الأقصى في عين العاصفة
راسم عبيدات
الحرب على الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس ،لم تتوقف لحظة واحدة،بل هي مستمرة ومتواصلة من أجل فرض وقائع جديدة فيه تتجاوز الإستاتيكو القائم عام 1967، وبما يغير ويفرض وقائع جديدة دينية وقانونية وتاريخية،ودولة الكيان في عدوانها على الأقصى تعتمد المرحلية،والتقدم خطوة خطوة لفرض وقائعها الجديدة،مدركة بأن ما تستطيع تحقيقه لا يمكن الرجوع عنه،فهناك من هم جاهزون من الدول العربية الوظيفية لتسويق موقفها والتدخل تحت ذريعة عدم ذهاب الأوضاع نحو التصعيد والإنفجار الذي لا يمكن السيطرة عليه …ولذلك ما يجري من تصرفات وسلوك والقيام بخطوات لفرض الوقائع الجديدة من قبل الجماعات التلمودية والتوراتية،وما يعرف بجماعات الهيكل،لا يعبر عن موقف لهذا الحزب او ذاك،بل هو تعبير عن سياسة ممنهجة مقرة من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ولكن يبدو بأن الخلاف في التعبير عن شكل السياسة وتوقيتها،وليس خلاف في الجوهر،ولذلك تصنيف الحكومات الإسرائيلية على أساس،بأن هناك حكومة سيئة واكثر سوء ومجرمة واكثر اجرام،توصيف خاطيء ويجافي الحقيقة والواقع،ويشكل عامل تبرئة للحكومات السابقة، التي لا تقل تطرفاً عن الحكومة الحالية، وإيغالاً في الدم الفلسطيني والطرد والتهجير والإقتلاع والتطهير العرقي وابتلاع الأرض وضمها وتصاعد الإستيطان وهدم المنازل …الخ،فحكومة لبيد – غانتس،في عهدها ا س ت ش ه د أكثر من 230 فلسطيني برصاص جنودها ومستوطنيها وعمليات الدهس المتعمدة.
دولة الكيان شهدت منذ عام 1996 إنزياحات واسعة نحو اليمين والتطرف،وليبلغ هذا التطرف ذروته في التحولات العميقة التي حدثت في بنية وتركيبة المجتمع الصهيوني،حيث القوى الدينية الأصولية المتزمتة من الصهيونية الدينية والقوى الحريدية ” حركة شاس”و” وديغل هتوراة”،باتت تتصدر المشهد السياسي الصهيوني. هذه التغيرات والتطورات قادت الى تحول دولة الكيان من دولة يهودية الى دولة شريعة،وبالتالي تمكن الأصولية الدينية الصهيونية و”الداعشية” اليهودية من التحكم في مفاصل القرار السياسي الإسرائيلي ،وكذلك التحكم في الحكومات الإسرائيلية بقاءً وصعوداً،بعد أن انتقلت تلك الجماعات من اطراف المشروع الصهيوني الى قلبه.
ولذلك وجدنا نتنياهو بعد فوز تحالفه في الإنتخابات التبكرية الخامسة في دولة الكيان،قدم تنازلات كبيرة لتلك الجماعات داخلية وخارجية،ولكي تنتقل دولة الكيان لسيطرة الكنيس على الكنيست والعصابة على الدولة والمليشيا على الجيش .
وضمن هذه التحولات التي أضحى فيها المتطرف ايتمار بن غفير وزيراً للأمن القومي ومسؤولاً عن عمل الشرطة وتحديد قواعد عملها لأول مرة منذ عام 1948 ،قال بشكل واضح أنه أتى لكي ينفذ برنامج ويطبق ما وعد به ناخبيه،وليس من جل ان يكون وزيراً،وضمن تلك الوعود العمل على تهويد المسجد الأقصى،بإعتباره جبل الهيكل واقدس مكان عند اليهود،ولذلك أقدم يوم الثلاثاء 3/1/2023 على اقتحام المسجد الأقصى صباحاً،وفي عملية الإقتحام تلك التي استمرت 13 دقيقة، أراد ان يرسل عدة رسائل ،اولها للأردن بأنه لا يعترف بأي سيادة او وصاية على المسجد الأقصى،وبأن دولة الكيان هي صاحبة السيادة ،والرسالة الثانية للأوقاف الإسلامية، بأنه لن يسمح بإستمرار إشراف الأوقاف الإسلامية على المسجد الأقصى ” جبل الهيكل” ،وكذلك هو أراد قياس ردة الفعل العربية والإسلامية على تلك العملية،ك”بروفا” لما هو قادم من ضم وتهويد وتطهير عرقي وتشديد للعقوبات على الحركة الأسيرة،وأيضاً أراد ان يقول لنتنياهو بأنه صاحب القرار في الإقتحام من عدمه.
والأخطر من عملية الإقتحام التي قام بها المتطرف بن غفير،هي المطالب ال 11 التي تقدمت بها جماعات الهيكل ” الحاخامية المركزية ” ومجلس السنهدرين الجدد،لمفتش شرطة الكيان في القدس،لتحديد جلسة استماع مع بن غفير للعمل على كيفية ترجمتها الى فعل ووقائع جديدة في الأقصى.
هذه المطالب تشكل تطور نوعي وخطير،وهي لا تهدف لتكريس التقسيمين الزماني والمكاني فقط،بل تتعدى ذلك الى ايجاد حياة وقدسية يهودية في الأقصى،مقابل الشيخ المسلم حاخام يهودي ومقابل الطفل الفلسطيني طفل يهودي ومقابل المصلي المسلم مصلي يهودي،وهذا يعني بأن الأقصى لن يعد مسجداً إسلامياً.
ومن يتمعن ويقرأ تلك المطالب،فسيجد بأنها تشكل كارثة حقيقية وعدوان غير مسبوق على الأقصى،وعدم اكتراث بكل العرب والمسلمين وما يعرف بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية.
ولعل اخطر تلك المطالب متمثل في ” الحق الديني المتساوي للجميع للصلاة في الأقصى”،وهذا يعني بشكل واضح تقسيم وتغيير لهوية المسجد الأقصى وواقعه الديني والقانوني والتاريخي،والمطالب الأخرى من عدم قصر الإقتحامات على الشكل الجماعي،وبأن تصبح فردية كذلك،ومن جميع بوابات المسجد الأقصى ،وليس من باب المغاربة فقط،وبأن تتم على مدار أيام الأسبوع،وبدون مرافقة شرطة الكيان،وأن لا يغلق المسجد امام المتطرفين في فترة الأعياد والإحتفالات الإسلامية،وان يمنع ابعاد اليهود عن الأقصى مع زيادة ساعات الإقتحام الصباحي وما بعد الظهر،وكذلك يتم السماح بإدخال الأدوات الدينية من شال الصلاة واللفائف التوراتية واللفائف السوداء ولباس الكهنة الأبيض والأبواق بأنواعها المختلفة وتابوت العهد وقرابين الهيكل الحيوانية والنباتية من خراف وثمار الحمضيات وسعف النخيل..الخ.
هذه المطالب التي تقدمت بها تلك الجماعات المتطرفة،هي تعبر عن رؤيا وموقف حكومة الكيان،وليس رأي أو مقف بن غفير وسموتريتش وتلك الجماعات،فبن غفير وزير أمن قومي وعضو مجلس امني وسياسي مصغر،ولذلك اعتقد جازماً ، بأن تلك الحكومة ستمرحل تحقيق تلك المطالب وتثبيتها،خطوة خطوة،فمن بعد إنتفاضة عام 2000 التي جاءت على خلفية تدنيس شارون للأقصى،أغلق باب المغاربة لمدة ثلاث سنوات،في وجه الزائرين من أجانب ويهود،وبعد ذلك نزعت شرطة الكيان صلاحية ادخال السياح واليهود من باب المغاربة من أيدي دائرة الأوقفا الإسلامية حتى اليوم.ف
وفي 29/5/2022، كانت مسيرة ورقصة ما عرف بالأعلام،والتي هددت كل الفصائل ورفعت “دوزان” تهديداتها وخطابها الإعلامي، بأن الرد جاهز اذا ما اخترقت تلك المسيرة ساحة باب العامود، او جرى استباحة الأقصى،وقد ترافقت تلك المسيرة مع ما عرف بيوم” توحيد القدس”،حيث جرى استباحة الأقصى بشكل كبير،وفي ذلك الإقتحام الواسع،جرى تثبيت اداء طقوس السجود الملحمي ،انبطاح المتطرفين على وجوههم كأعلى شكل من أشكال الطقوس التلمودية والتوراتية،وانا اعتقد بأن المرحلة المقبلة، ستشهد السعي الى تثبيت الإقتحامات الفردية،والتجوال في كل أروقة الأقصى وعدم الإلتزام بمسار محدد ، وعندما تتصاعد الأمور وتنذر الأوضاع بالإنفجار،تكون الدول العربية الوظيفية بالتنسيق مع امريكا وقوى الغرب الإستعماري جاهزة للتدخل ،لكي تمنع خروج الأوضاع عن السيطرة،تماماً كما يحدث بعد كل عدوان على غزة او قيام جيش الكيان بإغتيال قادة لمختلف الفصائل الفلسطينية،واخرها معركة ” وحدة الساحات”.
قناعتي انا بأن تلك الجماعات المتطرفة،وفي ظل وجود حواضن لها في الحكومة وفي المجلس الأمي والسياسي المصغر ” الكابينت” ،لن تتوقف عن مشاريعها ومخططاتها لتهويد المسجد الأقصى،وبان الأمور ذاهبة نحو التصعيد ،فدولة الكيان ، الكنيس فيها يسيطر على الكنيست والعصابة على الدولة والمليشيا على الجيش، والمعركة القادمة سيكون عنوانها القدس والأقصى،والتطبيع العلني مع العديد من دول النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن،ثبت في مونديال قطر لكأس العالم ،بأن سقوفه زجاجية،ومتعاكس مع إرادة الجماهير العربية،ولذلك هذه الأنظمة الوظيفية لن تستطيع الصمود في وجه “الطوفان” الشعبي والجماهيري،لأن قضية الأقصى لها مكانية دينية وروحانية وتاريخية وحضارية وإنسانية عند العرب والمسلمين،كذلك جماهير شعبنا الفلسطيني وخاصة اهل القدس والداخل الفلسطيني -48-على وجه الخصوص،عنوان تصدي ومواجهة دائم لتلك المشاريع والمخططات،وكذلك فلا أعتقد بأن قوى ا ل م ق ا و م ة الفلسطينية ومحورها ،سيكتفون بالتهديدات ،لأن هذا سيضرب مصداقيتهم وثقة الجماهير واهل القدس بهم.
صحيح ان دولة الكيان غير جاهزة لخوض حرب محدودة او على المستوى الإقليمي،وهي تعيش ازمات سياسية ومجتمعية عميقة،وتشهد تحولات بنيوية،ولكن القوى الأصولية المتزمتة التي باتت تتحكم في مفاصل القرار السياسي،لن تبقي أي مجال لتهدئة ،فهي ستندفع لتنفيذ مشاريعها ومخططاتها،وبما يدفع بإنفجار الأوضاع على نحو شامل.
فلسطين – القدس المحتلة