أخبارتعاليقرأي

لا حسد إلّـا في اثنتينﷺ

لا حسد إلّـا في اثنتينﷺ

رشيد مصباح (فوزي)


اعذروني إن قلتُ لكم نحن في عصر التباهي والتبختر والمظاهر الخدّاعة. وتأكّدوا جيّدا أنّكم لن تجدوا في هذه الفضاءات المليئة بالكذب والنفاق والتطاول على الناس و المساس بشرفهم… من يفتح لكم قلبه ليطلعكم على همومه وأحزانه ومعاناته اليومية مع الأمراض والفاقة والحاجة وقلّة ذات اليد… ولكنّه ومع ذلك، لا يسأل النّاس إلحافا ولا يمدّ يده إليهم ولا إلى غيرهم، بل يرفع أكفّه إلى الذي وحده يعلم بحاله ويقدّر ظروفه الصّعبة ويمنّ عليه بفضله ولا يحرمه، ولا يشير عليه ولا يفشي سرّه لأحد؛ لا في التويتر ولا في الانستقرام، و لا حتّى في الفيس بوك.

لقد ساق الله إلينا هذه الوسائل والوسائط الحديثة “بلا حول ولا حيلة ولا قوّة منّا”، فصارت بين أيدينا وسيلة مكمّلة لما نراه ويجري في الواقع من سلوكيات و طبع مشين؛ وتفاخر بلغ حدّ التعاظم والكبرياء.. وازدراء خلق الله، واحتقارهم.

وسائط التواصل والوسائل الحديثة، والتي سيقت إلينا ولم تغيّر من هذا الواقع الأليم شيئا، وحتّى صار يقال عنها “إنّها تضرّ أكثر ما تنفع”، كأنّما جاءت لتعوّض المقاهي والدكاكين التي يحلو لنا فيها “التمنشير” والعبث بأعراض النّاس؛ والكلام في أعراض الناس بات هو البَهار والتّوابل التي تضفي نكهة وتزيد من فضولنا ورغبتنا في الكلام.

هذه الفضاءات المتعدّدة، وكأنّما جاءت لتعوّض الشّوارع التي يتباهى فيها أصحاب المركبات بمقتنياتهم الجديدة؛ الأصل فيها إنّما هي قد جُعلت للانتفاع بها لا للتباهي والاستعراض.

هذه المواقع الافتراضية والفضاءات، كأنّما جاءت لتعوّض المختال المتباهي بنفسه الذي يمشي على أطراف الأصابع خوفا على حذائه الماركة من أن يصيبها شيء من العفر و العفن. والأناقة شيء جميل، بل ومرغوب. لا ضيم فيه، ولا ضير ولا ضرر ولا حسد.

إنّما الحسد -كما وصفه لنا نبيّ الرّحمة- :((رجلٌ آتاه اللهُ مالًا فهو ينفقُ منه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ ورجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهار)).

واعذروني إن قلتُ إن التباهي لا يجب أن يكون بحب الظّهور رغبة في لفت الأنظار، بل بالمروءة والإيثار وحب الآخرين وتفضيلهم على نفسه.

كما أن أكبر جهاد “جهاد النفس”. وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب)).

ومن الأقوال التي قيلت: العلم سلاح ذو حدّين، فهو عبارة عن وسيلة نافعة إن استخدم فيما ينفع الناس، والعكس صحيح. وقد جعلنا من هذه الوسائط والوسائل المعرفية الحديثة، ليس وسيلة للتباهي والتفاخر فحسب، بل وكذلك لهتك أعراض النّاس، وإشعال نار الغيرة والحسد.
فما الغاية من استخدام هذه الوسائل الحديثة إن لم تكن نافعة للمرء في خُلُقِه ودينه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى