الدولة والقرار السياسي في الشرق الأوسط

نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (٤_١)

وليد المسعودي

الدولة والقرار السياسي في الشرق الأوسط

لا توجد الدولة إلا مع الاستقرار وتحقيق قراراتها عبر سلطتها ورأيها مع الاختلاف في كون هذه السلطة وهذا الرأي ينتمي الى شبكة معقدة من المؤسسات تبدأ بهرم الدولة ” الرئيس ” ودائرته القيادية من وزراء وسلطات برلمانية وتنتهي بالمجتمع المدني وقادته وفاعليه الاجتماعيين أو تبدأ بأمر الملك أو السلطان أو الزعيم الأوحد أو الرئيس المؤبد طول العمر ، ولا تنتهي عند احد غيره لأنه صاحب الكلمة الفصل ، والقرار السياسي ضمن التعريف الأولي هو السيطرة على الواقع السياسي بشكل يتيح اتخاذ القرارات وتنفيذها ، ولا قرار سياسي دونما استقرار وسيطرة واقعية سياسية ، والقرار السياسي ضمن التعريفات الاكاديمية هو ” القرار الذي يكون موضوعه سياسيا ، أي يتخذ في الميدان السياسي ” ( 1) وبالتالي تشكل السياسة محورا لانطلاق القرار وعملية صنعه ، وهذه الأخيرة أي ” صنع القرار السياسي ” تدخل في برامج وشبكات معقدة من العمل التنظيمي داخل مؤسسات صنع القرار السياسي ، ولا تتوقف السياسة عن الارتباط بالمجتمع سواء كان الأخير متداخل ، متفاعل معها أو متماه ، خاضع لها ، وفي الحالتين هناك عملية صنع القرار السياسي جماعية كانت أم فردية أو جماعية وفردية على حد سواء .
وعملية صناعة القرار السياسي داخل الدولة في العالم العربي ، الإسلامي تبدأ في جوهرها مصابة بالخلل خصوصا إذا أدركنا طبيعة الاستئثار بالسلطة من قبل ” أقلية ” تملك وتستغل وتستغل ” بفتح العين ” ،

دول الخليج والقرار السياسي

فدول الخليج العربي لا توجد ولا تمتلك الإرادة الشعبية للمشاركة في اتخاذ القرارات السياسية ، وبالتالي تكون عرضة للخضوع أكثر منه إلى الرفض بسبب غياب روح الديمقراطية وتشجيع المشاركة الاجتماعية في صنع القرار ، هذا فيما يخص الهيمنة الداخلية أو القرارات السياسية الداخلية ، ولكن ماذا عما هو موجود من قرارات سياسية خارجية كيف ستكون عملية صنعها وانبثاقها إلى الوجود ، وهنا سيأتي دور العامل الخارجي في إنهاك القرار السياسي الخليجي وجعله تابع إلى القوى العالمية الكبرى بشكل اقتصادي ، فحرب اليمن كلفت دول الخليج الكثير من الأموال المستخدمة في شراء المعدات العسكرية الغربية ، وكلها بالطبع تأتي من عائدات النفط حيث الطائرات الحديثة والذخائر الأكثر تطورا ، والقرار السياسي المرتبط بشن الحرب على اليمن له تداعياته الدولية فضلا عن الضغوط الخارجية تلك التي تجعله في حالة التوقف أو الاستمرار وفقا لمصلحة الآخر الغربي (2) والحرب في اليمن هي استمرار لذات عملية التأجيج الطائفي الاجتماعي والسياسي في العالم العربي والإسلامي ، وكان المنطقة انتهت من حرب الخليج الأولى بين العراق القومي وإيران الدينية ، لتقع في حرب أخرى ذات منحى ارتباط طائفي وقومي ديني هذا ما يلقي بضلاله على المجتمعات العربية الإسلامية وفي العمق هناك المصالح الاقتصادية الدولية التي مولت وتمول الحروب في الماضي والحاضر أيضا .
إن القرار السياسي في السعودية يسيطر عليه الملك وبدوره يأخذ قراراته بالتشاور مع مجلس الشورى أو مجلس الوزراء الذي تهيمن عليه العائلة المالكة ، وقد تحمل بعض القرارات بعدا وتأثيرا خارجيا كما هو حاصل في الأزمنة الأخيرة حيث الضعط الغربي على السعودية في مجال حقوق الإنسان والمرأة والحريات ليكون العمل بأشكال ديكورية من القرارات تلك التي تخص المرأة والحجاب مثلا أو ما يخص التعليم ومحاولة تجاوز آثار العنف وكراهية الآخر في المناهج الدراسية تلك التي يتم تدريسها بشكل ديني . في حين يظهر القرار السياسي في الإمارات العربية المتحدة مشابها بشكل نسبي لما موجود في السعودية بسبب تشابه النظام والعوائل الحاكمة فيه فضلا عن تأثيرات اللاعب الدولي الكبير فيها ، ولا يوجد ثابت في لعبة السياسة والتحالفات الدولية مع الأقوى سياسيا و اقتصاديا وعسكريا ، وبالتالي قد تكون بعض القرارات السياسية لا تتفق مع مؤسسات وأحزاب السلطة في الغرب مع تحولها من الجمهوريين إلى الديمقراطيين ( الولايات المتحدة نموذجا ) (3)
وهي حاصلة وفقا لمكاسب معينة لا أكثر حيث الالتزام المشروط بتبادل المصالح السياسية بين الدول (4) وهذه الأخيرة هي من تغلب ثبات القرارات السياسية ضمن هذا الاتجاه او ذاك ، وبالبرغم من بقاء الإمارات نشطة سياسيا في قراراتها مع الولايات المتحدة أكثر من سواها وخصوصا في المجال الاقتصادي والعسكري إلا أنها بدأت مؤخرا تتجه نحو فرنسا في المجال العسكري والى الصين في مجال المعلومات ” شبكات الجيل الخامس ” (5) وربما تتجه نحو روسيا في المستقبل وفقا لتغيرات السياسة في الغرب وتراجعها عن السيطرة العالمية .

المصادر والهوامش : –

1- برنا ردي ، برونو / القرار السياسي / منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب / وزارة الثقافة – دمشق 2017 / ص 6 ،
2- يشكل برنامج طهران النووي أثرا كبيرا في عملية إنهاء القصف الخليجي على اليمن أو استمراره بسبب الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية خشية عدم عرقلة الاتفاق النووي المقترح مع إيران منذ 2015
3- ضمن ملفات كثيرة لم تتفق فيها الإمارات مع التوجه الغربي ومن أبرزها مثلا عدم إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا في مجلس الأمن بعد مشروع قدمته الولايات المتحدة الأمريكية أو عدم التزامها بطلب زيادة الإنتاج النفطي في منظمة أوبك فضلا عن شغلها دورا سياسيا دوليا تمثل في المحاولة على إيجاد حل سلمي للحرب بين روسيا وأوكرانيا
4- وهنا نشير إلى إن التصويت في مجلس الأمن قد يجري بشكل التزامي اتفاقي مشروط مسبقا ، فمثلا صوتت روسيا على وصف جماعة الحوثيين بأنها منظمة إرهابية في مجلس الأمن بالمقابل أيضا صوتت الإمارات بعدم إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا
5- علقت الإمارات مؤخرا المحادثات حول صفقة عسكرية مع أمريكا لأسباب تتعلق بتوريد طائرات عسكرية بمواصفات اقل مما هو موجود في إسرائيل مثلا ليكون البديل ماثل في فرنسا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى