الضرائب كيف يمكن فهمها ؟
تبيردي دريد
لا شك أن من الواجبات الأساسية للدولة حماية ممتلكات المواطنين، وأن تَحفَظَ عليهم أموالهم وتلتزم بحمايتها، تمامًا كما تلتزم بحماية أمنهم وأعراضهم، هذا من أوجب واجبات الدولة بداهة وكذلك شرعًا، سواء في التشريع الوضعي أو الإلهي الذي جعل أحد مقاصده الخمسة الأساسية هي حماية المال، وهذا يدلك على عظم المسؤولية الملقاه على الدولة والمسؤولين عنها تجاه هذا الأمر، فكأن حماية المال – مال الناس – قد وضع على قدم المساواة تقريبًا مع حماية الدين وحماية النفس وحماية العقل وحماية النسل (والأخيرة تشمل حماية العرض التي تدخل تحت الحفاظ على الأنساب).
– فإذا كان هذا هو شأن الحفاظ على مال المواطنين كل على حده، فإن الحفاظ على مال المواطنين بشكل جمعي يصبح -في الإسلام تحديدًا- من أهم المهام الموكله إلى الحاكم، ولقد أعظم الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم في التشديد على مغبة أكل أموال الناس بالباطل، يقول الحق سبحانه وتعالى “وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ “، ويقول سبحانه متوعدًا اليهود معددًا صفاتهم “وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا “، ويقول سبحانه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رحيماً”، هذا عن القرآن، أما عن السنة التي هي تفصل ما أجمله القرآن فأعتقد أن كثيرًا من القرآء سيدهشون من هذا الحديث في صحيح مسلم والذي يؤكد على خطورة فرض الضرائب تعسفيًا دون مبرر أخلاقي واضح، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حق المرأة الغامدية التي زنت فرجمت : ( لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ )، فالحديث نص صريح في أن جريمة صاحب المكوس (الضرائب والجبايات) أعظم عند الله من الزانية التي زنت بعد إحصان ! ، يقول الإمام النووي شارح صحيح مسلم “فيه أن المَكْس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه ، وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها”، وقال الشوكاني في “نيل الأوطار” : ” صاحب المكس هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق “، هكذا إذًا، لأن الزنا جريمة في حق أسرة واحدة فقط، بينما جباة الضرائب الظالمة- بداية ممن أمر بها إلى من أقرها إلى من تولى جمعها- جميعهم مجرمون في حق كل الأسر التي تعدوا عليها، وكل هؤلاء سيكونون خصماء لهم يوم القيامة، لذلك كانت جريرتها أشد من الزانية المحصنة التي رجمت حتى الموت.
– كذلك كان الحال في التشريعات السابقة للإسلام، ولقد ذكر عن المسيح عليه السلام أنه كان يذهب (للعشارين) والخطاه، وأنه كان يقول أن باب التوبة مفتوح للعشارين والعصاه، فكان العشارون (جباة الضرائب الظالمة) دائمًا يتصدرون قائمة المنكرات عند ذكرها وضرب الأمثال لها.
تعتبر بعض الحكومات أن مجرد العجز في ميزانية الدولة مبرر كاف لفرض ما تشاء من الضرائب دون الحاجة إلى أي مبرر موضوعي آخر، ودون الحاجة إلى تقديم أي مبررات تتعليق بالذين تقع عليهم الضريبة وبأوجه صرفها، وذلك على أساس أن (كله على كله)، وأن (المليان يكب على الفاضي)، وربما رأت الحكومة أنها غير ملزمة أصلًا بأي شروح، على أساس أن الناس لن تقتنع بأي ضرائب جديدة مهما قالت، خاصة في حالة الضنك التي يعيشون فيها، كما أنه شعبها وهي الحكومة، فهي مستعلية عليه، فهو شعبها (تفرده وتتنيه)، و(تغسله وتكويه)، كما يحلو لها.
– ولا نملك إلا أن نضع لهؤلاء ما سبق من الآيات والأحاديث ونخوفهم بيوم الحساب، أما عن القول بأن مجرد العجز في ميزانية الدولة مبرر كاف لفرض ما تشاء من الضرائب فهذا غير صحيح، إذ أن ما سبق من الأدلة يقطع بأن الضرائب يجب ان تعامل من قبل الحكومة معاملة أكل الميتة، لا يضطر لها الإنسان ولا تطيب بها نفسه، وأيضًا لا تحل له إلا وهو على شفير الهلاك، وكحل أخير وليس كحل أول، وبالقدر الذي يبقيه على قيد الحياة، وليس اغترافًا ونهمًا، فهل توفرت هذه المعايير في الضريبة الأخيرة، وما سبقتها، وما سبقتها ؟!.
فهل اغلقت الحكومات أولاً الصنابير المفتوحة من المال العام المهدر نتيجة الفساد والإهمال والتسيب، هلا لاحقت أولًا اللصوص الكبار والفاسدين العتاة، هلا عملت على تنمية مواردها بما يكفل لها الإستغناء عن أكل الميتة، ولكن ما حاجة الحكومة إلى بذل هذا الجهد بينما مال الناس الطري –أو ما بقي منه- تحت أيديها ؟!، لا يحتاج منها إلا إلى ترزي قانون، وما أكثرهم، وإلى مجلس شعب مدجن يرعى مصالحها بدلًا أن يحمي ويرعى مصالح من يفترض انهم إنتخبوه !، وهو موجود والحمد لله، فلم التعب والبحث عن موارد حقيقية تنمي ثروة البلاد.
– أما عن الحجة الممجوجة التي تكررها بعض الحكومات العاجزة كثيراً وهي أنها تأخذ من مال الأغنياء وتعطي للفقراء، فهل هل هذه الضريبة حقاً ستقع على الأغنياء، أم أنها ستطال جميع المواطنين وفيهم مئات الآلاف من العجائز ومحدودي الدخل وأرباب المعاشات، ثم هل يحق أصلاً الأخذ من مال الأغنياء دون وجه حق لإعطاء الفقراء كما يدعون، اللهم لا، وإلا فأين يذهبون بقول الحق سبحانه وقد نزل في هذا لمعنى تحديداً ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خبيراً “، ولو سلمنا بهذا المنطق بأخذ أموال الناس بغير حق طالما للفقير، فلنا أن نسلم بأن من حق الفقير أن يسرق الغني ويأخذ ماله مباشرة !، إذ أن الحكومة هنا تكون مجرد وسيط في هذا المال…… فما الحاجة إلى وسيط ؟!!.