يفعلون كل شيء، ويتستّرون بعباءة الدّين!


رشيد مصباح (فوزي)


كثُر النّفاق في هذا الزّمان الأخير. وفي هذا العصر الدّين صار عبارة عن “مكياج” ومساحيق ومستحضر لتجميل الوجه، وإخفاء المساوئ والعيوب؛ لحية طويلة وثوب قصير. هذا هو الدّين-( كما أرادوا تصويره لنا)- في هذا العصر من القرن الواحد والعشرين. بينما هم لا يتورّعون عن الغيبة والنّميمة، وأكل لحوم الآخرين.

يحاولون إخفاء ذلك باللّحى الطّويلة والثّوب القصير، وبعض من المظاهر الأخرى؛ كزيارة الأقارب مثلا والتودّد لهم، والتقرّب لغيرهم من الأحباب والأصدقاء. وهم لايفعلون ذلك بغية الحصول على الأجر والثّواب، ولكن لرغبتهم الملحّة في تقفّي الآثار البغيضة وتناقل الأخبار السيّئة؛ التنقّل من بيت إلى بيت مع كثرة الكلامِ “التي تُكثِرُ من سَقَطاتِ اللِّسانِ”. والمولى- عزّ وجلّ – يقول: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] الحجرات: الآية(6). وقد ذمّ الرّسول الكريم هذا السلوك المشين حين قال: (كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ). [أورده مسلم في مقدمة الصحيح]

وكم يحلو الكلام ويصعب مسك اللّسان في تلكم المجالس “الكريمة” فيتمادى “المتزلّف” في غيّه ويتحوّل من متديّن يراقب لله إلى وحش مخيف و كلب مسعور ينهش لحم أخيه، ولا يرقب فيه إلاّ و لا ذمّة…. فهل هذا هو الاسلام؛ الذي جاء به سيّدنا(محمّد)-عليه أفضل صلاة وأزكى سلام- يا “متديّنين”؟

وممّا لاشكّ فيه أن التمظهر بمظهر العابد النّاسك قد ينخدع له بعض السذّج، لكنّه لا ينطلي على المسلم الحقيقي الذي قال فيه رسولنا الكريم: (المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ). والأدهى والأعظم أن من يسلقونك بألسنتهم و ينهشون لحمك ويشربون من دمك تجدهم من عموم الأقارب والأصدقاء؛ لأنّ الآخرين لايعرفونك ولا يهمّهم أمرك. واستحضر هنا مقولة (فولتير) الشّهيرة:

Mon Dieu, gardez-moi de mes amis. Quant à mes ennemis, je m’en charge

(اللّهمّ اكفني شرّ أصدقائي.. أمّا أعدائي فأنا كفيل بهم).

في هذا الزّمان الذي طغت فيه المادة على الرّوح والأخلاق وعلى كل شيء جميل، وعلى كل شيء تقريبا، وحتى على الدّين الذي هو ملاذ الخلق كلّهم أجمعين؛ وعلى الغني منهم والفقير. وذلك لسوء فهمِ للدّين وقلّة ورع المنتسبين إليه، ولكثرة المعاصي وتغلّبت الشهوات وانتشار الشبهات، وطغيان حب المال والدّنيا الذي عشعش في قلوب الخلق من النساء والرّجال في هذا العصر؛ عصر الرّذيلة والمجون الذي تعرّت فيه الأنثى باسم الفن والموضة والموسيقى والرياضة. وتقنّن فيه المنكر، وخرج المثليون على النّاس يطالبون بممارسة الرّذيلة.

عصرٌ تغيّرت فيه المفاهيم، فصار الحياء ضربا من ضروب الجهل والغباء. و الفقر عيبا من العيوب الكبيرة.

عصرٌ تشبّب فيه الشّيوخ وتميّع فيه الشباب، وتخنّث فيه الذكران وتشبّهوا بالنّساء:﴿أتأتون الذكران من العالمين﴾. الشعراء: الآية (165).

عصرٌ تملّكت فيه الدّنيا القلوب. ولأجلها صاروا ينافقون ويكذبون، ويقتلون ويحسدون، وينهشون لحوم بعضهم، ويستبيحون أعراض حتى أقرب النّاس إليهم، ثمّ يتستّرون بعباءة الدّين: (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ)؛ نسوا الموت وهو مغيّبهم، نسوا ظلمة القبر ووحشته.

باسم الدّين نفعل كل شيء؛ نزني، ونكذب، ونسرق. وباسم الدّين الذي يذمّ الكذب والنّفاق نسعى بالنّميمة، وننافق.

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [القلم:10-15]. صَدَقَ اللهُ مَوْلَانَا العَظِيمُ. وَبَلَّغَ رَسُولُهُ الكَرِيمُ. وَنَحْنُ عَلَى مَا قَالَ رَبُّنَا وَخَالِقُنَا وَرَازِقُنَا وَمَوْلَانَا مِنَ الشَّاهِدِينَ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى