يا غسان في ذكراك الخمسين لا تعود
راسم عبيدات
يا غسان يامن كنت مدرسة ث و ر ي ة،وما زالت تعاليمك وأفكارك قبلة كل الممسكين بقيم ا ل ث و رة والنضال،والقانعين بأن تكلفة ا ل م ق ا و م ة أقل بكثير كلفة من الخنوع والإستسلام،ويامن بشرت بوقت مبكر بشعراء ا ل م ق ا و م ة الراحلين درويش وزياد والقاسم،ويا من كنت تلح على جماهير شعبنا ان تدق جدار الخزان،وأن تبحث عن خلاصها الجمعي لا الفردي،ويا من كانت كتبك ورواياتك زاد كل المثقفين وا ل ث و ر ي ي ن،وانت من قالت رئيسة وزراء الكيان أنذاك غولدا مائير يوم اغتيالك، اليوم تخلصنا من كتيبة ” مخربين” والمقصود هنا م ق ا و م ي ن،دلالة على أهمية الكلمة الملتزمة،والتي تاثيرها أقوى من الطلقة ،وأنت من خاطب الناقد والروائي الكبير المصري الراحل يوسف ادريس أبناء شعب فلسطين بالقول، “يا شعب فلسطين اقرؤوا كتب غسان مرتين،مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور، قبور الثقافة بلا ث و ر ة و ا ل ث و ر ة بلا ثقافة”.
غسان يا رفيقنا لو عدت اليوم وعلى رأي الروائي الكبير رفيقك في الخلود الطاهر وطار،فليس زمننا بالحراشي فقط،بل ما بعد مرحلة الحراشية، فحتى ا ل ث وار لم يعودوا ثو اراً …والأحزاب لم تعد تلك الأحزاب معظمها شلح ثوبه وخلع جلده ويرتزق علي ابواب السلاطين،وشباب اليوم لم تعد تجذبهم لا كتب غسان ولا الطاهر وطار ولا حنا مينا ولا عبد الرحمن منيف ولا مكسيم غوركي ولا تولستوي ولا مكارنيكو ولا ارنست همنغواي ولا حتى اميل حبيبي..أما اذا سألت عن ابا الخيزران …فهو ليس فقط حي يرزق فينا،بل استولد اباء خيزران كُثر يهرولون ويطبعون ويعقدون الأحلاف الأمنية والعسكرية الإستراتيجية مع دولة الكيان،وأبعد من ذلك يُعدون أنفسهم،لكي يكونوا ضمن تحالف امني اقتصادي شرق اوسطي “ميسا” برعاية أمريكية،تكون دولة الكيان القائدة فيه،ويكونوا هم رأس الحربة في الدفاع عنها.هل كنت تحلم في اشد كوابيسك ان تصل بنا الحالة الى هكذا وضع عربي متعفن ومنهار يا غسان..؟؟؟ .
أما عندنا في فلسطين يا غسان التي ولدت فيها وأفنيت عمرك تكتب عنها وتدافع عنها وا س ت ش ه د ت من أجلها ، فقد اضحى التنسيق الأمني عند سلطة أوسلو مقدساً،لا يجوز المساس به…وحقوقنا ننتظر اخذها بالإنتظار أن يجلب لنا قدوم” غودو” بتغير حكومات الإحتلال والإدارات الأمريكية تلك الحقوق،ونحن نعرف أنه مهما انتظرنا،وبقينا نراهن على مسار المفاوضات العبثية،فإن “غودو” لن يأتي وتلك الحقوق لن تسترجع،والكثير من المناضلين أفرغوا من مضامينهم النضالية والكفاحية،وتم ربطهم اقتصادياً بالسلطة ومؤسسات النهب الدولية من صندوق نقد وبنك دوليين،وبات جزء ليس بالقليل منهم يبحث عن الرتب والرواتب، ثو ر ت ن ا يا غسان وسلطتنا التي ترزح تحت الإحتلال،والتي هي سلطة بدون سلطة، اصبح فيها الكثير من الأولوية والعمداء والعقداء،بل وحتى الفريق،حتى يخيل لي اننا نتفوق على الصين الشعبية التي يناهز تعداد سكانها المليار ونصف نسمة في اعداد تلك الرتب،واطمئن يا غسان أنت وكل ا ل ش ه د اء من شعبنا،فقد اصبحنا نتلقى الرواتب من خلال مغتصب ارضنا ومحتلنا.
أما اذا سألتني عن الشعوب الغارقة في فقرها وجوعها زاد عليها فوق كل هذه الهموم والمصائب،هم الجهل وثقافة الهبل والدروشة والشعوذة والحجر على عقولها،وهي تهتف منومة ورغم كل ما تتعرض له من “طحن” فهي لم تثور ولا اتوقع ان تثور قريباً،فمعظم احزابها وتعبيراتها الحزبية” مخصية” يا غسان،وهي كذلك تطارد لقمة العيش من الصباح حتى ما بعد ساعات المساء،بالكاد تؤمن احتياجاتها الأساسية.
يا غسان بلغ رفاقك واخوتك من الحكيم وابا عمار وابا علي مصطفى والوديع وابا جهاد والشيخ احمد ياسين والرنتيسي والشقاقي ونزال والقاسم وابا العطايا وتلك القائمة الطويلة من ش ه د اء الوطن، بأن لا يعودوا في هذه المرحلة الحراشية،رغم كل الحاجة الضرورية والملحة لعودة أمثالكم،فالقادة الموجودين على الساحة،ليس فقط سينكرونكم، بل سيتنكرون لكم،ولكل ما تحملونه من افكار وقيم ومواقف،فمثلكم في هذه المرحلة غير مطلوب…فهذا ليس بزمانكم…فالصراع تم حرف اسسه وقواعده،ولم تعد دولة الكيان التي تحتل ارضنا عدواً،بل هناك من يسعون،لكي تكون جزء طبيعي من جغرافيا المنطقة،وابعد من ذلك،هي من تقود حلف عربان نادي التطبيعي العربي بشقيه القديم والحديث ،والصراعات الثانوية،بين دول المنطقة يجري تحويلها لصراعات رئيسية خدمة للمشروع الأمرو ص ه ي و ن ي،وتصبح ايران ومحورها في المنطقة هي العدو.
تصور يا حكيم سوريا قلب العروبة النابض،والتي كانت دوماً قبلة كل ال ث و ر ي ي ن العرب،والحاضنة لهم،أصبحت مصر التي كنا نقول أنها أم الدنيا،وقائدة المشروع القومي العربي،والتي كانت في عهد الزعيم الخالد الكبير جمال عبد الناصر،تهتف الجماهير العربية باسمها من المحيط الى الخليج،والتي شكلت التوأم مع سوريا على الدوام في حماية الأمن القومي العربي،والدفاع عن الحقوق العربية، في هذا الزمن الحراشي،وفي وقت حول البعض فيها من أمثال ال سي سي،مصر الى دولة تابعة للمشيخات الخليجية تصادر دورها،وترهن قرارها للبترودولار الخليجي،ولتصل الأمور الى مرحلة أن ترفض مصر عودة سوريا العضو المؤسس في الجامعة العربية الى تلك الجامعة،والذي لا أرى أي شرف لسوريا بالعودة اليها بعد أن “تعبرنت”.هل هناك أردء من هذه المرحلة يا غسان،دولة الكيان تصبح عضواً في تلك الجامعة وسوريا يتم اخراجها منها…؟؟
يا غسان أبقى انت ورفاقك واخوتك من ا ل ش ه د اء و ا ل ثو ر ي ي ن حيث أنتم،ولكن رغم كل رداءة وقساوة المرحلة،فهناك بؤر مضيئة تكبر وتتسع على طول وعرض فلسطين والعالمين العربي والإسلامي،وهناك متغيرات كبرى تحدث على مستوى العالم يا غسان،بلغ الحكيم بأن أمريكا زالت رأس الحية وعدوة الشعوب رقم واحد،ولكنها لم تعد شرطي العالم،ولا المتحكمة في رقاب الشعوب،مشروعها يتراجع ويتهاوي،وفجر العالم متعدد القطبية الأكثر عدالة وإنسانية،يبزغ على يد بوتين القائد الروسي،الذي يستعيد امجاد روسيا القيصرية،والذي يشكل انتصاره على أمريكا ودول الغرب الإستعماري،انتصار لكل الشعوب المضطهدة والمظلومة،التي عانت وتعاني الويلات من قبل أمريكا ودول الغرب الإستعماري.
ذكراك يا غسان ستبقى خالدة في ضمير وذاكرة كل المناضلين والشرفاء والمدافعين عن حقوقهم وأطاونهم،وكل من ينشدون الحرية والإستقلال لشعوبهم،والعدالة لشعوب البشرية جمعاء .
فلسطين- القدس المختلة