الثّقافة و التّربية

تساهم الثّقافة في رفع التّحدّيات الّتي يواجهها قطاع التّربية و المتعلّقة أساسا بالنّفاذ الواسع للجميع إلى التّعليم ، ولاسيّما الابتدائي ، و بجودة البرامج التّربويّة .
إنّ إدماج الثّقافة في التّربية يؤدّي إلى نظام تربوي متلائم مع حاجيّات العالم المعاصر و يؤهّل الأفراد للعيش في مجتمعات معولمة و متعدّدة الثّقافات . كما يجعل السّياسات و البرامج التّربويّة متلائمة مع الخصوصيّات الثّقافيّة .
كذلك تساهم الممارسات التّربويّة المبتكرة ، الّتي تكون فيها المجتمعات بمعناها الواسع مشاركة ، في تنوّع هامّ على مستوى التّربية . من الأمثلة على ذلك تشريك بعض عناصر المجتمع ، كالوالدين و المسنّين و الحكواتيّين ، في تدريس بعض المحاور المحلّيّة أو تقديم وجهة نظر دينيّة أخرى أو التّعريف بالعادات الثّقافيّة .
من ناحية أخرى يزخر التّراث الثّقافي اللامادّي بأمثلة حيّة لمحتويات و أساليب تربويّة . فقد ابتكرت المجتمعات في كلّ العصور أساليب لتنظيم و نقل معارفها و مهاراتها للأجيال اللاحقة ، لاسيّما فيما يتعلّق بالبيئة الطّبيعيّة و الاجتماعيّة . حتّى في ظلّ توفّر الأنظمة التّربويّة الرّسميّة ، فإنّ الكثير من هذه المعارف و الأساليب التّقليديّة للتّعليم تبقى ذات أهمّيّة و فائدة . و هي تشمل عديد المجالات كالصّحّة و الزّراعة و الاستغلال المستدام للموارد الطّبيعيّة . إنّ بقاء الأجيال الجديدة على صلة بهذه الموارد القيّمة للمعرفة ، المرتبطة وثيقا بهويّتهم الثّقافيّة ، من شأنه أن يساهم في جودة العمليّة التّربويّة .
تؤدّي مراعاة البعد الثّقافي ، ولاسيّما من خلال تعزيز التّعليم باللّغة الأمّ إلى جانب الانفتاح على اللغات الأخرى ، إلى النّفاذ إلى تعليم متنوّع و شامل للجميع . فالتّعليم باللغة الأمّ يمكّن من توسيع النّفاذ إلى التّربية و توفير فرص التّعلّم . هو يساهم في المحافظة على التّراث اللامادّي.
إنّ تأهيل النّاشئة على نحو أمثل للعيش في مجتمع متعدّد الثّقافات يعدّ من أبرز تحدّيات العالم المعاصر . تضطلع الثّقافة هنا أيضا بدور بالغ الأهمّيّة . حين تكون في صميم التّربية فهي تعزّز الثّقة و تدعم الحوار و تمثّل أداة تسامح و سلام و وسيلة لبناء مجتمعات سلميّة و مستدامة . حيث تؤدّي إلى تنمية الحساسيّة الثّقافيّة و تمكين النّاشئة من الاختصاصات الّتي تخوّل لها العيش في مجتمع متعدّد الثّقافات اقتصاديّا و اجتماعيّا . كما تعزّز احترام الاختلافات الثّقافيّة و تساهم في مقاومة الصّور النّمطيّة ، ولاسيّما تلك المتداولة في وسائل الإعلام . و في مجتمعات تتّسم بتنوّع ثقافي تمكّن الثّقافة من اعتماد مقاربات تربويّة متعدّدة الثّقافات .
النّظام التّربوي الجيّد هو ذلك الّذي يهتمّ بالطّاقات المختلفة للطّفل . في هذا الإطار تضطلع التّعبيرات الثّقافيّة بدور هامّ في النّموّ الشّامل للنّاشئة . فالفنون من موسيقى و مسرح و رقص و غيرها تعتبر أنشطة ضروريّة لتحفيز الإبداع و التّعبير الذّاتي .
تساهم التّعبيرات الثّقافيّة في خلق أطر تربويّة أكثر شمولا للجميع . فالمشاريع الإبداعية تشجّع مشاركة أفراد العائلة و المجتمع في العمليّة التّربويّة . من ذلك أنّه بمناسبة الحفلات أو المعارض المدرسيّة يوفّر الفنّ و الإبداع فرصا لتعزيز المشاركة الايجابيّة للوالدين في التّربية ، حيث يسمح بفتح حوار بين التّلاميذ و عائلاتهم و يمكّن الأولياء من اكتشاف مهارات أبنائهم .
للمؤسّسات الثّقافيّة دور حيوي في التّعليم اللانظامي مدى الحياة . تتمثّل هذه المؤسّسات في المكتبات و دور الأرشيف و المتاحف و المراكز الثّقافيّة و الهياكل المشابهة . فالمكتبات مثلا توفّر لروّادها فرص التّطوّر الذّاتي و إثراء معارفهم . في حين تقدّم المجموعات الأثريّة بالمتاحف مساهمة قيّمة في كلّ جوانب البرامج التّربويّة تمكّن دور الأرشيف و المكتبات المربّين و التّلاميذ و مختلف الرّوّاد من النّفاذ إلى المصادر الأوّليّة للمعرفة . و هو ما يمثّل شرطا جوهريّا للتّربية لأنّه يسهم
في تنمية التّفكير النّقدي لديهم . من ذلك أنّه يمكّن التّلاميذ من ربط الصّلة بين الحاضر و الأحداث التّاريخيّة البعيدة . كما يتدرّبون على التّعامل مع الوثائق التّاريخيّة و الأرشيف ، ممّا يؤهّلهم للقراءة النّقديّة لهذه المصادر و بناء رأيهم الذّاتي و اكتساب المعارف و المهارات الضّروريّة لتكوين رؤية نسبيّة للتّاريخ .