لا دين ولا كرامة ولا إنسانية.. لمن لا أخلاق له.
لا دين ولا كرامة ولا إنسانية.. لمن لا أخلاق له.
رشيد مصباح (فوزي)
**
صنفان من النّاس؛ شخص لا يرى سوى نفسه، ولا يعيش سوى لذاته وإشباع غرائزه ونزواته. ولا يهمّه إن كان غيره يعاني؛ من جوع أو ظلم أو فقر و ألم… أنانيّ حسود وحقود.. “إلهه هواه”. هذا الصنف قال عنه المولى عز وجل يصفه: ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ).
ومهما تظاهر بالتّقوى والأيمان، فهو كذوب. لأنّ الأيمان يتنافى مع حب الذّات والحقد والحسد والأنانية. وقد تجد مثل هذا الصنف من الأشخاص؛ ومن الجنسين، إمّا واعظا أو خطيبا؛ يخطب على النّاس من على المنبر. كما قد تجده في الصفوف الأولى، وراء الإمام يصلّي صلاة طويلة. وقد تجده أمامك في صحن المطاف بالحرم المكّي الشريف يدفع النّاس بقوّة كي يصل إلى الحجر الأسعد أو الأسود ويقبّله. وقد تجده في إحدى الجمعيات الخيرية عضوا نشيطا يجمع التبرّعات مثلا… وليس لكل هذه الأفعال الحميدة من وجود في قلبه الحاقد، الجاحد، الحسود؛ فهو في حقيقته يجحد نعمة الله وفضله عليه، ويعتقد أنّ ما به من النّعم إنّما هي بفضل ذكائه وجهوده، لا بفضل الله ـ عزّ وجلّ ـ وحده. ولا يعلم أن الله هو الذي يقسّم الأرزاق بين الناس بالحكمة والعدل.
وينسى أن الله قادر عليه، ولو شاء الله ابتلاه بما ابتُلي به غيره؛ من فقر وفاقة ومرض. وهذا الصنف من النّاس جاهل وغافل، يعتقد أن النّعم تدوم. معتبرا الحياة هذه هي غاية الغايات. وأكثر ما تجد هذا الصنف، و بصورة ملفتة، في المجتمعات المتخلّفة خصوصا؛ حتى وإن كانت هذه المجتمعات مسلمة ومتديّنة. وهو ما يعكس سوء فهمها للدّين الذي إنّما جاء ليحارب الجهل وبعض الأمراض النفسية؛ مثل البغض والحسد والأنانية والكراهية. وفي مثل هذا، يقول الرسول الأعظم الكريم ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: – (لاَ تقاطعوا ولاَ تدابروا ولاَ تباغضوا ولاَ تحاسدوا وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا ولاَ يحلُّ لمسلمٍ أن يَهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ).
إن الله لا يرى إلى صوّرنا ولا إلى قوّة عضلاتنا، ولكن إلى القلوب التي في الأبدان. قال الرسول الأعظم الكريم ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ). وتخيّلوا معي حجم المعاناة وأنت تعيش في مجتمع سواده الأعظم يحكم على الناس من خلال مظهرهم وصورهم.. مجتمع يسود فيه الجهل والظلم والمعاملة السيّئة… أنّى للحياة أن تستقيم فيه؟!
مثل هذا المجتمع حتى وإن كان يدين بدين الإسلام؛ ويصلّي ويصوم أفراده ويحجّون؛ يتظاهرون بكثرة الورع والتّقوى الإيمان… لكن إيمانهم هذا ناقص، وفهمهم للدِّين خاطئ، وهم بهذا يناقضون وينافقون؛ يخالفون تعاليم دينهم الحنيف وما جاء به الإسلام العظيم.
أعتقد جازما أنّه “لا دين لمن لا أخلاق له”. ولا يمكن، بأيّ حال من الأحوال، فصل هذا الدّين الحنيف عن مكارم الأخلاق. والأخلاق الحميدة الكريمة تتنافى مع السلوكيات الرّديئة المشينة.؛ وبها يتمنّى الإنسان العيش في المجتمعات المتفتّحة الرّاقية، حتّى وإن لم تكن متديّنة. ولا أعتقد أن المجتمعات التي يسود فيه التآخي و التآزر والأخلاق العالية الكريمة… لا يشعر المرء فيها بأنّه حقّا إنسان!
هذا الصنف من المجتمعات هو أهل للحياة، يستحقّ العيش بحريّة وكرامة.
وأمّا المجتمعات التي تجعل من الدّين غطاء، وواجهة أمامية؛ للتستّر على بعض العيوب؛ كالحقد والحسد والأنانية… فهي مجتمعات مجرّدة من أسمى معاني الأخلاق الحميدة الكريمة؛ كحب الآخرين والتسامح والإيثار… ليست أهلا للحياة، ولا تستحقّ أن تعيش بحريّة وكرامة. ومهما تظاهر أفرادها بالدّين والأيمان، فهؤلاء في الحقيقة عبارة عن منافقين؛ وضالّين مضلّلين.
يقول الرسول الأعظم الكريم:- (بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ).
وحين أراد المولى ـ عزّ وجلّ ـ أن يمدح رسوله الأعظم الكريم، لم يصفه بالنّاسك ولا بالمتصوّف، وإنّما الخلق العظيم قائلا له، وقوله الحقّ:
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)