سوريا الى أين …؟

آدم الحسن
لكي نفهم الوضع الداخلي لبلداننا و بالتالي معرفة طبيعة المستقبل الذي ينتظرها علينا أن نعرف و نفهم الوضع الإقليمي المحيط بدولنا بكل تناقضاته و ميزان القوى المتصارعة و المتنافسة فيه , لكن لا يمكن فهم الوضع الإقليمي دون معرفة الوضع الدولي و ميزان القوى المتصارعة و المتنافسة على الساحة الدولية , لذا لابد أن تكون البداية من الأعلى ثم ننتقل الى الأسفل , من فهم الوضع الدولي ثم فهم الوضع الإقليمي بعدها نتناول الوضع الداخلي لبلداننا , أما الاتجاه المعكوس , من الأسفل الى الأعلى , فلا يوصلنا الى شيء مهم و قد نصل في الكثير من الحالات الى فهم خاطئ أو ناقص …! و بالتالي فإن الأسلوب الصحيح لفهم الوضع السوري في كل مراحله لا يختلف عن الأسلوب الصحيح لفهم الوضع في باقي بلدان المنطقة .
حين امتدت ثورات الربيع العربي و وصولها الى سوريا , بدأت الانتفاضة السورية بنهج سلمي اختلطت فيها المطالبة برحيل النظام بأصوات وطنية سورية جادة تطالب بالحفاظ على سلمية تلك الانتفاضة , قد يتذكر الكثير من المتابعين للشأن السوري تلك الأصوات الوطنية الحرة التي نادت ” سلمية …. سلمية ” لمعارضة النهج المدفوع من بعض قوى المحيط الإقليمي الرامي الى عسكرة الانتفاضة السورية .
لا شك أن النشاط الإقليمي لتوجيه مسار الأحداث في سوريا نحو العسكرة و العنف كان متوافقا و يلبي مصالح دول ذات ثقل كبير في الساحة الدولية و بالأخص امريكا التي كانت في تلك الفترة هي القطب الأوحد المتحكم بالوضع الدولي .
سلمية الانتفاضة السورية لم تعجب النظام الأسدي و كذلك لم تتوافق هذه السلمية مع اهداف بعض الحركات الإسلاموية المدعومة من بعض دول الإقليم فاتحدت اهداف النظام الأسدي الاستبدادي مع توجهات و أيديولوجية الإسلامويين لعسكرة الانتفاضة السورية .
حين اشتد الصراع في الداخل السوري تحرك المجتمع الدولي لفرض عقوبات قاسية على سوريا , تلك العقوبات لم تكن عقوبات ذكية تستهدف نظام بشار الأسد بل كانت غبية تستهدف المواطن السوري بالدرجة الأولى .
كتبت في ايلول 2011 في موقع الحوار المتمدن مقالة بعنوان ” ماذا يلوح في افق الأزمة السورية ” , في احدى مقاطع تلك المقالة أشرت الى أن سوريا سائرة من السيئ الى ما هو اسوء حيث ورد في هذا المقطع النص التالي :
(( ستكون كل الإجراءات المتوقعة ضد سوريا مؤلمة جدا لكنها سوف لن تؤدي الى اسقاط نظام البعث الاستبدادي الدموي في سوريا لأن النظام السوري هو من الأنظمة المقاومة و الممانعة لأي تغيير يشمل كرسي القائد .
لذلك سنرى ان هذا النظام و قد كرس كل ما لديه من قدرات لمواجهة و تحمل كل الإجراءات العقابية حتى لو استمرت هذه الإجراءات العقابية لسنوات طويلة و سببت بانهيار شامل للاقتصاد السوري .
باختصار … سنجد في النهاية ان نظام بشار الأسد باقي و مستأسد اكثر على الشعب السوري و سنجد ان الطرف الخاسر الوحيد هو الشعب السوري … !!
و لربما ستتوسع الضحكة التافهة للرئيس بشار و هو يتحدث بعنجهية فارغة عن المقاومة و الممانعة و الصمود و التحدي و التصدي . ))
بعد حوالي اربعة عشر سنة من معاناة الشعب السوري القاسية و هجرة و تهجير ثلث الشعب السوري في الداخل أو الى الخارج تغير الوضع الدولي كثيرا و انعكس تأثير ذلك على الوضع الإقليمي مما سمح بسقوط سهل و سريع للنظام الأسدي المستبد .
الحالة السورية الآن هي كالتالي :
نصف الأرض السورية تحكمها الفصائل التي شكلت هيئة تحرير الشام التي لازال الكثير من قادتها و منهم احمد الشرع ( الجولاني سابقا ) موضوعين على قوائم الإرهاب لدول منها أمريكا , و النصف الآخر من الأرض السورية خاضع لسيطرة ميليشيات متعددة أهمها قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) و فرقة أحمد العودة في درعا و المجاميع المسلحة من طائفة الدروز في محافظة السويداء و جيش سوريا الحرة في منطقة التنف , أما قوات الدول الأجنبية على الأرض السورية فهي متعددة ايضا , قوات أمريكية منتشر معظمها في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية , لروسيا قاعدتين , بحرية و أخرى جوية في الساحل السوري , معسكرات لقوات تركية في مناطق سيطرة فصائل هيئة تحرير الشام و الجيش السوري الوطني الموالي لتركيا , أضافت إسرائيل للجولان المحتل جبل الشيخ و الجزء الأكبر من محافظة القنيطرة , كل هذا في كفة و أجواء سوريا هي الان تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل و أمريكا .
لا يمكن القول أن الوضع السوري غامض فقط بل هو معتم جدا , فمن خلال قراءة البيان الختامي للمجتمعين قبل أيام في باريس للنظر في الحالة السورية نجد أن هذا البيان يزيد حالة الغموض التي تسود الحالة السورية غموضا أكبر مما هي عليه الآن , فهذا البيان يطالب من قادة الأمر الواقع في العاصمة السورية و هم من التيار الإسلاموي الجهادي إنشاء دولة مدنية ديمقراطية … ! , فهل هذا المطلب هو مطلب واقعي , لقد كان الغموض في حال سوريا و مستقبلها هو الذي تسبب في رفض ممثل امريكا التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر باريس .
لمعرفة سوريا الى أين علينا أن ننتظر ما سيتم الاتفاق عليه بين الرئيس الأمريكي ترامب و الرئيس الروسي بوتين , حيث سيقوم هذان الرئيسان بوضع الخطوط العامة التي تخص منطقة الشرق الأوسط و الحالة السورية ستكون جزء مهم من هذه الترتيبات .
من المرجح جدا أن تتمحور الخطوط العامة لأي ترتيبات تخص الشرق الأوسط يتفق عليها من قبل الكبار في الساحة الدولية هي الأمور التالية :
اولا : تحقيق متطلبات أمن إسرائيل .
ثانيا : أمن الملاحة في البحر الأحمر .
ثالثا : محاربة الإرهاب و أنهاء حقيقي للوجود الداعشي في سوريا و العراق إذ صار واضحا أن إدارة الرئيس ترامب جادة في تصفية الوجود الداعش في المنطقة بعكس سياسة إدارة الحزب الديمقراطي الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي أوباما و الرئيس بايدن اللذان كانا يستخدمان داعش كأداة ضغط على دول المنطقة .
رابعا : تفكيك البرنامج النووي الإيراني بدرجة يفقد هذا البرنامج القدرة للتحول مستقبلا الى برنامج نووي عسكري .
خامسا : منع أيران من التأثير على الحالة السورية و اللبنانية و كل ما يمكن أن يؤثر على أمن إسرائيل .
سادسا : الحفاظ على وحدة سوريا .
سابعا : إجهاض مشروع إنشاء الدولة الكوردية الكبرى من خلال حل قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) و القضاء على النشاط العسكري لحزب العمال الكوردستاني التركي و اندماج اقليم كوردستان العراق بالدولة العراقية و ذلك بإنهاء الحالة الشاذة للعلاقة بين إقليم كوردستان العراقي و الحكومة الاتحادية في بغداد .
هذه المتطلبات إن تحققت فسيكون هنالك مشروع إقليمي تشارك في تحقيقه تركيا و إسرائيل و دول الخليج العربي بقيادة السعودية في وضع خطة واقعية لتحديد مستقبل سوريا , عندها سنعرف في أي اتجاه ستسير عليه الأحداث في سوريا .
أما الآن فلا شيء يمكنه ازالة الغموض عن المشهد السوري حيث ما يمكن فعله فقط هو الانتظار لما سيتم تحديده و إقراره من قبل القادة الكبار للمجتمع الدولي و هم أمريكا و روسيا و الصين و فرنسا باعتبارها القوى الأوربية الفاعلة في الشرق الأوسط .