كرة القدم الأوربية بين القيم والمبادئ الرياضية النبيلة .. والخضوع لمنطق السوق
بشير صقر
دوت صفارات الإنذار في كل ملاعب الكرة واشتعلت ” الحرائق ” في كثير من أندية العالم – بفعل شرارة أضرمها فلورنتينو بيريز – رئيس نادي ريال مدريد- عندما أعلن عن تأسيس شركة لإدارة مسابقة كروية جديدة للأندية أبطال الدوري – تحت مسمي شركة دورى السوبر الأوربي . وحدد موعد تدشينها ( الموسم القادم2021 / 2022 ) .. وهو ما يعني إحالة المسابقة الحالية ( دوري أبطال أوربا) إلي المعاش بعد انضمام ما يزيد عن 80 % من أندية الصف الأول إلي المسابقة الجديدة.
وحيثما امتدت الحرائق قلّبت كثيرا من مواجع وآلام ومعاناة المهمومين والعاملين في مجال كرة القدم ليس في أوربا وحدها بل في كل قارات العالم.
هذا وقد وصل شرر تلك الحرائق لبعض رؤساء الدول والحكومات في القارة العجوز فضلا عن مسئولي الاتحادين الأوربي والدولي لكرة القدم إضافة إلي كثير من رؤساء روابط أندية الكرة والاتحادات المحلية..
وأينما امتدت حرائق فلورنتينو بيريز شن الاتحادان الأوربي والدولي للكرة هجوما مضادا تمثل في حملة اتصالات باتحادات الكرة المحلية وروابط الأندية في كل من بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا التي تضم ممثلي الأندية الـ 12 المتمردة والمؤسسة للكيان الجديد. وبحكوماتها وبعض الرؤساء في دول مجاورة أخرى ، وأعلنا معا عن مخالفة ما يجري في الدول الثلاث للقوانين واللوائح المنظمة لنشاط كرة القدم وأنه سوف يؤثر علي أوضاع اندية ولاعبي الكرة ومسابقاتها القائمة؛ وأرفقت ذلك بتهديد المشاركين في الانقلاب بحرمان أنديتهم ولاعبيهم من المشاركة في المسابقات المحلية والقارية والدولية في حالة انخراطهم في المسابقة الجديدة.
وبالتوازي مع ذلك قام بعض الرؤساء وقادة الحكومات خصوصا في انجلترا بالضغط علي روابط الأندية والاتحادات في بلادها وطالبتهم بالتصدي لما يحدث وهددت بإلغاء تصاريح الإقامة للاعبي الأندية المشاركة في الانقلاب . وقد أسفر ذلك عن مبادرة عدد من اللاعبين والمدربين الحاليين والمعتزلين وممن يتمتعون بدرجة من الوعي برفض المشروع المقترح والتحذير من عواقبه.
إلا أن المفاجئ والمثير في الأمر كان رد فعل جماهير الكرة خصوصا جماهير بعض الأندية التي كانت ضالعة في تأسيس المسابقة الجديدة مثل تشيلسي وليفربول ومانشستر يونايتد وبرشلونة.. حيث نزلت الشوارع وعلقت اللافتات والملصقات المحتجة علي المشروع الجديد باعتباره يحرم كثيرا من الأندية واللاعبين وبالتالي مشجعيها من المشاركة. وقد انعكس ذلك بالهلع علي معظم المؤسسين فاعتذر بعضهم .. وتراجع عن موقفه بعض آخر وانسحب من الشراكة بعض ثالث .. وفي بحر ما يزيد قليلا عن خمسين ساعة أعلنت الأندية البريطانية الست انسحابها من المشروع ، تلتها الأندية الإيطالية ثم أحد الأندية الأسبانية. ولم يتبق في الشراكة سوي ريال مدريد وبرشلونة.
المهم تفرق الشركاء في لمح البصر وقام بعضهم -عندمااجتاحت جماهيره الشوارع وتجمع بعض لاعبيه مع قائد الفريق محتجين- بالاعتراف بالخطأ والاعتذار عما اقترفه.
وفي هذا الصدد فإن آحادا من المدربين واللاعبين مثل بيب جوارديولا ، ومسعود أوزيل ، وقائد فريق ليفربول والسير أليكس فيرجسون المدرب المعروف أعلنوا عن رفضهم للمشروع الذي يقصر الفوائد علي خمس عشرة أوعشرين فريقا في القارة الأوربية بشكل شبه دائم ويستبعد بقية الأندية ؛ وهو ما يعني موضوعيا تحسين أوضاع الأندية الكبري ويحاصر بالأزمات بقية الأندية . أي أنه حل جزئي لمجموعة من الأندية يجمعها معا كونها أغني الأندية وأقدمها وأكثرها حصولا علي الجوائز والبطولات. ولذلك زايد عليهم مسئولو الاتحادين الدولي والأوربي ووصفوا مشروعهم بـ ” أنانية الأغنياء ”
أطراف المعادلة والصراع :
ولكي نناقش الموضوع بشكل أوسع يلزم أن نحدد أطراف الأزمة في إطارها الأوسع وليس في وضعها الضيق الراهن.
فلعبة كرة القدم شأنها شأن أي لعبة رياضية جماعية تضم أطرافا ثلاثة رئيسية أحدها اللاعبون وأجهزتهم الفنية ، وثانيها الجمهور، وثالثها المنظمون.
فاللاعبون هم موضوع اللعبة ، وهم خالقو المتعة وحواة اللعبة وفنانوها، بينما الجمهور هو روح الملاعب .. وملعب بلا جمهور يعني ملعبا بلا روح ، وهو ممول اللعبة الدائم سواء في مدرجات الملاعب أو أمام شاشات البث التليفزيوني ، وهو ما يعطي الأندية قيمتها ووزنها وشعبيتها سواء من حشود المشجعين أو من قوام الجمعيات العمومية للأندية.
أما المنظمون فينقسمون قسمين : الأول : هو الأندية .. التي تستجلب اللاعبين وأجهزتهم الفنية المتنوعة. ويمكن أن يكون مالك النادي من هواة اللعبة أو يكون مستثمرا لأمواله في هذا المجال الرياضي وسواء كان هذا أم ذاك فلابد أن يملك رأسمال يمكنه من جلب اللاعبين والأجهزة الفنية ويدفع لهم أجورهم ويقوم بإدارة استثمارته ( ناديه ) بالشكل المناسب والاقتصادي الذي يعود عليه بعائد مجزي.
والثاني : هو الإداراة الرياضية المتمثلة في اتحادات الكرة علي المستوي القومي أو القاري أوالدولي التي تقوم باقتراح المسابقات وتنظيمها والتحضير لها – بالحكام والإداريين ومنظمي الملاعب والمباريات وتسجيل اللاعبين وإعداد وتطبيق القوانين واللوائح المنظمة للمباريات وحقوق اللاعبين وانتقالاتهم والفصل في المشكلات التي تكتنف العمل التنظيمي الرياضي – وإعلان النتائج وغيرها من أمور تهتم بنشر اللعبة وتطويرها .
هذا وقد رتبنا الأطراف الثلاثة استنادا لأهميتها فاللاعبون في المقام الأول هم جوهر اللعبة وبدونهم تختفي ، والجمهور هو إكسير الحياة فيها بما يبثه من روح وحماس وحرارة وما يدفعه من أموال بدونهما لا تستمر كرة القدم ، ويأتي المنظمون في المقام الثالث فهم الوسيط بين خالق المتعة ( اللاعبين ) .. وبين باعث الروح وإكسير الحياة ( الجمهور ). ولأن الثلاثة ليسوا شيئا واحدا فقد ميزنا بينهم استنادا لاختلاف الوظائف التي يقومون بها وحسب الأهمية .
وللحقيقة ففي أي عمل مادي أو معنوي يقدم منتجا أو خدمة يحتاج منظما لأنه يقوم في الحياة الحديثة بدور هام .. وتتصاعد أهميته كلما تعقدت الحياة أوكلما تعددت الأطراف المشاركة في عملية الإنتاج ، للدرجة التي قد تضفي عليه في كثير من الأحيان أهمية تتجاوز أطراف العملية الأصليين. ومن هنا اكتسبت وظيفة المنظم أهميتها وخطورتها .
ولأن المنظم في لعبة ( أو صناعة) كرة القدم ليس شيئا واحدا بل شيئين مختلفين أحدهما الأندية والآخر اتحاد اللعبة ، الأول وظيفته جلب اللاعبين وأجهزتهم الفنية ورعايتهم وإعدادهم لممارسة اللعبة بينما يتولي الثاني إدارة المسابقات والتحضير لها والعمل علي نشر اللعبة وتطويرها. لكنهما في كل الأحوال يلعبان دور الوسيط بين الطرفين الأصليين في اللعبة ( اللاعبين والجمهور ).
ولأن الوسيط هو مجرد عامل مساعد يساهم في توفير الظروف والشروط التي تساعد أطراف العملية الأصليين علي استكمال مهمتهما فإنه لا يكتسب أهمية الأطراف الأصلية ومن ثم لا يحظي بمرتبة أي منها.
وفي القضية التي نناقشها يدور الصراع الرئيسي بين المنظمين ( الأندية و الاتحادات) وليس بين أطراف اللعبة الأصليين ( اللاعبون والجمهور) أو بين طرف أصلي وأحد المنظمين.
وفي الأزمة الراهنة يحتدم الصراع بين مجموعة من الأندية الأوربية الكبري وبين اتحاديْها القاري ( الأوربي) والدولي بينما الأطراف الأصلية لم تدخل في صراع ، لقد سعي كل من المتصارعيْن لليّ ذراع الآخر ووضعه أمام الأمر الواقع ولم يسع لكسب الأطراف الأصلية والتي يخصها الصراع بالدرجة الأولي بل اعتبرها ديكورا وزائدة لا أهمية لها . لماذا..؟
لأن الصراع يدور علي تقسيم دخل مشاهدة المباريات ( في الملاعب و بالبث التليفزيوني) بنسبة (30% – 35 % للأندية ، 65% – 70% للاتحادات) بينما كلاهما ليس من الأطراف الأصليين للعبة ووظيفته الفعلية لا تتجاوز دور الوسيط.
وبالمناسبة فاللاعبون لايحصلون من حصة الأندية التي تبلغ ( 30% – 35% )إلا علي نسبة محدودة من عوائد مشاهدة وبث المباريات لا تتجاوز 30% منها.
وهذا يعني أن الأطراف الأصلية في اللعبة لا ينال أحدها ( الجمهور ) شيئا بالمرة رغم أنه يقوم بالتمويل ؛ بينما الثاني ( اللاعبون ) لا يحصل منها إلا علي النذر اليسير ( 30% من حصة الـ30% ) في الوقت الذي يذهب النصيب الأعظم للوسطاء وخصوصا الاتحادات التي لا تدفع سنتا واحدا وتحصل علي 70 % من عوائد مشاهدة المباريات والبث التليفزيوني.
وحيث أن القسمة ليست عادلة فما الحل الذي سعي المحتجون من الأندية لتنفيذه..؟
لم يقترحوا مثلا أن يتم تقسيم عوائد المشاهدة والبث التليفزيوني مناصفة (50% لكل طرف ) بين المنظميْن (الأندية والاتحادات) . ولأن الأندية تتعامل مع لاعبيها بمنطق قريب من تعامل الاتحادات معها لم تعمل علي دعوتهم لمحاصصة عادلة ترفع فيها مرتبات أو مكافآت اللاعبين مثلا في حالة تعديل حصتها من مداخيل المشاهدة والبث إلي 50 % ؛ بل رأت البحث عن أقصر الطرق للاستفادة باستحداث مسابقة جديدة مع عدد من أقدم الأندية ليقتصر تعديل الأنصبة علي 15 أو 20 ناديا بينما تظل مئات الأندية الأخري خارج هذه القسمة .
باختصار وضع خاطئ وقسمة غير عادلة يجري تعديلهما بوضع أكثر خطأ وقسمة جائرة تخلق وضعا أشد جورا وتمييزا.
بين عقلية المقاولين وعقلية الساسة :
ولأن مثل هذه الأفكار شائعة في أوساط رجال البيزينس( البحث عما يرونه حقهم) ليس بتجميع كافة الأندية أو معظمها وبعرض بمقترحات أقل تمييزا وأكثر عدلا بل بتجميع أقوي الأندية وأغناها وأكثرها حصولا علي البطولات واستخدامها في لي ذراع الخصم وفرض الأمر الواقع عليه .. ولأن كلا الخصمين ذو عقلية واحدة ومنطق واحد ومن ثم أساليب واحدة في الصراع فقد أوقفت الاتحادات مشروع الأندية الـ 12 بقوة السلطان ( بالتهديد بالبطش ، وبإلغاء تصاريح الإقامة للاعبين الأجانب، وبالحرمان من المشاركة في المسابقات خصوصا القارية والدولية) ومن ثم انهار المشروع لأن التخطيط له اعتمد علي العنف ولي الذراع وفرض الأمر الواقع.. ولم يلجأ لفرض العدالة ومخاطبة العقل والنقاش الموضوعي.
إنها عقلية المقاولين ورجال المال الذين لا يفقهون في إدارة الصراع إلا الجانب الخاص بالعنف وليس باستجماع العدد الأكبر من أصحاب الحقوق والتمسك بالعدالة وليس بخطف ما سلبه الخصوم قنصا.
لم يتصور السيد فلورينتينو بيريز أن الصراع في مجال البيزينس يختلف عن الصراع دهاليز السياسة ، وأن الصراع في مجال المال مختلف عن الصراع في مجال الرياضة ونسي سبر أغوار شركائه ومقدرتهم علي امتصاص تهديد رؤساء الحكومات والدول وتوقي حملات الهجوم الإعلامية والتصدي لموجات التحريض المتلاحقة ومواجهة التهديدات بالمنطق وباللجوء للقانون ، لم يدرك بيريز وشركاؤه أن لكل فعل رد فعل مضاد ربما يكون أكثر شراسة وأشد فعالية لأنه أتي من جبهات لم يُحسَب حسابها.
ربما تصور بيريز أن الأمر سيكون قاصرا علي ردود أفعال الجانب الآخر من المنظمين ( الاتحاد الأوربي والدولي ) ونسي أن المعركة ليست مباراة كرة عنيفة يحكمها قانون ولوائح ومجموعة من الكروت الصفراء والحمراء.. بل حرب حصص وأنصبة ومناصب مؤثرة تتجاوز في كثير من الأحيان مناصب رؤساء الدول والحكومات ولا يستبعد فيها إشهارأي سلاح مهما كان قذرا أومحرّما دوليا . إنها حرب سياسية يا سيد بيريز ، ومن يدخلها بعقلية غير سياسية يخسرها .. لأن عقلية رجال البيزينس في هذا المضمار هي عقلية الهواة لا المحترفين ولأن عقلية المقاولين غير عقلية السياسيين .. والأدوات والأسلحة المستخدمة في كل منهما مختلفة . ومن يعرف .. ألا يمكن أن يكون الخصوم قد أوحوا لك بتوقيت معركة لم تكن أنت أو أي من شركائك مستعدا لها..؟ لسبب بسيط هو أن كورونا تلعب مع خصومك وقد أنهكت جميع” الشركاء ” الذين هربوا من الميدان بعد أول صرخة أطلقها بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا وأيدها ماكرون رئيس فرنسا.
ولا أعتقد أنك تنسي – حتي لو كنت تستهدف إزاحة رئيس الاتحاد الأوربي من موقعه – أن منصب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم لا يقل وزنا وتأثيرا عن منصب سكرتير عام الأمم المتحدة بل ويتجاوز إعلاميا وجماهيريا مناصب كثير من رؤساء الدول , أم أن نجاحك بالتزكية في انتخابات النادي في الأسبوع الفائت أوْهَمك بإمكانية تكرارها في انتخابات اليويفا القادمة..؟
حملات الصحافة الأوربية علي المسابقة الجديدة والأندية المتمردة:
لقد ذكرت الصحف المدريدية القريبة من ناديكم عبارات قاسية في حقك رغم قربها منك وتعضيدها الدائم لك فأطلقت ” صحيفة ماركا ” يوم الأربعاء 21 /4/2021 عبارة ” سخيفة للغاية ” في إشارة منها إلى فكرتك التي طرحتها منتصف ليل الأحد 18 إبريل الجاري بتأسيس دوري السوبر الأوربي.
بينما قالت صحيفة آس في نفس اليوم [ ” أن الضغط الجماهيري والرسمي كان له كلمة الفصل في الموضوع ” ] في إشارة منها إلي دور الحكومة البريطانية وجماهير أندية تشيلسي وليفربول ومانشستر يونايتد وبرشلونة التي جابت الشوارع احتجاجا علي مشروعك.
أما الصحف التي اتخذت جانب الخصوم فحدث ولا حرج حيث قصفت صحيفة الديلي ميل البريطانية جبهة مشروع دوري السوبر الأوربي قائلة : [ ” هزيمة الجشع ” مشيرة إلى استسلام الأندية الانجليزية بعد انتقادهم ومعارضتهم من قبل الجماهير والرياضيين والسياسيين] .
كذلك غرد هاري ماجواير حول انسحاب مانشستر يونايتد من دوري السوبر الآوروبي حيث[ نشر صورة لمشجعي الفريق مع التعقيب ” سنظل متحدين للأبد “ بعد أن ثار المشجعون إثر قرار مانشستر يونايتد بالانضمام لدوري السوبر الآوروبي مما جعل النادي يتراجع عن الأمر خاصة مع توافق رفض المشجعين مع رفض الجهات العليا في بريطانيا .] .
من ناحية أخري أفاد البيرت اورتيجو ساخرا ومدللا علي عبث المشهد الكروي الأوربي من قبل أندية مثل باريس سان جيرمان وشخصيات مثل ” تيباس “رئيس رابطة الليجا الإسبانية الرافضة لفكرة دوري السوبر الآوروبي والتصدي لها .
فقد أكد البيرت أورتيجو على [ أن أندية مثل باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي باتت الآن في نظر البعض صامدة أمام الجشع ، وهم أول من خرقوا قوانين اللعب المالي النظيف، وتيباس الذي رفع راتبه من 348 ألف جنيه إسترليني إلى 3.4 مليون هم من يناقضون أنفسهم حينما يتحدثون عن أن كرة القدم للفقراء ويحاربون الجشع ].
هذا وقد بادر الاتحاد الأوربي بالإعلان رسميًا عن تعيين ناصر الخليفي وكارل هاينز رومينيجيه – رئيسي نادي باريس سان جيرمان وبايرن ميونيخ – كممثلين لاتحاد الأندية الأوروبية لمدة ثلاث سنوات حتى عام 2024. في محاولة لجذب الأندية الكبري لرفض المشروع الجديد وقطع الطريق علي إمكانية إحيائه ؛ ومكافأتهما علي موقفهما الرافض له وتحضيرا لاعتمادهما كوسطاء أو مفاوضين مع مجموعة الأندية المتمردة.
لقد اتضح من معركة الأيام الثلاث (مساء الأحد ، الإثنين ، الثلاثاء ، صباح الأربعاء ) 18 / 21 إبريل 2021 مدي هشاشة جبهة الأندية المتمردة ، وضحالة قدرتها علي الإعداد والتحضير لأهم معركة في تاريخ الاتحاد الأوربي لكرة القدم والتي نقترح لها العنوان التالي: [ إعادة توزيع الحصص وتحقيق العدالة واجتثاث الفساد من مؤسسات الكرة ، والمزيد من رعاية والاعتناء بأطراف المعادلة الأصليين ( اللاعبين والجمهور) ]
هذا ولأن انجلترا كانت الدولة التي تحظي بالعدد الأكبر( 50 %) من الأندية المتمردة وبها أقوي الدوريات الكروية علي مستوي العالم فقد استعان الاتحادان الأوربي والدولي بالحكومة الإنجليزية لقمع التمرد في مهده دون رحمة ومع أكبر وأغني أنديتها ( مانشستر يونايتد ) ولأن مديره التنفيذي ” إد وودوارد ” الذي يديره منذ عام 2012 كان ضالعا في التمرد ، فقد طالبت الحكومة مالكيي النادي بتنحيته عن منصبه لكي تتعامل مع النادي وتقوم بتقديم تسهيلات له وإلا ستتوقف معاملاتها معه . ويعتبر مثال وودوارد نموذجا للمديرين التنفيذيين ( الموظفين ) – وهم غير ملاك النادي – ووضعه في مانشستر شبيه بوضع فلورينتينو بيريز ( الرئيس المنتخب ) في ريال مدريد من بعض الزوايا .
وزن الجماهير.. وسطوة الدولة:
تحظي الدول الأوربية بحد أدني من التقاليد الديمقراطية وتتمتع مؤسساتها ومنظماتها الأهلية بقدر من الاستقرار والاستقلال عن سلطة الدولة.
لكنها عندما تتعرض لأزمات تمس تقاليدها وقوانينها وهيكل بنائها تكشرالدولة عن أنيابها وتُظهرُ لمثيري تلك الأزمات وجها مغايرا لما اعتادوا أن يروها به .
وفي أزمة دوري السوبر الأوربي لم تكتف الدولة بحماية الاتحادين الأوربي والدولي لكرة القدم والضرب بيد من حديد علي رؤوس العابثين والمتمردين بل رافقتها حملة ضارية من الإعلام والصحافة لكن ما لم يضعه المتمردون في الحسبان وربما لم يتوقعوه هو رد الفعل الجماهيري الذي عادة ما تكون تقديراته في الغالب الأعم صائبة وموفقة بل وكثير من اللاعبين ففي إحدي مباريات مدينة لندن سارعت جماهير نادي تشيلسي وبعدها جماهير ليفربول ومانشستر يونايتد وبرشلونة بالاعتراض علي المشروع الجديد وعلقت بعضها اللافتات والملصقات التي تحتج عليه . لم يتبادر لذهن الكثيرين أن تلك الجماهير هي جماهير الأندية المتمردة وأنها تعارض أرادة ملاك الأندية ومدرائها ورؤسائها المنتخبين.
ولأن بوصلة الجماهير كانت تشير للاتجاه الصحيح فقد كانت ردود أفعالها أشد تأثيرا من أية مؤثرات أخري ، بل يمكن القول أن تزامنها مع الهجمة الحكومية والحملة الصحفية والإعلامية أعطاها زخما أقوي من حجمها الفعلي.
هذا وقد نشرت بعض المواقع الإلكترونية في أيام الأزمة الثلاثة أخبارا تفيد أن أغلبية لاعبي ريال مدريد كانوا معترضين علي المشروع الجديد كما أن فريق ليفربول بكامله اتخذ موقفا مناوئا لموقف مالك النادي امما اضطره – تحت ضغوط اللاعبين والجماهير- للاعتذار لهم والانسحاب من المسابقة الجديدة.
ونعتقد أنه لو جري استفتاء في صفوف لاعبي الدرجة الأولي بالقارة الأوربية علي اختيارمسابقة من بين المسابقات الثلاث التالية مع ترتيبها حسن الأفضلية :
1- ( دوري الأبطال الحالي ) .
2- ( ودوري السوبرالجديد).
3- (مسابقة ثالثة تعدل أنصبة عوائد مشاهدة المباريات والبث التليفزيوني إلي 50 % للأندية ومثلها للاتحادات ) .
لفضّل اللاعبون المسابقة الثالثة ، وتلتها المسابقة الحالية ، ثم دوري السوبر الجديد.
خاتمة :
لقد سعي فلورنتينو بيريز رئيس شركة دوري السوبرالأوربي إلي طمأنة شركائه في المشروع بحصوله علي حكم قضائي من القضاء الأسباني بعدم تعرض ( الفيفا ، اليويفا ، رابطة الليجا الأسبانية واتحاد الكرة الأسباني) أًو اتخاذ أية إجراءات عقابية ضد المشاركين في المشروع أو معاقبة اللاعبين .
هذا وتفيد بعض التقارير الصحفية بأن الفوارق المالية بين عوائد الجوائز والمكافآت في دوري الأبطال الحالي ودوري السوبر الأوربي فارق واسع ويتمثل في الآتي:
1-تحصل الفرق التي تصل لدور الثمانية : من 50 – 90 مليون يورو في دوري الأبطال الحالي. وعلي 325 مليون يورو في المسابقة الجديدة.
2-يحصل البطل علي 120 م ي في دوري الأبطال الحالي، وعلي 400 م ي في الجديد.
3-تحصل الفرق المشاركة في الأبطال الحالي علي60 مليون ، وعلي 202 م ى في الجديد.
إلا أن معضلة المشروع الجديد تتمثل في مأخذين :
1-ثبات 75 % ( 15 فريق من أصل 20 فريق ) من الفرق المشاركة علي الدوام وهي فرق النوادي المؤسسة.
2-احتكار المؤسسين للجزء الأعظم من دخول المسابقة.. مشاهدة في الملعب ، بث وإعلانات.
هذا وربما يلجأ الاتحاد الأوروبي والدولي لحلول وسط أو بمعني آخر لترضية النوادي الكبري برفع نسبة الحصص الموزعة ، أو لتسديد ديونها التىي تتراوح بين 19 مليون جنيه استرليني ( تشيلسي) ، 325 استرليني ( برشلونة) ، 685 استرليني ( توتنهام).
ورغم ذلك تظل محاولة الانشقاق عن الاتحاد الأوربي من قبل الـ 12 ناديا واردة ومحتملة وتشكل موضوعا حساسا وإن لم يحل بطريقة مناسبة فربما يتحول إلي عقدة أو مشكلة متوطنة .. بدت بشائرها في بعض التقارير التي روجتها الصحافة إبان أيام الأزمة نعرض منها :
•استهداف الأندية الثلاثة التي وصلت للدور قبل النهائي في مسابقة أبطال الدورى الحالية وهي (تشيلسي ومانشستر سيتي وريال مدريد)، والسعي لوضع العراقيل أمامها في المسابقة.
•تأثير ذلك علي صلة نادي ريال مدريد بأندية البريمير ليج التي انسحبت من الشراكة الأخيرة
•التخوف الدائم من جانب الاتحادات ( فيفا ، يويفا ) من استئناف الأندية المتمردة لسلوكها السابق فيما بعد.
هذا وقد أفاد الإعلامي الأسباني جوسيب بيدريرول في برنامج الشيرينجيتو بالآتي:
صدر بيان رسمي من دوري السوبر الأوربي بعد انسحاب الأندية الإنجليزية منه يقول: [ نظرا للظروف الحالية سوف يتم إعادة النظر في هذا المشروع حتي يُعاد تشكيله من جديد بالرغم من اقتناعنا بأن مقترح البطولة الجديدة يتمشى من القانون الأوربي].
وهو ما يعني من ناحية.. العزم علي استئناف المحاولة في ظروف أفضل أو عقب استكمال مقومات ناقصة؛ ومن ناحية أخري استمرار القلق من جانب الاتحادات الدولية والأوربية والمحلية.
وتأكيدا لذلك التقدير .. أفادت صحيفة الليكيب الفرنسية تحت العنوان المثير ( كيف سينقذ اليويفا كرة القدم بعد ثورة بيريز ..؟ ): أنه [ في كواليس الاتحاد الأوربي لكرة القدم علي الرغم من توقف فكرة السوبر الأوربي ؛ إلا أن هناك شعور بالقلق خصوصا وأن الجميع ينتظرون قرارات في صالح اللعبة وإلا ستنفجر الأمور ضده من جديد]. وقد أكد ذلك نادي يوفينتوس الإيطالي .. في بيان أصدره مؤخرا ” مؤكدا فيه قناعته بالمشروع الأخير رغم توقفه ” .
خلاصة القول: انتهت الجولة الأولي من الصراع علي حصص عائد مباريات الأندية الأوربية بهزيمة ساحقة للنوادي المتمردة الـ 12 لصالح الاتحادين الأوربي والدولي لكرة القدم في ظل هدنة لم يجر الاتفاق عليها . إلا أن إرهاصاتها تشير إلي أن الحرب لم تنته بعد .. وأن كل الفرقاء يعيدون حساباتهم ويلملمون ما تبعثر وتناثر من أوراق في الجولة السابقة. علي أمل استئناف المعركة في الأيام القادمة.