تعاليق حرةتقاريرتقارير وأخبارجواسيس

ألغاز الأضرحة في تلبانة..!!

كتب:محمد سعد عبد اللطيف ،
حينما يُخفي التاريخ أسراره
بين أزقة قرية تلبانة الهادئة سابقًا : حيث تتشابك الحارات الضيقة وتحمل الجدران آثار أجيال تعاقبت، يقف الزمن شاهدًا على مقامات الأولياء الصالحين، تلك الأضرحة التي تراها الأعين يوميًا لكن تظل حكاياتها مخفية بين طيات النسيان.
ذات مساء، وبينما كنت أصطحب صديقي إلى الترزي في قلب القرية، استوقفتني لحظة تأمل أمام ضريح العارف بالله/ ظهير الدين في حارة الوسط. نظرت إلى القبة القديمة، وتسربت إلى عقلي أسئلة لا حصر لها: من يكون هذا الولي…؟ ما حكايته…؟ وفي أي زمن عاش…؟ التفتُّ إلى صديقي وسألته، لكنه هزّ رأسه حائرًا، مؤكدًا أن معظم أبناء القرية لا يعرفون سوى الأسماء، دون تفاصيل أو تاريخ واضح.
واصلنا السير، فوجدت نفسي أمام ضريح الشيخ عوض بجوار منزل الحاج وجدي نافع خفاجي، ثم تذكرت ضريح العارف بالله سيدي الأزمازي، ذاك المقام الذي اعتدنا أن نحتفل بمولده كل عام، بينما بقيت أضرحة الأولياء الآخرين دون احتفال مماثل. ترى، لماذا اختص الأزمازي وحده بهذه الطقوس
..؟ وهل كان لهذه الاحتفالات أصول تاريخية أم أنها مجرد عادة تناقلتها الأجيال دون معرفة دقيقة بأسبابها…؟

البحث عن الجذور بين الحقيقة والوهم

في السنوات الأخيرة، انتشرت فجأة ظاهرة ادعاء بعض الأشخاص أنهم من الأشراف أو من آل بيت النبي، دون دليل تاريخي أو وثائق موثقة، وكأنهم يحاولون استعادة مجد قديم لم يكن لهم في الأصل. هذا الأمر جعلني أعيش ما قرأته في دراساتي عن التاريخ الاجتماعي والسياسي والأنثروبولوجيا، حيث يظهر بوضوح أن شمال مصر كان دائمًا بوتقة انصهرت فيها شعوب مختلفة.
فعبر التاريخ، تعاقبت على هذه الأرض حملات وغزوات ونُظم حكم متنوعة:

الرومان والبطالمة، الذين أسسوا مدنًا وبنوا معابد وأدخلوا أنظمة جديدة للحكم.

الإخشيديون والطولونيون والفاطميون، الذين تركوا بصمتهم الدينية والثقافية.

الأيوبيون والمماليك والعثمانيون، الذين شكلوا ملامح المجتمع المصري سياسيًا واقتصاديًا.

الفرنسيون والإنجليز، الذين جلبوا تأثيرات أوروبية حديثة خلال فترات احتلالهم.

مع هذا التاريخ الطويل، كيف يمكن لشخص أن يجزم بأصوله العرقية في ظل هذا الخليط الذي تمازج وتداخل عبر العصور..؟ وكيف يثبت فرد انتماءه إلى نسب معين دون أدلة واضحة…؟

العلم.. الفيصل الوحيد

مع تقدم العلوم الحديثة، ظهر تحليل الحمض النووي (DNA) ليكون الوسيلة العلمية الوحيدة القادرة على كشف أصول الأفراد وتتبع جذورهم العرقية بعيدًا عن الادعاءات غير الموثقة. فبدلًا من الاعتماد على روايات متوارثة قد تكون مجرد أوهام، أصبح بإمكان أي شخص يريد معرفة نسبه الحقيقي أن يلجأ إلى علم الجينات، الذي يعتمد على تحليل السلالات البشرية وتتبعها بدقة عبر آلاف السنين.
وهكذا، وسط هذا الخليط العرقي والثقافي الذي يشكل هوية المصريين، يظل التاريخ شاهدًا، والعلم دليلاً، والوعي طريقًا لفهم ماضينا دون الوقوع في فخ الأساطير. قد تبقى بعض الألغاز بلا إجابة، لكن الحقيقة دائمًا ما تجد طريقها إلى من يبحث عنها بصدق.،،
من يوميات كاتب في الأرياف ،محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى