إسلام

المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة. مؤذن مسجد حمزة بعين لوبو بغرداية العم قرادة محمد بن أحمد أنموذجا.

المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة. مؤذن مسجد حمزة بعين لوبو بغرداية العم قرادة محمد بن أحمد أنموذجا.

مقدمة :

لا يمكن للرسالة المسجدية أن تأخذ طريقها ووجهتها نحو الوظائف المنوطة بها إلا بتضافر جهود الأعضاء الفاعلين داخل المسجد، ولا شك أن هؤلاء الأعضاء يؤدون مهامهم بشكل محدد في إطار مرتبط ومتكامل، مما يجعلهم في منظومة وظيفية يمكن تشبيهها بالجسد الواحد, إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. ومن بين هاته الوظائف المسجدية وظيفة المؤذن العنصر الفعال.

إن الأذان عبادة عظيمة، وشعيرة جليلة من شعائر الإسلام، وقد أُمر الله المسلمون بتلبيته وإجابته، وكذا التسابق في أدائه، فكلمات الأذان تغسل درن النفس في كل يومٍ خمسَ مرات، وكلمات الأذان تشتاق إليها الأفئدة، وتطمئن إليها الأرواح، وتتهادى إلى الأسماع معلنة أنه لا إله إلا الله، وأنه لا أكبر من الله. والأذان من الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، فقد قال الله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) فصلت, ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عليه لَاسْتَهَمُوا، ولو يَعْلَمُونَ ما في التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، ولو يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا..

المؤذن في الرسالة المسجدية ودوره.

هو عنصر هام في المسجد لا يمكن الإستغناء عنه أبدا، فهو المنادي بالنداء الصوتي بدخول أوقات الصلوات، ودعوة المسلمين لأداء الصلاة في وقتها وعلى إثره يتجمع الناس لأداء هذا الواجب، والأذان وسيلة ومقصد في آن واحد، فهو وسيلة لأداء الصلاة المفروضة في جماعة، لإجتماع الناس وتوجههم. يعتبر المؤذن عنصر مسجدي فاعل بشكل كبري في مختلف الأنشطة المسجدية التي يضطلع بها داخل المجتمع الإسلامي، وأن وظيفته تتطلب منه أن يكون على إلمام وإستيعاب تام لمختلف المهام المنوطة به، مع التحلي بمجموعة من القيم الأخلاقية التي تعينه في أداء مهمته وتجعله محبوبا مقبولا لدى الجميع من رواد المسجد. فمقام المؤذن يتميز بمكانة خاصة في الإسلام. كما يقوم بتلاوة بعض الأذكار والأدعية في أوقات معينة خلال اليوم، قبل صلاة الفجر وبعد صلاة العشاء.

ومن بين هؤلاء الرجال من قيل في حقهم المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة المؤذن النموذج الرجل الأسطورة الذي لا تكفي ألاف الكتب لكتابة حكايته مع المسجد ومع الأذان رغم فقدانه للبصر وعجزه الصحي وكبر سنه على مدار عقود من الزمن والذي لا نستطيع أن نوفيه حقه في هاته السطور وبالله التوفيق نقدمه لكم في هاته الومضة رحمه الله. فمن هو ياترى؟

هـــــــــــــــــــــــــــــــــو:

المجاهد قرادة محمد بن موسى بن عيسى بن أمحمد بن الساسي بن أمحمد بن عبد السلام ولأمه سلامات فاطنة بنت الساسي. أصله ونسبه من عرش أولاد علوش فرقة أولاد موسى بمتليلي الشعانبة.

مـيــــلاده:

ولد العم قرادة محمد سنة 1916 بمسقط رأسه متليلي الشعانبة, نشأ وتربى وترعرع فيها, وقضى فترة شبابه رفقة إبن عمه قرادة محمد بن أحمد, في غابة سلامة (سلامات) بحي الحديقة بمتليلي.

زواجه و أولاده:

رجع العم محمد قرادة إلى مسقط رأسه متليلي الشعانبة وأكمل نصف دينه وتزوج بتاريخ سنة 1945, وخلف ستة 06 أولاد. ذكور وإناث.

                           مصادر دخله ورزقه:

إنتقل رفقة إبن عمه إلى مدينة غرداية طلبا للرزق خلال نهاية الأربعينات. ونظرا للحالة المعسرة, وكباقي أبناء متليلي الشعانبة نظرا للحالة المادية التي عرفتها المنطقة من فقر وحرمان وإنعدام وسائل العيش. إنتقل إلى الجزائر العاصمة وإشتغل بها كحارس بالبلدية. وبعد زواجه عاد إلى غرداية حيث مارس تجارة الخضر والفواكه بشارع زقاق الخضرة, إضافة إلى التجارة إشتغل في الأعمال الحرة منها مهنة البناء. وأستقر مسكنا بحيث بنى منزلا هناك بحي عين لوبو بغرداية, رفقة إبن عمه محمد بن أحمد بن عيسى. وبتيسير حالتهم المادية قام بإنشاء متجر بجانب منزله وبدأ فيه ممارسة التجارة.

                        حسه النضالي والثوري:

تشبع العم قرادة محمد بالحس الوطني وغيرته على دينه وعرضه ووطنيه والعمل على حمايتهم, والتي ترعرع عليها في أحضان أسرته , كونه من أسرة سليلة الثوار والجهاد عن كابر, منها أحد أبناء عمومته الذي هاجر أياميها إلى الغرب الجزائري بمنطقة وهران وحط الرحال بالضبط بطفراوي وسكن به وإستقر حتى أصبح يحمل إسم دوار القرايدية نسبة لعائلة قرادة. والشهيد قرادة بلقاسم بن عيسى, الشاب الذي شارك في المقاومة الشعبية للشيخ بوعمامة وأستشهد في معاركها رحمهم الله. وإبن عمه المجاهد قرادة محمد بن أحمد بن عيسى. أصيل متليلي الشعانبة, المزداد خلال سنة 1899. وتوفي بمنزله في الثاني 02 من شهر فيفري سنة 1960. يومين بعد خروجه من السجن. الذي مكث في السجن قرابة السنة. بعد إكشتف أمره نشاطه للإستعمار الفرنسي ووجود المركز السري بمسجد سيدنا حمزة بعين لوبو بغرداية.

                            نضاله ومشاركته الثورية:

إنخرط في النضال وسخر مسكنه بعين لوبو بمقر إجتماعات للمجاهدين، فصار إبان الفترة الإستعمارية والحرب التحريرية مركز للمجاهدين وشارك في الثورة التحريرية كفدائي وسخر منزله مركزا للمجاهدين.

عضويته بالمجلس البلدي المالكي لثورة التحرير بغرداية:

في إطار عملية تنظيم المجالس البلدية للناحية, عقد إجتماع بمنزل المجاهد بن خليفة محمد بن قدور رحمه الله بحي الخراجة بغرداية. بقيادة السيد جغابة محمد أين عرض عليه رئاسة المجلس فرضفه وأمام رفضه كلف السيد بن خليفة الحاج عمر الذي رفض اللجنة هو الأخر في البداية, لكنه قبل بالأمر وترأس المجلس والذي شكلت خليته من المناضلين الآتية أسماؤهم وهم على التوالي: علي زهواني –ساسي بوشليقة (بوعروة) –محمد قرادة –معطالله ددوش –عيسى اعمير –محمد قباني (حمودي) قاويدر زيان (بني) –وأحمد بن عمارة لروي, حسب ما جاء في كتاب الحركة الوطنية والثورة التحريرية بناحية غرداية إداريا وتنظيما. لمؤلفه الدكتور محمد عبد الحليم بيشي, صفحة 204, حسب التسجيل الصوتي الذي أجري مع المجاهد بن خليفة الحاج عمره بمنزله بالسوارق بمتليلي بتاريخ 16/05/2009.

                           مساهمته المادية للثورة:

ككل جزائر حر غيور على دينه وعرضه و وطنه, ساهم محمد قرادة بمساهمة قدر الإمكان, بحيث كان جاره السيد أولاد سعيد بلقاسم المعروف بإسم بلقاسم العسكري نسبة للوظيفة التي يشغلها حكم عمله بالجيش الفرنسي برتبة مساعد أول. كان يسرب له المعلومات وينقلها العم قرادة الحاج محمد بمعرفته للمجاهدين ويمده بعض الأسلحة من مسدسات ورشاشات, إصافة إلى المؤنة من الأحذية العسكرية, والتي يوصلها إلى المجاهدين كل من قرمة بوجمعة, عيسى عمير, رزمة ومحمد بن شعاعة رحمهم الله.

مهامه بثورة التحرير:

كلف العم قرادة محمد بإيواء وإطعام المجاهدين إبان حرب التحرير, تحت أوامر المجاهد كل من بن شعاعة الحاج محمد وزاوي سيد الشيخ محمد(سي عبد المجيد) ومشطن الحاج أحمد بن جلول رحمهم الله. وذلك حسب شهادتهم الخطية.

كما كان مكلف بالإتصلات ونقبل الأخبار المتحصل عليها للمجاهدين ومسؤوليهم.

الجانب الروحي الصوفي:

تعلقه بالجانب الروحي الصوفي من الذكر و التسبيح، خصص غرفة من منزله جعلها مجلس ذكر يجتمع فيها الفقراء ( الفقراء إلى الله ) من أهل الزهد والتعلق بالله الواحد الأحد الفرد الصمد. يقومون فيه كل يوم إثنين من كل أسبوع. بقراءة أورادهم في ذكر الله بالتصلية والتسليم على النبي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم صلاة دائمة تملآ الأرض اليوم و غدا أبدا وسرمدا. وكان فقيه في المذهب المالكي وملم بباقي المذاهب وعلى إطلاع دائم بالفتوى.

مساهمته في بناء مسجد حمزة :

ساهم الحاج محمد قرادة سنة 1954 في بناء مسجد السيد حمزة وكان عضو مؤسس رفقة كل من المجاهدين زيان الحاج قويدر بني, بوشلقة الساسي, جعني محمد, علي الزهواني و عمير الجيلالي و إخوته و آخرين رحمهم الله.

دور المسجد في ثورة التحرير الوطنية:

بعد بناء المسجد تم تحويله إلى مركز للمجاهدين ليكون أكثرا أمنا بدلا من منزل العم محمد قرادة المذكور سالفا, وأشرف محمد قرادة على المركز الجديد الذي كان متمثلا في غرفة لها باب خارجي ومدخل سري داخل المسجد تستعمل في الأصل مكان لتجهيزات الأموات الأكفان والنعش والمغسل والتي لم يتفطن لها الجيش الفرنسي حتى شهر ديسمبر 1959.

توليه مهمة الاذان:

ببناء مسجد سيدنا حمزة رضي الله عنه أصبح مؤذنا له, متطوعا في سبيل الله. وظل مواظبا عليه إلى غاية سنة 2005 تاريخ عجزه وعدم قدرته على قيام المهمة. إضافة إلى مهمة الاذان كان يقوم بتنظيف المسجد والميضأة وتهيئتها للمصلين، كما يقوم في فصل الشتاء وموسم البرد بتسخين الماء الدافئ للوضوء.

لم يبخل العم الحاج محمد قرادة بالقيام بأي جهد في سبيل الله وخدمة المسجد، فكان يقوم رفقة عائلته أمسية كل خميس ليلة الجمعة بتنظيف المسجد وتنقية الأفرشة لأجل راحة المصلين كل يوم جمعة بكل أريحية. لم يكتفي العم قرادة الحاج محمد بما يقوم به في سبيل الله وخدمة المسجد ورواده وعماره, فكان يقوم في كل سنة خلال شهر رمضان المعظم, الشهر الفضيل, في أخر ثلث كل ليلة بالوعظ في المسجد, بحيث كان يوقظ الناس لإعداد وتحضير السحور وتناول وجبتهم. مرددا بصوته الرخيم وحنجرته الذهبية بمقولته الشهيرة التي مازالت ترددها الأجيال المتعاقبة إلى يومنا هذا. قوموا قومو ا لا تناموا هذا وقت الخير جاءكم

سار الليل مع نجوم أصبح مع كل نذير

قوموا قوموا لاتناموا وإلى ما سار يسير

يكررها ثلاثة 03 مرات في كل ليلة وقت السحور. وبعد الأذان الأول كان يقوم بالتسبيح, فكان يردد ( سبحلن الله ويحمده سبحلن الله العظيم ) ثلاثة 03 مرات. و يضيف ( أستغر الله العظيم وأتوب إليه ) مرة 01 واحدة. ويشير إلى بداية الإمساك والتوقف عن السحور والإمساك, و بعد 10 عشرة دقائق يؤذن لصلاة الصبح.

حبه للقرآن وطلبته وأهم وصاياه:

كان العم قرادة محمد, يقوم في سنوات 70 السبعينات, بأخذ الطلبة للشيخ سيدي محمد بلكبير في زاويته بادرار, وذلك لحفظ القرآن وتعلمه والعمل به وتكوينهم الديني. ومن أهم وصياه للجميع الحرص على تسمية إسم محمد (نسبة لسيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه) وبالتصلية والتسليم عليه والإكثار منها.

فقدانه للبصر وإستمراريه بكل تحدي:

فقد العم محمد قرادة بصره سنة 1974 ورغم ذلك لم يتخلى عن عمله وظل مواظبا على عمله التطوعي لمسيرة حافة بنصف قرن وأزيد من سنة 1954 تاريخ إنشاء المسجد إلى غاية سنة 2005 تاريخ مرضه العضال. صارع فترة مرضة على غاية أخر أنفاسه وبتاريخ 15 جويلية سنة 2008, فاضت روحه إلى بارئها. وشيعت جنازته في موكب جنائزي مهيب رحمه الله.

المراجع:

عن عائلة الفقيد الأستاذ قرادة الحاج موسى وأبنائه كل من عبد الكريم وتوفيق.

كتاب مسجد حمزة الموسوم بعنوان مسجد حمزة تاريخ من النضال والتعليم. لمؤلفه الأستاذ قباني عمار.

كتاب الحركة الوطنية والثورة التحريرية بناحية غرداية إداريا وتنظيما. لمؤلفه الدكتور محمد عبد الحليم بيشي أستاذ أكاديمي باحث في تاريخ المنطقة.

الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون –باحث مؤرخ. أمين ولائي سابقا للدراسات والأبحاث التاريخية بولاية غرداية وعضو المجلس الوطني للمنظمة الوطنية للمجاهدين بالجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى