أسباب شروع قتال قريش، والعرب، ويهود المدينة
سلسلة قراءتي لكتاب نور اليقين في سيرة سيّد المرسلين 8 – معمر حبار
أقول: لم يشرع قتال المشركين، إلاّ بعد 13 سنة صبر في مكة، على أذى قريش للمسلمين، وتسليط كلّ أنواع العذاب على الضعفاء من المسلمين، وتشويه سمعة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والوقوف بقوّة وحقد أمام انتشار الإسلام، وتحريض القبائل عليه، والسطو على بيوت وممتلكات المسلمين الذين هاجروا، فرارا بدينهم وأجسادهم. ورغم ذلك لم يشرعوا في القتال إلاّ بعد أن أذن الله لهم لهم بذلك، ودفاعا عن أنفسهم.
قال الكاتب: أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في البداية بمقاتلة “قريش دون سائر العرب”، ولمّا تعاون “غير أهل مكة من مشركي العرب واتّحدوا عليهم مع الأعداء”، أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أن يقاتل المشركين كافة، “وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة”، ثمّ جاء دور محاربة اليهود، لأنّهم خانوا العهود، وتعاونوا مع كفار قريش والعرب ضدّ المسلمين. 98.
سرايا قبل غزوة بدر، والتجارة من أسباب القتال:
أقول: شرع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقبل غزوة بدر، في تشديد الحصار على قريش، عبر السعي للاستحواذ على قوافلها، والتي تمرّ عبر الطريق الأقرب من المدينة، وقريش لاتصبر على قوافلها، لأنّ حياتها وسيادتها ومكانتها مرهونة برحلة الشتاء والصيف.
سرايا السنة الأولى: 100
قال الكاتب: كانت السرية الأولى بقيادة سيّدنا حمزة بن عبد المطلب، في ثلاثين رجلا من المهاجرين، لأجل الاستيلاء على عير قريش. والسرية الثّانية كانت بقيادة عبيدة بن الحارث ابن عمّ سيّدنا حمزة، في ثمانين راكبا من المهاجرين، للستيلاء على عير قريش.
أقول: هذه هي السرايا الأولى، التي كانت بقيادة المهاجرين، وبجند من المهاجرين، ولأجل الاستحواذ على عير قريش، لتعويض مانهبته واستولت عليه قريش من تجارتهم، ومتاعهم، وأرزاقهم، وبيوتهم، والتهجير من الوطن المفروض عليهم.
لم يكتب لهذه السرايا النجاح المرجومنها، وعادت لقواعدها -بالتّعبير العصري-، سالمة آمنة، وقد حقّقت أهدافها، وهي: المبادرة، والمباغتة، والخروج من الديار، وعدم انتظار العدو، وتهديد العدو في قوّته والمتمثّلة في العير، وتهديد قادة قريش الذين كانوا يقودون العير، كأبي جهل الذي كان يقود ثلاثمائة من أصحابه في السرية الأولى، وانهيار عقدة التفوّق العددي، كثلاثين مقابل ثلاثمائة من الكفار في السرية الأولى، وثمانون مقابل مائتا رجل من الكفار في السرية الثّانية، وإيصال رسالة قويّة إلى قريش مفادها أنّ مصدر قوّتها والمتمثّل في التجارة لم يعد آمن، ومستقبلها ومكانتها مهدّدتان إن استمرّ تهديد المسلمين لها بهذا المنحنى التصاعدي.
علّموا قبوركم:
قال الكاتب: مات في هذه السنة سيّدنا عثمان بن مظعون، أخو سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ووضع على قبره حجرا، وقال: “أتعلم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي” 101
أقول: يفهم من هذه الحادثة، جواز تعليم القبور، بما هو متوفّر في تلك اللّحظة، والبيئة.
الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية، وإرهاصات الحرب، والدولة الفتية، وعدم الاستقرار، وتهديدات يهود المدينة جعلت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكتفي بالحجركعلامة على القبر، أي ماكان متوفرا في تلك اللّحظة وذلك الوقت.
الغزوات الأولى في السنة الثّانية:
قال الكاتب: خرج سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة ودّان بنفسه، لأجل الاستيلاء على عير قريش، إلاّ أنّه صلى الله عليه وسلّم “لم يلق هناك حربا لأنّ العير كانت قد سبقته”.
وبعدها بقليل، قاد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم غزوة البواط، للاستيلاء على عير قريش، بقيادة “أمية بن خلف، ومائة من قريش، ومن ألفان وخمسمائة بعير، فسار إليها في مائتين من المهاجرين… فوجد العير قد فاتته فرجع”.
أقول: فيه نقلة نوعية للمواجهة، بحيث انتقلت محاولة الاستيلاء على العير من السرية إلى الغزوة، ومن قيادة المهاجرين إلى قيادة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وتقلّص المدّة الزمنية من غزوة إلى أخرى، وارتفاع عدد الجنود من طرف المسلمين وقريش، وسرعة فرار قريش بالعير مايدل على أنّ تهديد المسلمين لها أصبح حقيقة، وأنّ قريش أصبحت تتعامل مع تهديد المسلمين بجدية بالغة، وحذير شديد، وأقصى درجات الحيطة، والحذر.
أضيف: في غزوة ودّان صالح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني ضمرة “على أنّهم آمنون على أنفسهم ولهم النصر على من رامهم وأنّ عليهم نصرة المسلمين إذا دعوا”. مايدل على أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليهم وسلّم، كان يسعى لتحقيق الصلح مع الجيران لتقوية ظهر المسلمين، وحمايته من الأعداء، وسرعة المبادرة في إقامة الحلف حتّى لاتسبقه قريش، ويكشف ظهر المسلمين. ولعلّ إقامة الحلف لايقلّ أهمية عن محاولة السعي للاستيلاء على عير قريش. 102.103
—
الشلف – الجزائر