وضعية الاقتصاد العالمي … رؤية صندوق النقد الدولي و البنك الدولي

غازي أبو نحل
في تشرين الأول/ اكتوبر 2021 التقى رؤساء دول وحكومات ووزراء مال وحكام مصارف مركزية ومصرفيين من مختلف دول
العالم، في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لمناقشة الانتعاش المتفاوت الذي يشهده الاقتصاد العالمي، ووضع حلول لتعزيز الاستجابة العالمية في مواجهة جائحة كوفيد- ١٩، واستكشاف السبل التي تكفل مشاركة جميع البلدان في مسيرة خضراء قادرة على الصمود وشاملة للجميع لتحقيق الاستقرار والنمو.
لم تمض سوى ستة اشهر منذ ذلك الحين، لكنها في نظر الكثيرين تبدو كأنها عمرٌ كامل. اذ على الرغم من ان المجتمع الدولي ما زال يكافح الكثير من التحديات نفسها التي تمت مناقشتها في تلك الاجتماعات، ظهرت ايضاً سلسلة من التحديات الإضافية. فالحرب في أوكرانيا تدمّر المجتمعات المحلية هناك، وتشرّد ملايين من الناس، وتخلّف تداعيات اقتصادية واجتماعية في شتى ارجاء المعمورة، وتضفي مزيداً من الغموض على الاسواق العالمية وخطط الانتعاش الاقتصادي. وما برحت جائحة كوفيد_ ١٩، على رغم تراجع حدّتها، تعطّل سُبل حياة الناس وارزاقهم في كل بلد تقريباً على وجه الارض، وتلوح في الافق نُذر ازمة غذائية يذكّيها ارتفاع كبير في اسعار القمح والاسمدة والوقود، بما يُنذر بتفاقم الحرمان من الامن الغذائي ويهوي بملايين آخرين من الناس في دركات الفقر والحرمان.
في ظل هذه الظروف، عُقدت اجتماعات الربيع 2022 لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي اتابعها سنويًا، مع اجتماعات الخريف، نظراً لأهميتها في عرض الوقائع وطرح الحلول اللازمة، وفيها التقى واضعو السياسات والخبراء والقادة وغيرهم من اصحاب المصلحة الرئيسيين، لمناقشة مثل هذه التحديات والمشاركة في سلسلة واسعة النطاق من الفعاليات وتصميم سبل المضي قدماً للبناء على السياسات والبرامج التي تقوم مجموعة البنك الدولي وشركاؤها بتنفيذها. وقد شملت هذه الانشطة، على سبيل المثال لا الحصر، تقديم اكثر من ٢٠٠ مليار دولار لمساندة التعافي من جائحة كوفيد- ١٩، الى عملاء في القطاعين العام والخاص، وتوفير ٢٦ مليار دولار لدعم جهود مكافحة تغير المناخ في ٢٠٢١، والاعلان مؤخراً عن تعهدات بتقديم نحو ١.٥ مليار دولار مساندة لأوكرانيا، اضافة الى اكثر من ٧٠٠ مليون دولار، تم تقديمها في بداية الحرب هناك.
توقفت ملِّياً عند بيان لجنة التنمية، وهي منتدى على المستوى الوزاري يمثل 189 بلداً عضواً في المؤسستين، الذين اشار الى ان آثار تلك الازمات ستكون اكثر وطأة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، لا سيما بين الفئات الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية، بمن فيهم النساء والأطفال. وأضاف البيان أن التعافي الاقتصادي معرض للخطر في خضم التوترات الجيوسياسية، مع تأثر الاستثمار والتجارة والنمو، حتى في الوقت الذي تواجه فيه البلدان مزيدا من المخاطر من جراء جائحة كورونا وتفاوت توزيع اللقاحات.
رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس وصف في كلمته أمام اللجنة كيف تؤثر هذه الأزمات على الاقتصاد العالمي. وشدد على الفظائع التي أرتكبت بحق المدنيين والخسائر في الأرواح وسُبل كسب العيش بسبب الحرب المدمرة. وتطال تداعيات هذه الحرب الجميع في العالم، حيث يؤثر ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية بسرعة على الفئات الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية، لاسيما في أفريقيا والشرق الأوسط.
يقتضي هذا الوضع سرعة في التحرك لضمان الدعم المستمر والقوي للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في أثناء تعاملها مع هذه الأزمات المتعددة. وكما أوضح مالباس في اجتماع مائدة مستديرة مع وسائل الإعلام في بداية الاجتماعات فأن المجموعة تعمل على إعداد استجابة لمواجهة الأزمة بقيمة تبلغ نحو 170 مليار دولار من القدرات التمويلية لتلبية الاحتياجات واسعة النطاق للبلدان المتعاملة معها خلال الفترة بين أبريل/ نيسان 2022 ويونيو/حزيران 2023. وستكون هذه الاستجابة على غرار الزيادة السريعة في الموارد التمويلية التي قدمتها مجموعة البنك في الاستجابة لجائحة كورونا التي بلغت 157 مليار دولار على مدى 15 شهراً لمساعدة البلدان على معالجة الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة.
صحيح ان الحرب في اوكرانيا تصدّرت جدول اعمال وتفكير اجتماعات الربيع، الّا ان هذه الاجتماعات قد نظمت وعقدت سلسلة من الفعاليات العامة لتعزيز الحوار بشأن التحديات الإنمائية الرئيسية المستمرة، حيث ناقش واضعو السياسات والخبراء والشخصيات المؤثرة وغيرهم من الأطراف المعنية الرئيسية مسائل التنمية الرقمية والعمل المناخي والتجارة والدعم والهشاشة والديون ورأس المال البشري.
في الحديث عن التنمية وأهميتها وضرورة مساندة المجتمع الدولي لها وكذلك صندوق النقد والبنك الدوليين، وعلى ضوء التجارب المتعددة، نتوقف عند الآتي:
• تُحدث التكنولوجيات الرقمية تحولات في طبيعة العديد من الوظائف والخدمات؛ ويمكنها المساعدة في تحقيق النمو والرخاء على المدى الطويل، فضلاً عن بناء القدرة على الصمود في وجه الأزمات. لكن الكثير من الناس في البلدان النامية لا يزالون غير متصلين بشبكة الإنترنت أو أنهم لم يستفيدوا منها بعد. وهناك حاجة إلى التزام جماعي من القطاعين العام والخاص لسد تلك الفجوات وبناء اقتصاد رقمي مُنصِف للجميع.
• لمعالجة تغير المناخ والتنمية على حد سواء، يجب علينا الانتقال من التعهدات رفيعة المستوى إلى العمل الحقيقي الملموس، بما في ذلك الاستثمارات الكبيرة التي تدعم التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون وبناء القدرة على الصمود.
• تحتاج الاقتصادات الهشة والمتأثرة بالصراعات إلى الاستثمار وقطاع خاص مفعم بالحيوية لإيجاد فرص العمل، وتحقيق النمو الاقتصادي واقامة البنية التحتية. ويمثل النزوح القسري ازمة عالمية، لكن السياسات والاستثمارات الشاملة للجميع يمكن ان تمكّن اللاجئين من المساعدة في تحقيق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي.
• وحتى تصِّب الديون في صالح التنمية، يجب أن نسمح بسرعة إعادة هيكلة الديون؛ وأن نساند تخفيضات متوسطة الأجل في أعباء الديون التي لا يمكن الاستمرار في تحملها؛ وإيجاد ممارسات أفضل حتى يكون الاقتراض في المستقبل قابلاً للاستمرار، مع تعزيز الشفافية والمساءلة عن عقود الديون.
• كانت البلدان مبتكرة في بناء رأس المال البشري وحمايته – أي ما يحتاجه الناس من معارف ومهارات وصحة لتحقيق كامل إمكاناتهم – حتى مع تقويض الكثير من مكاسبهم بسبب جائحة كورونا. ومن الضروري مواصلة الالتزام السياسي والتمويل من أجل تعزيز رأس المال البشري ومساندة تحقيق نمو أقوى وأكثر شمولاً.
في خطابه في وارسو، حثّ مالباس البلدان على اتخاذ إجراءات لتفادي حدوث أزمة غذائية عالمية، وإبقاء الأسواق مفتوحة، وتشجيع تدفقات الاستثمار، وشدد على ضرورة قيام البلدان بتوسيع قاعدة الاستثمار وتجنب تركيز الثروة والدخل في شرائح ضيقة من السكان. كما أشار إلى أن ضمان الأمن والاستقرار والسلام يستلزم بذل جهود مستمرة لتدعيم المؤسسات والحد من عدم المساواة ورفع مستويات المعيشة. وفي الختام، أكد على أن مجموعة البنك الدولي شريك ملتزم في هذه الجهود، حيث قال: “يمكنكم التعويل علينا ونحن نعول عليكم لمساندة النُهُج المبتكرة في الخطوط الأمامية للتنمية. وهنا يمكننا الفوز في المعركة ضد الأزمات المتعددة التي نواجهها.”
ان تضافر الازمات وتعددها وتشابكها وتفاقمها بسبب التحديات الناجمة عن تغيّر المناخ والدول الهشّة والهجرة القسرية وغيرها من التحديات الإنمائية… يُبرز بوضوح شديد الحاجة الملحة إلى تحرك المجتمع الدولي على نطاق عالمي، والدور الاساسي الذي يجب ان يضطلع به مجتمع التنمية الدولي في التغلب على هذه التحديات على نحو متزامن وخلق الظروف التي تكفل الحيلولة دون تكرارها في المستقبل.
غازي أبو نحل
رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات: Nest Investments (Holdings) L.T.D
والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى