مالا تعرفه عن الترجمة
يقدم الكاتب والمترجم المغربي محمود عبد الغني في كتابه “الترجمة كما شرحتها لطلبتي” دليلًا مبسطًا حول مادة “الترجمة الأدبية”، ويشرح بشكل عملي وقابل للتطبيق المفاهيم والمصطلحات والأعلام والمقابلات اللغوية التي ينبغي أن يدرها الطالب ويستوعبها لتكون منهاجًا يعينه على الفهم والتحليل، يتميز ببعديه التربوي والمنهجي.
الوضوح والدقة هما السمتان البارزتان في هذا الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن أخيرا، إذ حاول الباحث فيه طرح الأسئلة تلو الأخرى عن الترجمة “كي يَكثُر المُتَسائلون ويُكثروا من التساؤل” بحسب تعبيره، ولأنه يرى أن “الترجمة استبدادية، لذلك وجبَ جعلُها علميةً في أعين طلبتنا”.
وجاء الكتاب في توطئة وتقديم، وخمسة فصول هي: “مفاهيم عامة”، و”نظرية الترجمة”، و”أسطورة بابل”، و”الترجمة والذكاء الاصطناعي، و”أعترف أنني قد خنت”. من هنا، وبحسب مضمون الكتاب فهو غير منعزل عن شروط داخلية ارتبطت بتدريس الباحث لمادة “الترجمة الأدبية” وهو يمعن النظر في قضاياها ومفاهيمها ومصطلحاتها.
يتأسس الكتاب على سلسلة من المحاورات والأسئلة التي تدور بين أستاذ وطلبته، هدفها تجنب أنواع سوء الفهم التي تتخلل الترجمة، حيث “النجاة من سوء الفهم الفكري هو كل هَمّ الطالب السائل والأستاذ المُجيب” كما يقول المؤلف.
ويتوقف الكتاب عند العديد من القضايا في الترجمة وأبرزها قضية الترجمة والذكاء الاصطناعي، إذا ستقود الثورة الرقمية، وفقًا للباحث، لإمكانية أن يتحدث مواطن ما مع مواطن آخر في أيّ بلد في العالم، بسهولة ويسر، حيث يسير التطور التكنولوجي بخُطى كبيرة، والفاعلون في هذا السوق الضخم يعملون دون توقف كي يطوروا من خدماتهم، إضافة إلى أن التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تساعد على تطور أكبر.
ويشير المؤلف إلى مجموعة من النظريات والتقنيات قيد الإنجاز بهدف اختراع آلات قادرة على مضاهاة الذكاء الإنساني، وقادرة على التعلم الذاتي، أو ما يسمى “التعلم الآلي” أو “التعلم الإحصائي”. موضحًا أن جُلّ أنظمة الترجمة الآلية ترتكز اليوم على قاعدة إحصائية أساسًا، وأن أفضل النتائج تكون مسجلة حين تكون اللغة المصدر هي الإنجليزية.
ويبين عبدالغني أن تتبع المرادفات أثناء الترجمة على مستوى الكلمات أو الشرائح يعمل بطريقة أفضل حين يتعلق الأمر بالترجمة إلى اللغات المتقاربة؛ الأمر الذي يسمح بالقيام بتقطيع متشابه إلى كلمات بين اللغة المصدر واللغة الهدف، بينما تتطلب الترجمة نحو اليابانية أو، حديثًا، نحو الصينية أو العربية، عددًا كبيرًا من الأبحاث؛ فلهذه اللغات بنية بعيدة جدًّا عن الإنجليزية، مؤكدًا على “أن وضع أنظمة مختلطة وإدماج مكون إحصائي، بالنسبة لهذه اللغات، بل ومعارف ذات طبيعة لسانية متقدمة، سيكون، ربما، المصدر الرئيس للتطور في المجال، خلال السنوات القادمة”.
وفي تقديمه للكتاب، ميز د.محمد الولي بين نوعين من الترجمة؛ المباشِرة التي تقوم على استخدام أربعة أجناس من الكلمات، هي الدخيل والمقترض والنسخ والحرفي، وغير المباشرة التي تعتمد على التصريف والتعديل والتكافؤ والتناسب.
ووضح الولي أن من أهم تقنيات الترجمة التي اهتم بها الباحثون، هي الدخيل والمقترض والنسخ والحرفية، والتي كثيرًا ما صُنفت ضمن مقومات الترجمة المباشرة، وهي تتسم بإضفاء طابع الغرابة أو الأجنبي على نص الترجمة؛ وتعمل على إحضار الآخر الأجنبي في نص اللغة الهدف، أو اللغة المستقبِلة، ومثال ذلك بحسب الباحث استعمال كلمة “التلفون” التي توحي بالطابع الأجنبي، في حين أن استعمال كلمة “هاتف” تخفف أو تبطل هذا الإيحاء الأجنبي.