدو بعمليات تمشيط وتفتيش عن خلايا الفدائيين واسعة شملت كل الأماكن بمدينة غرداية وما جاورها، حيث تم إلقاء القبض على أحد المناضلين ومن هول التعذيب وفظاعته وأمام عدم تحمله أفصح عن مكان تواجد مجموعة المجاهدين المتكونة من الضابط الأول أحمد طالب، الضابط سعيد عبادو، الملازم الأول العابد زروال والمجاهد محمد لزرق وموسى سويلم ولخضر بكراوي ومحمد القيرع، والتي كانت مكلفة وقتها بتنظيم وتعبئة تجنيد اللجان الشعبية لدعم جيش جبهة التحرير الوطني بمنطقة غرداية من أجل الدفاع عن الوحدة الوطنية ووحدة التراب الوطني وإفشال مخططات فرنسا الرامية لتقسيم التراب الوطني وفصل الصحراء أثناء مفاوضات الإستقلال.

تاريخ ومكان المعركة ووقائع مجرياتها:

جرت وقائع المعركة بحي بن طراش مليكة العلياء قرب منزل بلغواطي قدور جانب المسجد العتيق أبو بكر صديق بضبط أمام منزل العرش يوم 06 أكتوبر1961 بعد وصول المعلومات للعدو الفرنسي ومعرفة البيت الذي يختبئ فيه المجاهدين بأحياء مدينة غرداية الشعبية، تمت محاصرته، وبتفطن المجاهدين أنقسموا إلى مجموعتين بإنسحاب درام الهاشمي إلى مدينة متليلي الشعانبة، والثانية تسللت في جنح الظلام لليلا إلى حي مليكة متنكرين في زي نساء بلبس الحائك المعروف بالكساء من صناعة الصوف صناعة تقليدية حرفية نسيج محلي) التمويه، لكن عيون الخونة وأعوان العدو الفرنسي ترصدهم وأوشت بهم. وعند وصولهم إلى قصر مليكة ليلا يوم 05 أكتوبر 1961 ,دخلوا إلى القصر عبر باب باعبد الله متجهين إلى بيت المجاهد عيسى أوعيسي سكوتي بامحمد المدعو (ڨاستون) .حيث تناولوا وجبة العشاء وقضوا عنده ليلتهم، ومع طلوع الفجر غادروا البيت بعد تبلغيهم بعلم العدو الفرنسية بمكان تواجدهم، فتحركوا و نزلوا عبر ساحة آداي نالراعي متجهين من خلف الصور إلى حي بن طراش باحثين عن مكان آمن يختبئون فيه، وبسبب محاصرة العدو لكل أماكن قصر مليكة لم يكن أمامهم أي خيار, فلجاؤا إلى أسفل دهليز مسجد أبو بكر الصديق, قرب منزل بلغواطي قدور المعروف بمحيلا, أمام منزل العرش, كونه المخبأ الآمن لهم.

بعد تطويق السلطات الإستعمارية لقصر مليكة بكامله وحصار أهله. الأمر الذي أدى إلى وقوع معركة دامية حثمية بين المجاهدين والجنود الفرنسيين الذي كان محاصرا بكامله. إذ في يوم 05 أكتوبر1961 قامت السلطات الفرنسية بتخلية كاملة لمنازل قصر مليكة، أين تم جمع النساء والأطفال في المسجد العتيق، أما الرجال ففي ساحة (لمراغت) باب باعبد الله، وذلك حفاظا وصونا لكرامتهن أن تطؤها يد العدو والمساس بالأطفال الصغار-ولم يكتفي العدو بالحصار فقام بحملة تفتيش واسعة شملت كل منازل ومتاجر القصر، غير أبهين بالوضع فقاموا بتدمر وسلب كل ما كان في منازل القصر خاصة المتاجر، مر اليوم كاملا على النساء والأطفال المحشورة في المسجد وقد أمتلأت أركانه ببكاء الأطفال من شدة الجوع، لولا مخزون التمر المتواجد فيه بالباقو المخصص ,الذي خفف قليلا من شدة وطأة معاناة الأطفال. وبمعرفة مكان تواجد المجاهدين حلقت مروحية هليكوبتر حاملة قنبلة كادت أن تلقيها على المسجد العتيق الذي يتواجد بداخله النساء والأطفال، ولولا ستر الله لكانت الكارثة، وبعد رفض المجاهدين الإستسلام وتسليم أنفسهم تم إلقاء القنبلة على المصلى أين يختبئ المجاهدين بعد وشاية الخونة للاستعمار، وأمام حالة الإختناق بالدخان الكثيف المخلف من القنبلة، قرروا المواجهة المسلحة مع العدو،وفي حدود الساعة الثامنة والنصف صباحا من يوم 06 أكتوبر 1961 بدأت المواجهة وأحتدمت المعركة الطاحنة إنطلاقا من المسجد وتوسعت إلى المنازل المجاورة الخالية من أهلها وأمتدت للطرفات والأزقة، معركة حامية الوطيس ليوم كامل وساخن حسب شهادة شهود أعيانها، أمام ضراوة المعركة وبسالة مجاهدينا الأبطال، معركة لقنوا فيها العدو درسا وكبدته من خلاله, فئة المجاهدون القليلة خسائر جد جسيمة، وبعد تصدي ونفاذ الذخيرة وقوة وابل الرصاص أستشهد الضابط الأول أحمد طالب، وأستمرت المواجهة لغاية الرابعة مساء وأمام قوة العدة وعدته وعتاده, أين تمكن العدو من إلقاء القبض على بقية المجاهدين بعد أن نفذت ذخيرتهم لأخر نفس متأثرين بجروح جد بليغة التي تلقوها من ضربات العدو. في حين كسرت رجل الملازم الثاني سعيد عبادو وأصيب بقية رفاقهم بجروح متفاوتة الخطورة وأعتقلوا وأودعوا السجن من قبل قوات العدو، كما خسر العدو العديد من القتلى والجرحى في صفوفه بأرقام مذهلة.

برنامج الإحتفالية لإحياء الذكرى وفقراته:

أحيت المنظمة الولائية للمجاهدين. ذكرى المعركة مليكة. بحضور مدير المجاهدين والأمين الولائي للمنظمة وأساتذة جامعيين وعائلات الشهداء بدار العرش لحي مليكة. بتجمع الحضور أمام مقبرة مليكة بالقسم الشرقي للقصر. والتوجه إلى المركز المتواجد داخل مسجد أبي بكر الصديق. وإلى مكان إستشهاد الشهيد طالب أحمد بمنزل آل بلغواطي. وإلى دار العرش بان طراش. أنطلق الحفل بقراءة فاتحة الكتاب والإستماع للنشيد الوطني, وكلمة ترحيبية للمثل أعيان حي بان طراش. وفقرة الكلمات بمداخلات لكل من الأمين الولائي للمجاهدين والمجاهد بكراوي لخضر أحد أبطال المعركة والناجي منها بسرد تفاصيل المعركة وأحداثها في شهادته الحية. والدكتور سويلم مختار أستاذ بجامعة غرداية. وإبن المجاهد سويلم موسى. قدم نبذة تاريخية تطرق فيها إلى حيثياث المعركة وأهم مجرياتها. تلها مداخلة الأستاذ بوعيشاوي رياض بحث في التاريخ من ولاية بسكرة. وفتح باب النقاش وفي النهاية أختتم بدعاء شامل والتكريمات ثم التوجه للمعلم التذكاري المخلد للمعركة وقرأءة الفاتحة ترحم على الشهداء. وأختتمت الفعالية بأمسية فولكلورية بساحة الحشد بقصر مليكة.

أعطت معركة قصر مليكة نفسا جديدا لثورة التحرير بالمنطقة وصور عدة منها إحترام وحدة التراب الوطني الذي كان مبدأ أساي لكل الشعب الجزائري، عنصر من الثوابت الوطنية منذ إعلان نداء أول نوفمبر54، وصور تلاحم ومشاركة أبناء الجزائر عامة ودرس أخرس الألسن، وتعزيز صفوف الثورة بكل أطياف الشعب, كما كان وقع صدى المعركة وقفة تاريخية سجلت بأحرف من ذهب، وقفة إجلال لروح شهداء ثور التحرير الأبرار ووسام شرف المجاهدين الذين أثبتوا تشبثهم بوطنيتهم، وساهموا في الحفاظ عليها ودعم سياسي جديد في الوقت الذي إنطلقت فيه المفاوضات مع العدو حول إستقلال الجزائر.

الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى