ويستمرّ جرح غزة النازف…
ويستمرّ جرح غزة النازف…
عبد العزيز كحيل
يظن البعض أنه ليس مسؤولا عما يجري في غزة من إبادة وتجويع وتشريد لكن المتأمل في كلام الله تعالى يجد خلاف هذا الظن، فالذي قتل ناقة صالح رجل واحد (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر) ولكن الله حمّل قومه جميعا جريمة القتل، حمل المجتمع كله المسؤولية، فقال عز من قائل( فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم.)…أي ذنب اقترفوه؟ هو اللامبالاة والتزام موقع المشاهدة والتفرج، وكان ينبغي أن يفعّلوا آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بيد المجرم المعتدي، والمسؤولية في حال غزة درجات أعلاها دور الأنظمة الحاكمة ثم علماء الدين والنخبة الموجّهة للمجتمع ثم عامة المسلمين كل حسب طاقته من قول كلمة وكتابة سطر وبذل مال وصولا إلى أضعف الإيمان وهم الإنكار بالقلب، وكل دم يراق في غزة هو في رقبة حكام المسلمين لأنهم قادرون على إيقاف الحرب، وبينهم دول تملك السلاح النووي والقدرة الاقتصادية الكبيرة والنفوذ السياسي المناسب، وكذلك في رقبة شيوخ الضلال الذين يزينون حكمهم الظالم، والذي يخشاه كل مؤمن تقي أن يكون أطفال ونساء وشيوخ ومجاهدو غزة خصومنا يوم القيامة، فقد تركتهم الأمة للقصف والجوع والتشريد، واشتغلنا نحن وشيوخنا الأشاوس بنوافل العبادات ونحن فرحون مسرورون، ولم تنتبه أننا نزلنا من التديّن الواعي البصير إلى التديّن العاطفي الشكلي الذي يعمل بقول الله ” كتب عليكم الصيام” ولا يعمل بقوله “كتب عليكم القتال” ، والعبارتان وردتا في نفس السياق، فهما متكاملتان في النسق الإيماني الأصيل الذي يعكس شمولية الإسلام ويرفض تبعيضه، فكان ينبغي أن ينخرط جميع المسلمين في الهمّ الغزاوي ويكون كل من يحبون الله ورسوله ويفهمون معنى الأخوة الإيمانية جميعا مجاهدين في غزة: رجال المقاومة هناك بالسلاح ونحن بالمال والمقاطعة والكتابة وتوثيق جرائم الصهاينة وبث صور البطولات القسامية والعمل التطوعي المنظم لإيصال المساعدات وكذلك الدعاء الحار الصادق المتواصل، فلا يجوز أن نمل ولا أن نعتاد مشاهد التقتيل والتجويع والتشريد، مع العلم أن غزة لا تستجدي لكنها تقاوم و تجاهد وتصمد وستنتصر بإذن الله، أما باقي المسلمين فعليهم أن يستفيقوا وينتبهوا ويعملوا على عودة الروح إلى كيانهم، فهم يعيشون تناقضات مؤسفة، فقد قال تعالى “كتب عليكم الصيام” فصاموا بكل حماس وجد، وقال “كتب عليكم القتال” فتقاعسوا…لم يذكر التراويح في القرآن ومع ذلك نتمسك بها تمسكا شديدا وقال “انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم” فلم ننفر لا خفافا ولا ثقالا ولم يبذل أغلبُنا ماله فضلا عن نفسه…والحقيقة التي لا بد من الصدع بها هي أننا نحن المسلمين نتألم ونتحسر لما يصيب غزة، ونلوم الصهاينة والأمريكان لكن أصل البلاء هو جُبنُنا وخنوعُنا وغيابُنا عن صناعة قرارنا فانتهينا إلى العبودية والذل، لا نستطيع إغاثة إخواننا بشربة ماء وعددنا 2 مليار لكننا – مع الأسف – صدق فينا وصف من لا ينطق علن الهوى غثاء، أمة ترضى بالتديّن الشكلي ولا يحركها انتهاك الحرمات وتقتيل الأبرياء، فمتى تدرك أن الحرية هي الخطوة الأولى لعودة الحياة، ولولا الترنح تحت أغلال الاستبداد والغفلة والسلبية ما حدث لغزة هذه التقتيل الذي قلّ نظيره في التاريخ، لكن كثيرا من الزعامات العربية تعيش على حلم فناء غزة وإزالتها من الوجود، فهي الشريف الوحيد بينهم، تصمد وتذكرهم بخياناتهم…في المقابل بينت الحرب على غزة بجلاء أن الكيان الصهيوني يحتلّ العالم كله ويفعل به ما يشاء، وما زال يحاول احتلال فلسطين لأن الأرض الحرة الوحيدة من المحيط إلى الخليج هي غزة، تلك البلاد التي نقلت القرآن من الحفظ والمسابقات والأصوات الجميلة والعناية بمخارج الحروف إلى العمل به والجهاد والبطولة، لهذا لا يطيقونها لكنها تبقى في وجدان كل عربي ومسلم هي أم الدنيا، وبلد مليون شهيد، وأرض الرباط، ومقبرة الغزاة، هي أغلى عندنا من بترول الخليج، هي عاصمة العطور بدل باريس…وللناس العالم كله ولنا غزة…لقد طال زمن إيهام الجماهير ووجب إزالة الأوهام عن أعينهم وأذهانهم.
اخيرا أثبتت حرب غزة أن انتصار الإسلام والمسلمين على قوى الشر أمر ممكن جدا، يجب أن نبدأ عملية التحرر الوجداني والثقافي والسياسي ونعود إلى ديننا وأخلاقنا وقيمنا، بالثبات والتضحية والبذل ننتصر في كل مكان، قوى الشر أصبحت كلها مكشوفة فعلى المسلم أن يبرح موقف المتفرج والمحايد، ليصطف بوضوح مع الحق ضد الباطل…الأحرار في العالم كله يعبرون يوميا عن تقديرهم للمقاومة وحبّهم للإسلام وبغضهم للصهاينة والمتواطئين معهم، فاخرجْ من قوقعتك أيها المسلم وقل بملء فيك: “أنا مسلم، إذًا أنا صاحب همة عالية، أنا إيجابي، أستطيع أن أفعل شيئا”.