للكتاب و الصحفيين فقط
عواد ناصر
تتكرر في نصوص الكتاب والصحافيين وسائر المشتغلين بصناعة الكلمات تراكيب لغوية على هيئة متلازمات تفرض نفسها في لاوعي الكاتب، ومنها ما لم يتأكد بعض الكتاب حتى من معناها.
سألت كاتباَ ، مثلاً، ما معنى “ثالثة الأثافي” فحُبس وضاقت عيناه ولم يصل إلى شيء من معناها.
ولأنني اشتغلت زمناً طويلاً في التحرير الصحافي فتصلني مقالات ونصوص للنشر وهي “تفضح” أصحابها لغوياً وإملائياً، ومنهم كتاب وشعراء معروفون إذ الكثير منهم يخطأ في كتابة كلمة “سيئ” إذ يكتبونها “سيء”، مثلا من بين أمثلة.
وقلت لكاتب: إذا أنت بدأت مقالك بـ “لقد بات واضحاً…” فلم تتعب نفسك وتتعب قارئك في بقية مقالك إذا كان سطرك الأول هو “لقد بات واضحاً”؟
وعلى ذكر “لقد” فلا أرى لها أي فائدة في الجملة العربية، بدليل إذا حُذفت فلن يتغير في المعنى أي شيء، عدا ثقل دمها والتصاق قافها في الحلق مثل ورقة كرفس.
سمعت من كاتب لبناني قال: “إذا قرأت مقالاً يبدأ كاتبه بـ”لقد” فلن أكمل المقال!.
أما أكثر الأقفال الصدئة التي تقفل أكبر بوابات التفكير والجدل والشك عند القارئ فهي جملة “مما لا شك فيه”، ومثلها “لا يختلف اثنان” التي لا يخاطب فيها الكاتب قراء متنوعي الذاكرة والفكرة والرأي والثقافة إنما حشد من قطيع مرصوص البنيان.
لا أدري من هو مخترع تعبير “وأخذت السيارة تنهب بنا الأرض نهباً” إذ يحتمل أنه من رعيل مصطفى لطفي المنفلوطي أو محمود عباس العقاد أو سواهما، ولكن هذا التعبير شاع وتكرس وجمد في ذاكرة الكثيرين وكأن لا بديل سواه وما زال من يكرره بيننا حتى اليوم.
ولا أنسى من يقول: “إن دل على شيء إنما يدلّ…” التي ترد على ألسنة المتكلمين أو تحت أقلام الكتاب وفي حروف الكيبورد وما زال بعض الصحف والمجلات يجعل كلمة “بقلم فلان” في صدارة المقالات رغم الكتابة بالكومبيوتر.
ويكتب الكثيرون أيضاً، عندما يريدون توضيح إسم فكرة أو شيء أو ظاهرة، فيقولون: “وهو عبارة عن…” وهذا تعبير غريب لم نتعرف عليه إلا حديثاً وهو تكوين لغوي شائع، لكنه بلا معنى بالصيغة التي يستعمل فيها، فلو حذفته وأبقيت على “وهو”، حسب، لن يتغير معنى الجملة أبداً.
إذا كانت لغة الكتابة هوية الكاتب، فلكل هوية فترة زمنية تنتهي فيها لـ “تتجدد” ثانية حسب ما “يستجد” من معلومات وعلامات فارقة و”سيماء” تدل على كل كاتب دون سواه.