الخوف والخجل”الفوبيا“.. هذا ”البعبع“ الذي يقتل النّاس معنويّا.

—–
رشيد مصباح (فوزي)

إنّ أشد الأمراض فتكا هي التي يستحي بعض الناس من التصريح بها، لأنّهم أحيانا يرونها مجلبة للاستخفاف بل للازدراء. لأن الناس في أيامنا هذه لا يعتبرونها أمراضا سوى التي لها علاقة بالأمراض العضوية والمزمنة؛ مثل السكّري، والضغط العالي، وأنواع السرطانات الحميدة والخبيثة الفتّاكة… ويتجاهلون غيرها من الأمراض النفسية التي يعاني أصحابها في صمت؛ فاقدين للحريّة، غير قادرين على تحمّل المسئولية، وتوظيف كل ما لديهم من مواهب، وطاقات وإمكانيات ذهنية وشخصية معنوية هائلة.
[l’Éreutophobie] قد يبدو للبعض أن التواصل مع الآخرين مسألة عادية وأمر بسيط وسهل؛ وكل ما على الإنسان أن يحسن توظيف حواسه ليعبّر عن مشاعره وأفكاره في التّعامل مع الآخرين. وهذا غير ممكن في بعض الأحيان، وبالنسبة لشخص يعاني نفسيا من الخجل، واحمرار الوجه، أو”الفوبيا“ كما تُسمّى عند علماء النّفس والمختصّين.
ذلك أن احمرار الوجه علنًا هو في الواقع، بالنسبة للكثير، مرادف للضّعف والشّعور بالذّنب و العار. نظرًا لعدم قدرة صاحبه على إخفاء عواطفه أو مشاعره المتمثّلة في الاحمرار الذي يعلوه ويغمر وجهه، كلّما أراد التّعبير عن رأيه تصبّب عرقا، و تولّد لديه شعور بالخوف والضعف ويشعر بالخجل.
لإنّنا نعاني من فراغٍ مهول، فالثقافة في عقولنا ”الضّحلة“؛ مجرّد كلام، غوغائيّ وسطحي. نردّده دون وعي، أو معرفة بالأسباب الحقيقية. فالمجتمع الذي نعيش فيه، مجتمع يهتمّ بالمظاهر ولا يلتفت إلى الجواهر. وإن المجتمع الذي لا يراعي الجانب النفسي للأفراد، داخل الأسرة وخارجها؛ في المدارس والمعاهد والجامعات، وفي أماكن العمل والمؤسّسات، وأينما وُجدوا… هو مجتمع سطحي وبدائي متخلّف.
الذين يعانون في صمت ولا يستطيعون الإفصاح عن نوبات الهلع التي تحرق ذواتهم من داخل، لأنّ ”البعبع“ أو ”الغول“ كما أحبّ أن أسمّيه، الذي يسكن قلوبهم ويسيطر على عقولهم، يحرمهم من توظيف إرادتهم ويمنعهم من تحمّل كامل المسئولية.
نحن أمام أشخاص مرضى، يعانون في صمت قاتل ومميت. ولا نعرف عنهم سوى هذا الأحمرار الذي نراه بأعيننا و يعلو وجوههم فيتسبّب في تصبّب العرق من جباههم. وليس لدينا أيّ فكرة عن حجم الدّمار الذي يتسبّب لهم فيه هذا ”البعبع” أو ”الغول“؛ والمتمثّل في الخجل الذي يعبث بكل شيء جميل من حولهم. ويحاول بعض منّا، وبحسن النيّة، إرجاعه إلى شدّة حياء صاحبه، وما هو بالحياء المحمود، بل هو مرض الخجل بعينه.
يذكّرني هذا بكلام صديق قديم، عانى هو الآخر من الخجل، قال لي هذا المسكين بالعاميّة الدّارجة ذات يوم: ”يجيء يوم يعود الواحد يطلب ”كاشيّة“ مكان السيجارة“. ويقصد بـ الـ”كاشيّة“ الأقراص المهلوسة والمؤثّرات العقلية.
مع هذا الشّغف الكبير بالوسائل التقنية المتطوّرة التي انفردت بنا، فارضة علينا وعلى أبنائنا العزلة و الوحدة، يكون العالم قد أدار ظهره نهائيّا لهذا الصنف من المرضى النفسانيّين. ومثل هذه الأمراض والعاهات النفسية التي كانت في يوم ما تستقطب الآراء من حولها وتحظى باهتمام الأطبّاء والعلماء المختصّين.. لم تعد كذلك في هذا الزمان، وفي ظلّ هذا الواقع البائس، وهذا الإقبال الواسع الكبير على الوسائل والمقتنيات الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى