أخباردراسات و تحقيقاتفي الواجهة

ساعة غيفارا الاخيرة

ساعة غيفارا الاخيرة

ساعة غيفارا الاخيرة

الذكرى السادسة والستون لمصرع البطل القائد غيفارا

نقل القائد أرنستو غيفارا (39 عاماً) الذي كان قد وقعَ في الاسر بعد ظهر يوم الاحد الواقع في 8 تشرين
الاول 1967 إلى مدرسة “هيفيرا” بعد أصابتهِ أثناء المعارك برصاصة في ساقهِ منعته من الانسحاب.
وقد تعرّض طوال الليلة لاسئلة العسكريين البوليفين وشتائمهم. وقال أحد الضباط الحاقدين بسخرية:
أنظروا إلى هذا المسكين الذي كان يتحدث في الماضي عن خلود الحمار. رد عليه غيفارا بحزم بقولهِ:
أنني لا أؤمن الا بخلود الثورات الشعبية التي لا يخشاها الا أمثالكم الذين يخدمون مصالح بلاد الآخرين.
ثم طلب أحد الضباط من أرنستو أن يوقِّع لهُ على بطاقتهِ فرفضَ رفضاً تاماً.
ثورة حتى في السجن
وقبل أعدامهِ بساعة واحدة، دخل عليه أحد الكوبيين المناهضين للثورة، كان يعمل كمخبر وجاسوس
لحساب المخابرات المركزية الاميركية، وبادر بالقول: أخيراً حلت ساعة الانتقام… لقد طردتني من
كوبا، أتذكر ذلك؟ ورد عليه أرنستو: أنتقم ولا تخف. وهنا تقدم الخائن الكوبي من غيفارا وصفعهُ بشدة
على وجههِ.
تردد الضابط الذي كُلف بإعدامهِ في البداية ولكن غيفارا شجعهُ بقولهِ: لماذا تتردد؟ وأجاب: لانك أثمن
من أن تقتل.
وهنا ثار غيفارا وقال للضابط: يا أبن … أقتلني. وأجاب هذا الاخير: أنت أبن… وأطلق عليهِ رصاصة
أصابتهُ في صدرهِ.
ونهض غيفارا مُحاولاً الوصول إلى مُطلق النار، إلا أن هذا الاخير بادرهُ بعدة رصاصات من رشاشهِ
أصابته في صدرهِ ويدهِ اليمنى وكتفهِ. وأنحنى غيفارا إلى الامام وهو يعضُ على شفتيه، ولاحقته
الرصاصات فأصابتهُ مُجدداً في صدرهِ وبطنهِ وكتفهِ، كما طاشت رصاصات أخرى كثيرة أصابت
الجدار من خلفهِ.
غيفارا في لحظة الوداع
وما هي الا لحظات حتى أنهار غيفارا وسقطَ أرضاً، بينما عيناهُ تتطلعان إلى مُطلق الرصاص وكأنه
شعر بأن نهايتهُ قد أقتربت.
وراح يُتمتم: “الوداع يا أولادي الصغار، الوداع يا ايما(زوجته) الوداع يا فيدل، أوصيك بالاولاد…”.
وكان دمه يسيل بغزارة من جروحه.
وعلى أصوات الرصاص، تدافع عدد من الضباط الذين كانوا يقفون في الخارج إلى داخل الغرفة
يراقبونه بدهشة وهو يحتضر. حاول أن يرفع يده إلى رأسه، ولكنه لم يتمكن وسقطت اليد إلى جانبه.
وفي هذه الاثناء صوب الضابط مسدسه من عيار 45 بإتجاه قلب غيفارا وأطلق عدة رصاصات ولكنه
تحرك ولم يمت. وأخيراً أطلق عليه الرصاصة القاتلة في رقبته، ففارق الحياة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لوبوان تستذكر.. يوم قال جيفارا لقاتله: كن هادئا وصوب جيدا أنت في النهاية ستقتل

رجلا

لوبوان: فهم جيفارا أنه وصل إلى نهاية الطريق وهو في سن 39
يقول الكاتبان فريديريك لوينو وجويندولين دوس سانتوس  في تقرير نشرته  صحيفة “لوبوان” (Le
Point) الفرنسية إن الثائر الأممي إرنستو تشي جيفارا وعددا قليلا من رفاقه من جيش التحرير الوطني
كانوا يحاولون إشعال ثورة في بوليفيا، قبل عدة أشهر من مقتله في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول
1967.
ويشير التقرير إلى أن جيفارا ورفاقه وبعد أن جوعوا وأصيبوا بالأمراض وتعقبهم الجيش ورفضهم
الحزب الشيوعي البوليفي وتخلى عنهم كاسترو، لم ينجحوا في إيقاظ الوعي الثوري لدى الفلاحين
البوليفيين، ويورد الكاتبان التفاصيل التي قادت إلى مقتل جيفارا.
عند الفجر، أحاط ألفا جندي بوليفي بالمعسكر الكوبي في الوادي الذي كان يقيم فيه جيفارا ورفاقه،
حينها قال تشي لرفاقه: “لا أعرف لماذا، لكنني أعتقد أننا وصلنا إلى المعركة الأخيرة”. وبعد 3
ساعات من القتال، مزقت رصاصة أولى ساق تشي، ثم حطمت ثانية بندقيته.
نهاية المطاف
واندفع الجنود البوليفيون نحوه مسلحين بالبنادق، وأمسك رفيق كاسترو مسدسا آخر، كان به عطل
لسوء حظه، فهم جيفارا أنه وصل إلى نهاية الطريق، وهو في عمر 39 عاما، لم يكن خائفا، فقد غادر
طوعا هافانا للقتال بالكونغو ثم بوليفيا. كان مؤمناً بالثورة العالمية، وفتح جبهات ضد نظام الإمبريالية
العالمية.
أشار الكاتبان إلى أن الموت كان يرافقه لفترة طويلة؛ ففي أكثر من مناسبة كادت حياته تنتهي. وعندما
صوب الجنود البوليفيون أسلحتهم نحوه، قيل إنه صرخ: “لا تطلقوا النار، أنا تشي جيفارا، وحياتي
مفيدة لكم أكثر من موتي”، واعتقل في مدرسة مهجورة مع بعض رفاقه في قرية لاهيغويرا، حيث
تتراكم جثث المقاتلين.
كيف سيتم التعامل مع تشي؟ هل سيقتل أم سيحاكم؟ كان الجنود البوليفيون ينتظرون الأوامر، خاصة
وصول العقيد خواكين زينتينو أنايا وعميل وكالة المخابرات المركزية المعروف باسم فيليكس
رودريغيز.
أمر التنفيذ
في صباح اليوم التالي، كان جميع القرويين يريدون رؤية الطبيب الأرجنتيني المناضل تشي جيفارا،
وسمح لهم بدخول المدرسة. وأحضرت له معلمة القرية الطعام، وتبادلا بعض الأحاديث، إذ سألته عن
سبب قدومه للقتال في بوليفيا رغم ذكائه وعائلته، خاصة المكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها في كوبا،
فأجاب “من أجل قيمي المثلى”.
تلقى عميل وكالة المخابرات المركزية رودريغيز شفرة أمر تنفيذ الإعدام الصادرة عن رئيس بوليفيا
رينيه بارينتوس، وتطوع الرقيب ماريو تيران لتنفيذ الحكم، وأمره رودريغيز بعدم إطلاق النار على
وجهه، بل على صدره، حتى لا يبدو موته بمثابة إعدام.
وقبل السماح للرامي تيران بالقيام بمهمته، حذر رودريغيز تشي ورفيقيه من المصير الذي ينتظرهم.
لم يتفاجأ إرنستو، وسرعان ما كتب بضع كلمات على ورقة، أعطاها لرودريغيز، طالبا منه إرسالها إلى
زوجته. ووفقا لشهادة أخرى، كان الحوار بين رودريغيز وتشي أكثر تشنجا، حيث اتهم تشي رودريغيز
بأنه خائن قبل أن يبصق في وجهه.

لم يجرؤ على إطلاق النار
أضاف الكاتبان أنه تم إطلاق النار على اثنين من رفاق تشي أولا. وبعد 10 سنوات، تحدث تيران
لصحيفة “باريس ماتش” عن مشهد إعدام تشي؛ “مكثتُ 40 دقيقة قبل تنفيذ الأمر، ذهبتُ لرؤية
العقيد بيريز، على أمل أن يتم إلغاء الأمر، لكن ذلك أثار غضب العقيد. هذا ما حدث، كان ذلك أسوأ ما
عشته. حين وصلت، كان تشي جالسا على مقعد، فلما رآني، قال: لقد أتيت لقتلي. شعرت بالخوف
وأحنيت رأسي من دون أن أجيب. فسألني عن رفيقيه: ماذا قال الآخرون؟ قلت له: لا شيء. فأجاب:
كانوا شجعانا!”
وتابع تيران “لم أجرؤ على إطلاق النار. في تلك اللحظة، رأيت تشي وهو عملاق، عملاق جدا؛ كان
بريق عينيه شديدا، شعرت كما لو أنه ينهض، وعندما حدق بي شعرت بالغثيان، اعتقدت أنه وبحركة
سريعة كان قادرا على أن يسلبني سلاحي، حينها خاطبني: كن هادئا، وصوب جيدا ….! أنت في
النهاية ستقتل رجلا، عدت خطوة إلى الوراء نحو الباب وأغمضت عيني وأطلقت الرصاصات الأولى.
سقط تشي، بعد إصابته في ساقيه، على الأرض، وكان يتلوى ويفقد الكثير من الدم، استجمعت طاقتي
وصوبت نحوه رصاصات متتالية أصابت ذراعه وكتفه وقلبه؛ لقد مات أخيرا”.
كانت الساعة 1:20 دقيقة من بعد ظهر الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 1967. ووفقا لرواية أخرى،
فإن تيران كان حريصا على عدم إطلاق الرشاش، خوفا من إتلاف جسد تشي، وأطلق النار بشكل
تدريجي. واستغرقت وفاة تشي عدة دقائق، إلى أن قام ضابط وجنديان بضربه وهو ملقى على الأرض.
جثة مدهشة
وتجمع الجنود حول الجثة المدهشة، فقد ظلت عينا تشي مفتوحتين، وسرعان ما علقت الجثة على
زلاجات مروحية لتنقل إلى بلدة فاليغراند
المجاورة، حيث تم عرضها في غرفة الغسيل
في المستشفى المحلي. وسارعت المدينة
لرؤية الثوري الشهير وهو ميت. وحصلت
بعض النساء على خصلات من شعره،
وصوره كثير من الجنود، وحضر نحو 10
صحفيين من أميركا الجنوبية والولايات
المتحدة وبريطانيا، كان الأمر بمثابة مؤتمر
صحفي مرتجل حول الجثة.
عند المساء، غادر الزوار المستشفى، وحينها
كان السؤال المطروح متمثلا في ماهية مصير
الجثة: هل ستدفن؟ أو سترسل لكاسترو؟ أو
ستخفى؟ في نهاية المطاف، اتخذ القرار بدفن
إرنستو جيفارا ورفاقه في مكان سري،
اكتشف فيما بعد أنه تحت مدرج المطار. لكن،
ينبغي أولا الاحتفاظ بما يثبت وفاته. وهنا
اقترح البعض إبقاء الرأس في الفورمول،
لكن هذا الأمر يسيء إلى المعتقدات
الكاثوليكية للضباط، ثم قام طبيب بقطع يدي
غيفارا، ووضعهما في جرار مليئة
بالفورمول.
وفي اليوم التالي، العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، عند وصول الرئيس رينيه بارينتوس، لم ير أحد
جثة تشي، التي لن تظهر مجددا إلا بعد 30 عاما، عقب بحث مكثف قام به فريق من علماء
الأنثروبولوجيا. (1)

بذلت الحكومة الكوبية وكاسترو شخصيا جهوداً كبيرة في البحث عن رفات القائد غيفارا، ومن ثم
التأكد منها بدقة، وتم نقلها إلى هافانا …. كوبا .. البلد الذي أتخذه غيفارا وطناً له وهجر مهنته كطبيب
ليلتحق مقاتلاً في صف الثورة كثائر مقاتل وليس كطبيب.
في خطاب تأريخي ألقاه القائد فيدل كاسترو ينعي صديقه ورفيقه غيفارا قال كلمات مثلت ما يعتمل في
قلبه تلك اللحظة :
(2)
” لا شك أن الساعات الأخيرة في حياة غيفارا التي أمضاها أسيراً بيد القتلة كانت مريرة .. ولكن من
منا مؤهل أكثر من تشي غيفارا لها الأمتحان الهائل …! تشي مات من أجل مبادءه التي آمن بها وقاتل
من أجلها وأستشهد بشجاعة في ساحة النضال .. ” (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
(1) (الصورة : نصب غيفارا في هافانا / كوبا
(2) كاسترو يتكلم : مجمموعة خطابات فيدل كاسترو/ بيروت / 1970

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى