تعاليق حرةتقاريرتقارير وأخباررأي

بين الرشاد والتيه لمالك بن نبي 

بين الرشاد والتيه لمالك بن نبي – معمر حبار

مالك بن نبي: “بين الرشاد والتيه”، دار الفكر، دمشق، سورية، تصوير 1406ه-1986 عن طبعة 1978، من 177 صفحة.

وعد القارئ المتتبّع يتحقّق:

وعد القارئ المتتبّع القرّاء الكرام في مقاله الأخير[1]. وفي آخر المقال، وتحت عنوان: “ملاحظة معلّقة”، وبالحرف: “هناك 497 كلمة تركتها في مسودتي في انتظار أن أشرع في قراءة كتاب: “بين الرشاد والتيه” لمالك بن نبي. قصد المقارنة، واستخراج العبر. وسنقوم بها لا حقا بإذن الله تعالى”. والقراءة التي بين يديك تدلّ على ذلك.

تاريخ المقالات: يمتد تاريخ المقالات عبر سنوات: 1965، و1967، و1968. وواحدة سنة 1971؟ وغياب سنة 1966. ولم يذكر لماذا؟ . ولا أعرف السّبب.

المقصود بـ: بين الرشاد والتيه:

طرح علي سؤال من قارئ كريم: “سيدي ما المقصود بين الرشاد والتيه هل المقصود شخص معين؟ أم هي كلمة عامة؟ أم مرحلة مرت بمالك بن نبي رحمه الله؟”.

أجبت، وأؤكّد: أعترف أنّي لأوّل مرّة أقرأ هذا السّؤال؟ وأوّل مرّة يطرح علي هذا السّؤال؟

لا أزعم أنّي أملك إجابة قاطعة للسّؤال المطروح. لأنّه لم يطرح السّؤال، ولم يطرح بهذا الوضوح، ولا بما يفهم منه أنّه السّؤال المطروح.

الفترة التّاريخية للكتاب هي السّنوات : 1965، 1967، و1968، و1971.

ويفهم من السّنوات المذكورة أنّ الأستاذ مالك بن نبي يتحدّث عن جزائر ما بعد استرجاع السّيادة الوطنية سنة 1962. والجزائر حينها حديثة عهد بـ “الرّشاد” الذي تسعى إليه. أي بالتّنمية، والصّناعة، والتّجارة، والتّعليم، والثّقافة، والوحدة، والتّكامل. لكن مازالت تعاني “التيه” المتمثّل في مخلّفات الاستدمار، والقابلية للاستدمار، والأمية، والتبعية، وعدم الاكتفاء الذاتي، وتقديم الحقوق على الواجبات، ورجل ما بعد الموحدين، والبوليتيك، وخلل بين عالم الأشياء والأفكار والأشخاص، وضعف في الثّقافة، وخيانة الداخل، وتربّص الخارج. فالجزائر بين رشاد تحلم به. وتيه تعانيه، وتعيشه.

ترجمة بين الرشاد والتيه من آخر أعمال مالك بن نبي:

جاء في آخر سطر من صفحة 174، وهي آخر صفحة من الكتاب: “باريس 8 أوت 1972”. ما يعني أنّ مالك بن نبي ترجم الكتاب وهو بفرنسا. أو انتهى من الترجمة وهو بفرنسا. أي: 23يوم، و2 شهر، و1 سنة قبل وفاته. باعتباره توفى بتاريخ: 31 أكتوبر 1973. ويفهم من هذه التّواريخ أنّ ترجمة مالك بن نبي لكتابه تعتبر من آخر أعماله. وقد كان حريصا في أواخر أعماله على ترجمة كتبه، ومقالاته. وكتبت في الموضوع، وآخر أعماله كلّما أتيحت الفرصة. ويكفي قراءة مقالنا في ذات الشّأن لمن أراد الزّيادة[2].

مالك بن نبي المترجم إلى اللّغة العربية:

ترجم مالك بن نبي المقالات التي جاءت في الكتاب. واقتصر عمل عمر كامل مسقاوي -وحسب مقدمته للكتاب- بتاريخ: 4 أوت 1978على: “مراجعة النص بما يحافظ على أسلوب الأستاذ مالك، ويزيل إبهام بعض العبارات”.

يرى القارئ المتتبّع أنّ لغة الكتاب أفضل بكثير من الكتب التي ترجمها مسقاوي مباشرة من الفرنسية. أي الكتب التي ترجمها مالك بن نبي، وتمّت مراجعتها لغويا هي أفضل بكثير من حيث الأسلوب، واللّغة، والصّدق، والأمانة، والجمال.

ما يعني -في تقديري- أنّ كتب مالك بن نبي من حيث الترجمة تنقسم إلى:

كتب كتبها باللّغة الفرنسية وترجمها غيره.

وكتب ترجمها إلى اللّغة العربية، وتمّت “مراجعة النّصّ بما يحافظ على أسلوب الأستاذ مالك بن نبي”. كالكتاب الذي بين يديك.

وكتب كتبها بنفسه باللّغة العربية مباشرة ككتاب: “الصراع الفكري”.

بين نور الدين بوكروح، وعمر كمال مسقاوي:

جمع عمر كامل مسقاوي المقالات التي كتبها الأستاذ مالك بن نبي عبر كتابين: “من أجل التغيير[3]” بـ 17 مقال. و”بين الرشاد والتيه” بـ 27 مقال.

وجمعها نور الدين بوكروح في كتاب واحد POUR CHANGER L’ALGERIE[4]. وعددها 47 مقال.

وبعد المقارنة، والحساب تبيّن للقارىء المتتبّع أنّ هناك فارق بـ ثلاث مقالات. ومن أراد العدّ، والضّبط فله ذلك إن أراد.

أحسن بوكروح حين جمع كلّ المقالات التي كتبها مالك بن نبي باللّغة الفرنسية عبر كتاب واحد.

يميل القارىء المتتبّع للعنوان الذي اختاره بوكروح باللّغة الفرنسية “من أجل تغيير الجزائر”. لأنّه -في تقديري- أكثر صدقا، وتعبيرا عن فكر، وظروف السّتينات التي مرّت بها الجزائر يومها.

المطالبة بدمج الكتابين في كتاب واحد:

يطلب القارئ المتتبّع بإدماج كتاب “بين الرشاد والتيه”، و”من أجل التغيير” في كتاب واحد. لأنّ فصل الكتابين أساء لجهود مالك بن نبي، وعقّد الفهم، وجعل القارئ يضيع.

ممّا جاء في متن الكتاب:

سيّدنا الصّدّيق الذي لا يتنازل:

قال مالك بن نبي: رفض سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في غزوة أحد أن يستعين بالمنافقين ضدّ قريش، قائلا: “لا يقاتل معنا إلاّ من هو على ملّتنا”. والسّبب في ذلك: “لتجنّب القتال مع متطوعين غرباء عن الثّورة، أي مجرّد مرتزقة كما نقول اليوم”. 13

أضيف: المسلمين كانوا بحاجة شديدة للجنود، وكانوا يعانون نقصا وصل لواحد مقابل ثلاثة. لكنّهم رفضوا الاستعانة بـ “المرتزقة” وهم الأقلّ عددا، وعدّة.

كتبت أكثر من مرّة أنّ أمير المؤمنين سيّدنا الصّدّيق لم يتسامح مع الذين منعوا أداء الزّكاة. لأنّه مال الخزينة العمومية، وحقّ المجتمع والدول.

يضيف مالك بن نبي معلومة في غاية الأهمية -بأسلوبي، وألفاظي-: التّنازل عن عنصر من عناصر السّيادة يؤدّي إلى التّنازل عن السّيادة كلّها. والتّنازل عن ركن واحد -ولو بدا لك صغيرا- يعني التّنازل عن أركان الدولة والمجتمع. وفي هذه النّقطة أبدع مالك بن نبي. وقال بالحرف: “إذا لم نحفظ في عقولنا وقلوبنا مقدمات ومسلمات الثّورة، فسوف لا نفقد “عقالا” فقط بل نفقد الروح الثّورية ذاتها”. 14

مالك بن نبي يترضى على سيّدنا معاوية بن أبي سفيان:

يكتب الأستاذ مالك بن نبي رحمة الله عليه: “ومعاوية رضي الله عنه”. 69

أتعمّد نقل هذه العبارة لأنّي قرأت منذ سنوات أنّ: “مالك بن نبي شيعي ويبغض الصحابة؟!”. وأكرمني ربّي أن دافعت عن مالك بن نبي.

للأمانة، مالك بن نبي للمرّة الأولى التي يذكر فيها “معاوية رضي الله عنه”. ولا أعرف -فيما قرأت وأتذكر- أنّه ترضى على سيّدنا معاوية بن أبي سفيان في كتب أخرى.

لمالك بن نبي موقف جلي واضح فيما جرى بين أسيادنا علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان رحمة الله، ورضوان الله عليهما. وهو منثور، ومكرّر في كتبه. وليس هذا مقام الخوض فيه. ولك أن تقبله، أو تردّه، أو تناقشه. وقد تطرّقنا للموضوع حين يتطلّب المقام ذلك، ومن زاويتنا.

قلتها، وأعيدها: من عظمة مالك بن نبي أنّه لا يتبع أحد، وينتقد الجميع ودون استثناء.

دفاع مالك بن نبي عن الرّئيس هواري بومدين:

أشار هواري بومدين إلى الجذور الإسلامية للثّورة الجزائرية. 23

يستعمل لقب: “الرئيس بومدين”. 68

رئيس مجلس الثّورة:

ممّا وقف عنده القارئ المتتبّع أنّ مالك بن نبي استعمل لقب “رئيس مجلس الثّورة” مرّة واحدة فقط عبر صفحة 103، وخلال الكتابين. وظلّ يستعمل لقب “الرّئيس بومدين”. ولم يستعمل لقب “الرّئيس هواري بومدين” فيما أتذكّر.

سبق أن تطرّقت لاستعمال مالك بن نبي للألقاب، ومتى يستعملها في مقال، وكيف يستعملها. لمن أراد الزّيادة[5].

ينتقد الوزراء ولا ينتقد الرّئيس هواري بومدين:

ممّا وقفت عنده أنّ مالك بن نبي: ينتقد الوزراء علانية. لكنّه لم يفعل ذلك مع الرّئيس هواري بومدين طوال الكتاب. بل طوال الكتابين المذكورين.

الحاج ناصر الدين دينيه:

ذكر مالك بن نبي أنّ الحاج ناصر الدين دينيه رحمة الله عليه له كتاب بعنوان: “الشرق من منظار الغرب”.

يتساءل القارئ المتتبّع: من يبيعني الكتاب؟ ومن يضعه تحت تصرفي؟.

قال: نقل جثمانه من فرنسا إلى بوسعادة، الجزائر خلسة، وبمعزل عن علم الجماهير. 75

الأحد 2 رمضان 1446هـ، الموافق لـ 2 مارس 2025

الشرفة – الشلف – الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى