ملاحظات جزائري حول زيارة الماكرو ماكرون للجزائر
معمر حبار
مقدمة لابدّ منها:
قلتها مرارا، وأظلّ أعيدها غير نادم ولا آسف: لست من الداعين لقطع العلاقات مع فرنسا، لكن لاأثق في فرنسا، ولا رؤسائها، ولا الماكرو ماكرون. والأسطر التي بين يديك تندرج تحت هذه القاعدة.
عظمة الجزائر من خلال زيارة الماكرو ماكرون:
المتتبّع لزيارات رؤساء فرنسا للجزائر، واستقبال رؤساء الجزائر لهم، يلاحظ وبوضوح غياب الاستقبال الشعبي للماكرو ماكرون، عكس الزيارات السّابقة حيث الاستقبالات الشعبية المخصّصة من طرف رؤساء الجزائر، هواري بومدين، والشاذلي بن جديد، وعبد العزيز بوتفليق، رحمة الله عليهم جميعا.
وهذا الموقف العظيم يسجّل للجزائر، وللرئيس الجزائري السّيّد عبد المجيد تبون، وللدبلوماسية الجزائرية.
تعامل السّيّد عبد المجيد تبون مع الماكرو ماكرون، على أنّه الأستاذ والسّيّد، وهو يستقبل الماكرو ماكرون، من خلال الحركات المستعملة، والثّقة الكاملة، والندية.
أخطاء وقعت فيها الدبلوماسية الجزائرية:
كان يكفي والي ولاية وهران، أو رئيس المجلس الشعبي البلدي، باعتباره المعبّر عن الإرادة الشعبية، أن يستقبل الماكرو ماكرون في وهران. وأتساءل باستنكار شديد على وجود وزير الخارجية رمضان عمامرة ، لاستقبال الماكرو ماكرون رفقة والي ولاية وهران. ثمّ عاد للعاصمة يقطع 400 كلم ليودّعه، بعدما قطع من قبل 400 كلم لاستقباله من جديد، وقد استقبله من قبل في المطار. مايعني، أنّ رمضان عمامرة قطع في المجموع 800 كلم، لاستقبال وإعادة استقبال، وتوديع الماكرو ماكرون.
سبق لرمضان عمامرة، أن كان مع رئيس الجمهورية السّيّد عبد المجيد تبون في المطار، وفي مقرّ رئاسة الجمهورية لاستقبال الماكرو ماكرون. لماذا إذن قطع مسافة 800 كلم من العاصمة إلى وهران، ومن وهران إلى العاصمة، لاستقبال الماكرو ماكرون من جديد، وتوديعه.
لا أعرف -لغاية هذه الأسطر-، دولة ترتكب هذا الخطأ، وتقع في هذه المهانة. وكان يكفيه الاستقبال الأوّل، عوض هذا الخطأ الذي يمسّ بشخصه، وبمكانة الجزائر.
وهذا خطأ ارتكبته الجزائر، والقائمين على الدبلوماسية الجزائرية، وحهد كبير، وكبير جدّا أنفق لأجل استقبال وتوديع الماكرو ماكرون، وما كان للدبلوماسية الجزائرية أن تنزل من عليائها لهذا السفح.
الماكرو ماكرون من خلال أماكن الزيارة التي اختارها:
ممّا لفت الانتباه، أنّ رؤساء فرنسا السّابقين كانوا يزورون الشرق الجزائري وتحديدا قسنطينة، لوجود العنصر اليهودي بقسنطينة أيّام الاستدمار الفرنسي، والثّورة الجزائرية.
يزور الماكرو ماكرون وهران للمرّة الثّانية، بعدما زارها المرّة الأولى أثناء عهدته الأولى. وأعترف أنّي –لغاية هذه الأسطر- لاأعرف السّبب.
وزار الماكرو ماكرون مقهى bar milk بقلب العاصمة، أثناء زيارته الأولى للجزائر سنة 2017، ليترحم على المستدمرين الفرنسيين المجرمين، الذين قتلوا جرّاء قنبلة وضعها أسيادنا الشهداء سنة 1956، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا. وفي زيارته الثّانية يزور “ديسكو مغرب”، بتاريخ: 27 أوت 2022. وأعترف أنّي –لغاية هذه الأسطر- لاأعرف سبب زيارته الثّانية.
الماكرو ماكرون يتعهد لليهود بالتبعية والمساندة عبرظ زيارته لمقبرة اليهود بالجزائر:
الغربي، والأوروبي، والفرنسي، والماكرو ماكرون لايعرفون نسبهم، ولا آباءهم، ولا أجدادهم، ولا أبناءهم، ولا يزورون الأحياء منهم ولا موتاهم. وحين يزور الماكرو ماكرون الجزائر، يتظاهر بكونه يزور مقبرة “النّصَارَى” بالجزائر، كما كنّا نسميها في الصغر، ومازلنا نطلق عليها نفس التسمية. مايعني أنّ الزيارة للمقابر، هي لأغراض سياسية، وللضّغط على الجزائر عبر الأموات.
فضّل الماكرو ماكرون زيارة مقبرة بولوغين اليهودية، لأنّها تضم اليهود بالدرجة الأولى، وإرضاء ليهود فرنسا، وصهاينة العالم بأنّه الوفي، والخادم لينال رضاهم، كما نال رضاهم لنيل العهدة الأولى والثّانية.
يختار الماكرو ماكرون أماكن زيارته للجزائر بعناية فائقة، ولأهداف يستمدها من الاحتلال الفرنسي، ويتشبّث بها علانية حينا، ويخفيها حينا آخر. ولا عجب أن اختار زيارة المقبرة اليهودية بالعاصمة، والكنيسة بوهران، و”ديسكو مغرب” بوهران. ولهذا يفهم لماذا الماكرو ماكرون، ركّز في يومه الأوّل من الزيارة على التعاون في مجال السينما.
كذبة الذاكرة:
ردّد الماكرو ماكرون وباستمرار وعبر عهدته الأولى والثّانية وهو يخاطب الرئيس الجزائري والجزائريين، بأنّ هناك “ذاكرة مشتركة” تجمع فرنسا والجزائر، ويجب المحافظة عليها، والعمل على صونها، والتشبّث بها.
وما يجب ذكره، أنّه لايوجد “ذاكرة مشتركة” بين القاتل والمقتول، والمستدمر والمستدمر، والمحتلّ وصاحب الأرض، واللّص وصاحب البيت، والمعتدي وصاحب العرض.
ويتم الحديث عن “الذاكرة المشتركة”، بين أخوين، وصديقين، وشريكين، وحليفين، ومتنافسين وبغضّ النظر عن درجة الاتّفاق، والاختلاف حول الوسائل، والغايات، والحاضر، والماضي، والمستقبل، وكيفية الإنجاز.
تضم “الذاكرة المشتركة” على 132 من الاستدمار، والنّهب، والسّطو، والنسف، والتّدمير، والتعذيب، والإهانة، وفرض الجهل، والتهجير، والسجون، والمفقودين. وهذه جرائم من طرف واحد، هي فرنسا المجرمة المحتلّة. أين إذن “الذاكرة المشتركة” التي يكرّرها باستمرار الماكرو ماكرون؟.
فرنسا تمجّد ذاكرتها وتطلب من الجزائريين إلغاء ذاكرتهم:
التعاون لايلغي أبدا ذاكرتنا التي مازالت تنزف دما، لأنّ فرنسا مازالت تحتفظ بذاكرتها وتدافع عنها وتفتخر بها، وهي كلّها جرائم في حقّ الجزائر والجزائريين. ويكفي أنّها أقرّت قانون تمجيد الاستدمار الفرنسي سنة 2005، وأقرّ الماكرو ماكرون يوما وطنيا يخلّد فيه المجرمين من الخونة الحركى، الذين قتلوا واغتصبوا الجزائريين، ومنحهم التعويضات لخيانتهم وجرائمهم في حقّ الجزائر والجزائريين.
التعاون في مجال السينما:
طالب الماكرو ماكرون من الجزائر تعزيز التعاون في مجال السينما. وما يجب ذكره في هذا المقام، أنّ الأفلام والحصص التي أنتجتها فرنسا في فرنسا، وبالتعاون مع جزائريين مقيمين بفرنسا، ويحملون الجنسية الفرنسية، كانت كلّها -أقول كلّها-، ضدّ الجزائر وتاريخ الجزائر ورموز الجزائر. وشوّهت بشكل كبير الثّورة الجزائرية، وعادات وتقاليد المجتمع الجزائري، وأنشأت أجيالا امتهنوا الكذب والتزوير ضدّ كلّ ماهو جزائري، حتّى أمسى الحركي الخائن بطلا، والمجرم المحتلّ رمزا، وأسيادنا الشهداء في أسوء حال.
ويبدو لي، أنّ فرنسا -هذه المرّة-، لاتريد تعاونا بقدر ماتريد تمويلا من الجزائر، لتشويه صورة الجزائر، وأبطال الجزائر ورموزها، بأموال الجزائر هذه المرّة.
وممّا وصلت إليه، أنّ مطالبة الماكرو ماكرون بالعمل المشترك في مجال السينما، يندرج ضمن منافسة تركيا بالجزائر في مجال السينما، بالإضافة إلى العنصر المذكور.
ونقطة أخرى وهي: سعي فرنسا للعمل المشترك في مجال الأفلام والسينما، يندرج ضمن إنجاز أفلام، وتحقيقات، وحصص تتجنّب التطرّق لجرائم فرنسا في الجزائر، وتبييض صورة المجرمين الجلاّدين السّفاحين الفرنسيين، لأنّ عادة الأعمال المشتركة تتجنّب التطرّق لما يسظظىء للآخر، وأزعم أنّ الماكرو ماكرون يسعى إلى ذلك.
الحقيقة التي يسعى إليها الماكرو ماكرون:
قال الماكرو ماكرون أكثر من مرّة، وفي الجزائر أنّه “جاء ليبحث عن الحقيقة”. مايعني، أنّه يشكّك في احتلال الجزائر لفرنسا، ويشكّك في جرائمها طيلة 132 سنة من القتل والإبادة ويتعمّد ذلك. والحقيقة لدى الماكرو ماكرون هي المساواة بين القاتل والمقتول، والفرنسي المجرم والجزائري البرىء، والمحتلّ الفرنسي والمجاهد الجزائري، والمغتصب والجزائرية الطّاهرة النّقية.
وللتّدليل على ذلك يكفي، أنّه يضع المفقودين الجزائرين إبّاّن الثّورة الجزائرية، في نفس منزلة من يسميهم “بالمفقودين الفرنسيين بالجزائر”، الذين أبادوا الجزائريين، وانتهكوا حرماتهم، وأضاقوهم كلّ أنواع العذاب والإهانة.
يريد الماكرو ماكرون مساومة الجزائر عبر ملف المفقودين، وهو الذي يردّد دوما لاأنظر للماضي، ولا يعنيني التّاريخ لأنّي لم أكن شاهدا على احتلال الجزائر. وهاهو يعمل المستحيل لإحياء بـ “المفقودين الفرنسيين” المجرمين السّفاحين بالجزائر أثناء الثّورة الجزائرية.
اللّجنة المشتركة لحرمان الجزائر من وثائقها التّاريخية:
نجح الماكرو ماكرون أثناء هذه الزيارة في تجسيد مطلبه الذي ظلّ سعى إليه، وهو تكوين لجنة مشتركة للوقوف على الوثائق الجزائرية التي تتعلّق بالفترة العثمانية، والاستدمار الفرنسي، والثّورة الجزائرية.
مازلت أستنكر وجود لجنة مشتركة تتعلّق بالوثائق، لأنّ الوثائق التي سرقتها فرنسا، كما سرقت وتعدّت على البشر والحجر والشجر، والوثائق التي تريد إخفاءها عمدا، لأنّها تضم جرائمها في حقّ الجزائر، والجزائريين منذ اليوم الأوّل للاحتلال 1830. والسّبب في ذلك أنّ الوثائق ملك الجزائر، وحقّ الجزائريين، وحقّ الأجيال الماضية والحالية والقادمة، ولا يحقّ للمحتلّ الفرنسي المجرم أن يشاركنا ملكنا، وإرثنا، وذاكرتنا.
لماذا الماكرو ماكرون يهتم بالوثائق التّاريخية لهذه الدرجة، وهو الذي يطالب الجزائريين بنسيان الماضي، وعدم الاهتمام به؟.
الديون الجزائرية المستحقّة على فرنسا:
شتم الماكرو ماكرون سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولم يعتذر لحدّ الآن.
شتم الجزائر، والجزائريين حين قال قولته قولته المشؤومة، أنّ “الجزائر لم تكن آمّة قبل الاستدمار الفرنسي”، ولم يعتذر لحدّ الآن.
أعلنها أكثر من مرّة، وأثناء عهدته الأولى والثّانية، أنّه لن يعتذر عن الاستدمار الفرنسي، بزعم أنّه من مواليد مابعد استعرجاع السّيادة الوطنية سنة 1962. وفي الوقت نفسه يمجّد الاستدمار الفرنسي، ويستقبل المجرمين امن الخونة الحركى، ويمنحهم الأوسمة العالية، والتعويضات الكبيرة، وهو نفسه الذي لم يشارك ولم يكن يومها قد ولد.
مازالت جماجم أسيادنا الشهداء، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا، في متحف فرنسا، وهي التي أعدمتهم ظلما، لأنّهم أحرار أبوا الاحتلال والذّلّة والهوان، ثمّ قطعت رؤوسهم وحملتهم لفرنسا، لتضعهم في متحف “الحضارة”، تتباهى بهم أمام العالمين، ولم تسترد منهم الجزائر –لغاية هذه الأسطر- سوى 24 جمجمة.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار