تعاليق حرةتقاريرتقارير وأخباررأي

لصوص ولكن ظرفاء

” السيد الرئيس” لصوص ولكن ظرفاء “
كتب :محمد سعد عبد اللطيف ،مصر،

الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين والصعاليك والسفلة والرعاع الخونة، لا يعتبر ضحية، بل يعتبر حتماً شريكاً ،في الجريمة،
قبل أو خلال محاكمة لصوص المال العام، يجب محاكمة الشعب محاكمة فكرية وثقافية، لشراكتهم في خلق بيئة حاضنة ومناخ للسرقة وصناعة الحاضنة والبيئة،
بالصمت أو التستر أو اختيار أعتى سراق الأرض عبر التاريخ.ليكونوا لهم ممثلين في المجالس النيابية والجمعيات،
تجاربنا تنتهي بوضع الحاكم أمام حائط اعدام أو تحت حبال الشنق،
مع بقاء العقل والبيئة والمناخ والذهنية المنتجة لكل أنواع الشرور والمساوئ كما هي، لذلك يعاد انتاج المأزق والعطب في كل فترة.الشعب الذي يسمح لهذه الذئاب البشرية من سلالة قابيل البشرية بالسرقة وهتك الحرية والسلطة ليس ضحية، بل هو شريك هؤلاء في الفضيحة العامة.
بدل هذا التقليد العاجز في شتم اللصوص وقد أدمنوا عليه، لماذا لا تتم مراجعة القداسات والمسلمات والبداهات البشعة المكان الأمثل لصناعة الطغاة والحرامية…؟لماذا نلعن الصرصار ولا ننظف الدار..؟ نشتم الخنازير ونترك حقول الازهار مفتوحة..؟ ولماذا ايضاً نلعن عفونة الرائحة ولا نفتح الشبابيك وننظف الستائر..؟
لماذا لا يضع هذا الشعب سرقة المال والثروة والحرية والسيادة والأمل والمستقبل والطمأنينة في منزلة الشرف،
بالصورة نفسها التي وضع فيها تقليد” غسل العار” في حسابه،ثم يرتدي اقنعة مزيفة في احتفالية عامة ثم ينزل هؤلاء القتلة الى الشوارع يطالبون بالديمقراطية واسقاط النظام وهم المنتج الأول والأخير،لتشكيل أي نظام” بالمعنى الواسع لأنه عقلية وتراث وتاريخ ومنظومة تقاليد بالية وشبكة أوهام وأساطير وليس مؤسسة سياسية فحسب،
وأيديهم ملطخة بالدم والسرقة وقد تركوا خلفهم أجيالاً من الضياع الفكري وسطحية الفكر بلا هوية واستباحة كل شيء باعتبار كلمة “عادي” سمة العصر فالسرقة عادي والنهب ذكاء والفوضي في الشوارع حرية والقتل والمخدرات عادي …؟ المثل العربي يطبق علي حالنا ،،
أُكلت يوم أكل الثور الأبيض» مقولة عربية، ومثَلٌ يضرب عند الشعور بالندم على التفريط والتهاون في الحقوق، والإحساس بالتشتت والضياع فالأمر يبدأ دائماً بالغير وينتهي عندك فاحترس ولا تضع نفسك فريسة للخداع، فما يطال غيرك يطالك. عندما سُئل الكاتب الروسي ” أنطون_تشيخوف “، كيف تكون المجتمعات الفاشلة،أجاب : ” إذا رأيت الموضوعات التافهة تعلو في أحد المجتمعات على الكلام الواعي، ويتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدّث عن مجتمع فاشل جدًا”
“انظر إلى الأشخاص الذين يُقدّرهم المُجتمع تعرف الإتجاه الحضاري السائد في ذلك المُجتمع و مصيره.لسنا اقل من
كتاب امريكا اللاتينية الذين اعادوا صياغة النظام السياسي والثقافي والأخلاقي والاجتماعي، لم يكونوا سذجاً
ومغفلين عندما قاموا بتفكيك ونقد الفساد كنسق ثقافي ونظام تفكير وعقلية وليست مؤسسة سياسية حاكمة أو طاغية فحسب،
ومن بين هؤلاء على سبيل المثال/الكاتب ماركيز الكولومبي، وماريا يوسا البيروي،
وميجيل اوسترياس الجواتيمالي،
والأخير فتح باب العفن المسكوت عنه في أول رواية/تحت عنوان ،، ” السيد الرئيس” التي فككت النظام الاجتماعي قبل تشريح الدكتاتورية، ومن بعده جاء غابريل الكولمبي برواية” خريف البطريرك”، ثم ماريا يوسا برواية” حفلة التيس”،التي كتبت مقالي الأخير عنها في/ موقع ذات مصر ،،
والثلاثة حصلوا على جائزة” نوبل” لدورهم في اعادة صياغة السلطة. من فينا يقوم بهذه المهمة… ؟
في حين هز ايليا اهرنبورغ السلطة والمجتمع السوفيتي في رواية” ذوبان الثلوج ” والامثلة لا حصر لها.نخب فكرية وادبية وثقافية وقفت في العاصفة، رغم المخاطر، لتفتح الأبواب المغلقة، وتعيد بناء الذاكرة الوطنية من جديد…!! هذه المحاكمة ليست من اختصاص قضاة هم في النهاية جزء من النظام السياسي، ومن بنية مؤسساته،
بل هي من اختصاص الضحايا أولاً وثانياً:-
في صميم واجب مثقفيه ومربيه ونخبته الحية أو الباقي منها، ونحن لا نعرف هذا التقليد في محاكمات النهج والعقلية ونخبنا خبيرة بمحاكمة بعضها وصار أصحاب التجارب الصغيرة، علي مقاهى الفيسبوك وجالسي المصاطب ، يحاسبون أصحاب التجارب الكبيرة، الحروب والسجون والتشرد والمنافي،
لأننا وقعنا بين مثقف ثوري مهرج دعوي يقدس اخطاء الناس من أجل الكسب، أو مثقف نخبوي يحتقرهم، أو داعية مبشر بيوتوبيا وفردوس في عالم آخر: بين ايديولوجيا وهم ويوتوبيا وهم.كل تجاربنا تنتهي بوضع الحاكم أمام حائط اعدام أو تحت حبال الشنق،
مع بقاء العقل والبيئة والمناخ والذهنية المنتجة لكل أنواع الشرور والمساوئ كما هي، من أين خرج هذا العدد الهائل من اللصوص القتلة في السياسة والارهاب والسلطة،
الا اذا كنا مقتنعين انهم خرجوا من ثقوب الحيطان، وليس من رحم مجتمع يعاني من أعطاب بنيوية أخذت شكل القداسة المزيفة والأعراف الكاذبة،
تسمى نفاقاً بالتقاليد…؟هذا الشعب الذي يردح، محتجاً، على شبكات التواصل علي أغنية أو قصيدة او وجهة نظر أو مقابلة في فضائية أو عيد الحب، ويضع المختلف في منزلة الارهابي، ويضع الدجال في منزلة الناصح، هذا الشعب الذي يضع العاشق في مكان المجرم، ويضع المجرم في مكان السلطة،
لماذا لا يُسمي هتك الحرية عاراً أيضا.؟
وهتك المال عاراً..؟ وهتك الماضي والحاضر والمستقبل عاراً أيضاً…؟ لماذا نسمع عن ارتكاب جرائم قتل بشعه مجرد ان يقال
ان شرفك الجنسي ملطخ،
في حين يجلس هادئاً
لو قيل له ان الحرية والسيادة والمال والكرامة والثروة مسروقة ومصادرة وانه في الطريق الى كوارث قادمة..؟
أو ان الصعاليك في القري والمدن تتصدر المشهد في يد أقذر الرعاع والصعاليك كما قال عنهم سقراط ،، مع ان ظهور الصعاليك في المناصب في القري والدوائر الحكومية، هو سقوط للشرف في أعمق وأنبل وأدق معانيه…؟كيف يمكن الامساك بالحد الفاصل بين غسل العار القبلي وغسل العار السياسي؟ ومن هو المسؤول عن استمرار هذا العطب العقلي والأخلاقي المزمن، وتملق الآهواء العامة بحجة مراعاة” مشاعر” الجماهير، مع ان هذه الجماهير تحولت الى قطعان هائمة في البراري، والسهول والبحار تبحث عن وطن،
أو تنتظر الذبح وهي تمرح في حقل قرب جدران المسلخ والسواطير تشحذ خلف الجدار..؟ حراس الوعي والنوايا مارسوا كل أشكال النفاق مع الناس،
وأخطرها مدح الأساطير والأوهام والآخلاق البالية أو الصمت عنها والعجز عن أي قطيعة فكرية مع الماضي في حين ان شعوب العالم أسست دولها العصرية وحداثتها على نقد الآوهام والأساطير الاجتماعية،
وبذلك تركوا الناس تحت العراء، وتحت اللصوص والقتلة، وتحت كل القوى الشريرة.السلطة الاجتماعية هي من ينتج السلطة السياسية وليس العكس، وبسبب عدم وعي هذه العملية او الوعي المقلوب بها،
كنا ندفع، كل فترة، حساب الأوهام المهلكة، وهو حساب مفتوح على الدم والهتك والفجيعة. لماذا عويل الكلاب فوق رؤوس كل من يحارب الفساد،يحارب لآنه متمرد عن القطيع، ماذا يمكن ان نقول نحن الذين تنجر لهم هذه الأيام وليمة الموت وطقوس الجنازة على مرآى من العالم، نحن الذين نهتف للحرامي
وكيف سيكون الاحتفال: اننا اذن امام مشهد سقوط أخلاقي مروع، وتدهور خطير في الروح الإنسانية لا مثيل له، ولا أحد يعتقد ان العالم، كل العالم، سيحترمنا ونحن نتحدث عن وطننا بهذه اللغة السوقية والفوضوية التي يخجل منها وحوش ما قبل التاريخ
دعوة للتأمل وفحص معنى هذا” التبات” وهذا “التماسك” وهذه “الرصانة” التي لا تتوفر إلا في مغاسل الموتى وفي طمأنينة الأبقار قرب جدران المسلخ أو تماثيل متاحف الشمع. سوف يقول بعضكم “مالك يا رجل غاضب دائماً
وتلعنا ونحن ” صامدون” أمام سرقة المال العام وأهانة المواطن،سارق المال العام يتكاثرون كالنمل .. كلما ظننا أنهم انتهوا أو ترنحوا أو خجلوا من أنفسهم مع تقدمهم في العمر أو اتعظوا من غيرهم، وجدنا أنهم يزدادون بجاحة وخسة وفجراً
، وكأن الجيل الجديد منهم صار أكثر توحشاً
فى مواجهة كل قيم الشرف والنبل والإخلاص والوطنية والفهم. المشكلة ليست فيهم بالطبع إنما فى ما اختارهم من الشعب
ليكونوا نواب لهم ، يبين لنا الفيلسوف الالماني / شوبنهاور/ سبب كره القطيع للشخص العقلاني حيث يقول : أكثر ما يكرهه القطيع هو إنسان يفكر بشكل مختلف، القطيع لا يكره رأيه في الحقيقة، ولكنه يكره جرأة هذا الفرد في إمتلاك الشجاعة للتفكير بنفسه كي يكون مختلفاً، وهذا تحديداً ما لا يعرفه القطيع.
اكثر الناس يساير ويكابر ويجامل الآخرين في السراء والضراء وحين البأس ظنا منهم بأنهم يقومون بالواجب والأدب والآخلاق.
أما انا فاني اعتبر. هذه الأمور كذباً ونفاقاً
اذا لم تكن نابعه عن المشاعر والأحاسيس “الأخلاق هي الضامن الوحيد لاستمرار الإنسانية. حين تختفي الأخلاق، يصبح البشر كالذئاب، يأكلون بعضهم البعض. القوانين وحدها لا تكفي لترويض النفس البشرية. الإنسان يحتاج إلى رادع داخلي، إلى شعور بالمسؤولية تجاه نفسه و
لا شيء أصدق من الحقيقة
ولكن أين هي هذه الأيام…؟!
محمد سعد عبد اللطيف ،كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى