وزير المجاهدين يشارك الاغواطيين احتفالاتهم بالذكري 170 لاحتلال فرنسا للمدينة الأغواط
وزير المجاهدين يشارك الاغواطيين احتفالاتهم بالذكري 170 لاحتلال فرنسا للمدينة الأغواط
تحيي ولاية الأغواط في الرابع من ديسمبر الذكرى 170 لعام الخلية في احتفالات متنوعة، يحضرها هذه السنة وزير المجاهدين وذوي الحقوق السيد العيد ربيقة أثناء زيارته التفقدية التي قادته لولاية الاغواط والتي دامت يومين، استهلها برفع العلم ووضع أكاليل من الزهور بمقبرة المقاومة 1952 ومقبرة شهداء ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 المجيدة.. ومنها الى اعطاء اشارة انطلاق حملة لتبرع بالدم بجامعة عمار الثليجي بالاغواط وكذا الاشراف على عملية رمزية للتشجير وزيارة معرض للصور الفوتوغرافية من تنظيم متحف المجاهد، كما قام بزيارة مجاملة وتكريم المجاهدين الدكتور بن التواتي التواتي والنشلة محمد، أما بمدرج السوفي محمد أعلن الوزير عن افتتاح الندوة الوطنية الموسومة بعنوان الابادة الفرنسية 04 ديسمبر 1852 التي تخللتها عملية تكريم لبعض المجاهدين وعلائلات الشهداء..
ولاسترجاع الذاكرة الجماعية للأغواطيين يسجل الشارع الأغواطي جملة من التظاهرات الاحتفالية المتفرقة كما جرت العادة أن تنعقد ملتقيات وتظاهرات بالمناسبة في الرابع من ديسمبر من كل عام تحت تسميات مختلفة فمنهم من يسميها بعام الخلية ومنهم من يطلق عليها ذكرى احتلال مدينة الأغواط ومنهم من يطلق عليها اسم تاريخ احتلال مدينة الأغواط.
تسجل ولاية الأغواط مرور 170 سنة عن تاريخ احتلال مدينة الأغواط من قبل جحافل الجيش الاستعماري بقيادة العديد من الجنرالات والكولونيلات وعلى رأسهم الجنرال “بوسكاريم” في 04 ديسمبر سنة 1852 الذي لا يزال قبره مشيدا بقلعة تيزقرارين بوسط مدينة الأغواط وإن كان جثمانه نقل إلى فرنسا منذ سنوات.. يُعتبر فتح الفرنسيين للأغواط هو فتح بوابة تطل منها على الصحراء حين إسقاط أعظم حصن منيع من الحصون التي كانت تحمي جنوب الجزائر من أي اعتداء قادم إليها من الشمال” بوسطه، شرقه وغربه”، دفع الأغواطيون حينها فاتورة دم باهظة تم خلالها استشهاد 2500 شهيد وهو ما يقدر بثلثي عدد سكان المدينة كما تكبدت فرنسا خسائر بشرية كبيرة من أهمها مقتل الجنرال “بوسكاريم” و10 من كبار الضباط السامين الفرنسيين، وبذلك سجل التاريخ مفخرة للأغواط على مر السنين ولم يستسلم الأغواطيون عندها بل خاضوا أشواطا كبيرة من المقاومات الشعبية بقيادة الأمير عبد القادر، والأمير خالد، وبن ناصر بن شهرة.
يذكر التاريخ أن فرنسا ظلت عدة سنوات تحسب الحساب لاحتلال الأغواط فجهزت الجيوش الجرارة استهلت بإرسال بعثة استكشافية في شهر ماي سنة 1844 تضم 1700 مقاتل تصدى لها أمير المقاومة في الصحراء بن ناصر بن شهرة فأبادها بأكملها، هو الأمر الذي أثار غضب فرنسا، فخصصت مكافأة سخية لمن يدلها على قادة المقاومة ومن أبرزهم بن ناصر بن شهرة الذي لم تعرف شكله ولقبته ” بالملثم والروجي” لأنها لم تعثر له طيلة حياته على صورة إلى أن تسلل إلى سوريا أين مات ودفن هناك. ومن هنا أدركت فرنسا خطورة الصحراء، فشنت حملة تأديبية سنة 1852بقيادة 03 جنرالات ” بريسي وماريموش وجوزيف برسنانتي”
لم تفلح فرنسا في احتلال المدينة التي كانت محاطة بسور يبلغ ارتفاعه 04 أمتار وعرضه 1,5 متر ويزيد طوله عن 03 كيلومترات تتخلله قلاع تشرف على المدينة وما حولها من خلال أبراج “البرج الشرقي والبرج الغربي وقلعة سيدي عبد الله”، ويعد السور بمثابة الحصن المنيع له 800 فتحة تتعلق بأغراض عسكرية وأربعة أبواب من أهمها باب الربط الذي فتحه أمامها بعض الخونة، لتتسلل من خلاله جنود الاستعمار إلى المدينة، وباستغلالهم لفرصة الصراع الداخلي بين أحميدة والسبايسي عن فحوى الاتفاقية التي تمت بين الجنرال “ماريموش” و القائد أمحمد بن سالم في وقت سابق.
تضمنت الاتفاقية عدم دخول الجيوش الفرنسية إلى مدينة الأغواط مقابل دفع جزية تتمثل في ضريبة سنوية إلى غاية 28 أوت 1844 لكن الثوار أضرموا فتيل المقاومة قبل الهجوم الفرنسي المباشر، وهو ما تؤكده التقارير الفرنسية بمتحف المجاهد.
ترأس الجنرال “بوسكاريم” قيادة الحملة الاستعمارية على الأغواط إلى جانب تحالف حمية عسكرية حاقدة للجنرالات الثلاثة ” فلادمير وماريموش وجوزيف رايسي” استهلت بمحاولة “الجنرال برايسي” في بعث الرعب في نفوس الأغواطيين بإرسال 04 جنود لإنذار السكان بالخطر اللاحق وإجبارهم على الاستسلام طواعية من غير مقاومة، فأقسموا بما أقسم به من قبلهم أحمد باي عند مساومته على الاستسلام وتسليم قسنطينة، أن يموتوا تحت أسوار المدينة دون تسليمها.
كان رد الأغواطيين عنيفا بقتل جنديين من الأربعة مما استدعى إلى استنفار الفرنسيين وتعزيز قواتهم وتحالف الجنرالات الثلاثة تحت لواء “بوسكاريم” في الرابع من ديسمبر سنة 1852، بلغ عدد جنود الجيش الفرنسي 7375 عسكري بالإضافة إلى 1200 جندي من فرسان العميلين حمزة وسيدي الشيخ المتمركزين بالقرب من مدينة بريان.
حاصر الجنرال “جوزيف” مدينة الأغواط من الناحية الشرقية وتمركز الجنرال “بريسي” بمنطقة رأس العيون شمالا، وتموقع بالناحية الغربية الجنرال فلاديمير ومعه 3000 جندي، وهو ما أدى إلى توزع المقاومين من وراء الأسوار للتصدي إلى الجبهات الثلاثة المفتوحة ضدهم في آن واحد، لكن تفوق فرنسا في العدد والعتاد وكذا تسلل بعض العملاء للظفر بمكانة مرموقة عندها أدى إلى إضعاف المقاومة وفلاح فرنسا في إسقاط المدينة تحت بسطتها.
قتل الجنرال بوسكاريم و10 من كبار الضباط الفرنسيين، ولم يبق في المدينة أكثر من 400 شخص، من أصل 3500 شخص بعد أن استشهد في المقاومة أكثر من 2500 شهيد وهجر الباقون.
حاول الفرنسيون حرق المدينة برمتها لكن الجنرال “راندو” عارض الفكرة باعتبار أن سكان الأغواط قاتلوا بشجاعة وشرف دفاعا عن مدينتهم.
عمت جثث القتلى الشوارع وبقيت منتشرة لمدة تجاوزت الستة أشهر قبل دفنها في قبر جماعي كما عمل جنود الاستعمار على حرق 256 شخص أحياء بعد وضعهم في أكياس.
ارتكب الاستعمار الفرنسي بالأغواط العديد من المجازر والجرائم، وفي الخصوص أكد المحاضرون على أن معركة الأغواط تعد أول معركة جرب فيها الاستعمار سلاح المدفعية بمادة “الكلورفوروم” التي تؤدي إلى عملية التنويم والشلل العضوي بتأثيرها على نشاط الدماغ حيث أطلقت نيران المدفعية المحملة ذخيرتها بمادة كيماوية على الساعة الـ 07 صباحا من يوم 04 ديسمبر سنة 1852، وبعد ذلك تم وضعهم في أكياس وحرقهم أحياءً وهم مخدرين، واستند الدكتور التلي في حديثه إلى تقارير “أوكسينال بودانوس” التي بعث بها آنذاك إلى قيادة الأركان الفرنسية الماريشال “فيالاتيه”، هذا التقرير المتضمن 60 صفحة، وهو موجود بحسبه لحد الآن في الأرشيف الفرنسي منذ أن كتب سنة 1853 يتعلق بوصف شامل للمادة الكيماوية ومدى نجاحها وتأثيرها على السكان ونقل صورة معبرة لحالة السكان بعد العملية البشعة وكذا طبيعة الجرائم المترتبة على السكان كما تناقلت الألسنة بعدها مقولة شعبية يجهل الكثيرون مفهومها “الأغواط زينة وفسدها الجيش” لكن حقيقتها حسب السيد التلي تحمل وصفا دقيقا لحجم الدمار الشامل الذي ألحقه الجيش الفرنسي الغاصب بمدينة هادئة تزينها الحدائق الغناء والقصور العالية والمساكن التي تحاكي فسيفساؤها العهد العثماني الحاكم والتي تزيد عن 40 ألف مسكن تتوسط واحات النخيل التي تتلقى ريها من ديمومة جريان “وادي الخير” الذي اختفى من خريطتها عن طريق تعدد الاستحداثات التنموية التي شهدتها المدينة عبر الزمن، كما كان السكان ينعمون ببساطة العيش الذي يقابله الكرم الفياض لقوافل العابرين إلى مختلف الوجهات من وإلى الصحراء.
لا يزال قبر الجنرال بوسكاريم يتوسط القلعة القائمة لحد الآن على قمة الجبل الذي يفصل بين واحتي المدينة الشمالية منها والجنوبية هذه القلعة العتيدة التي تشرف شرفاتها على كل من رحبة الزبتون وباب الجزائر وشارع الاستقلال وحي الغربية في الجهة الشمالية وأحياء الضلعة والصادقية والشطيط والطاقة في الجهة الجنوبية وهي على امتداد أكثر من 400 متر طولا و60 متر عرضا، اتخذ منها الاستعمار كقاعدة عسكرية فمستشفى للجيش وبقيت بعد الاستقلال مهملة إلى عدة سنوات لتتخذ منها شركة “الدي إن سي” مقرا لإدارتها وبعد إفلاسها استلمها الجيش الوطني الشعبي لأكثر من 10 سنوات ليعود فيعشش في أسقفها وشقوق جدرانها أنواع متعددة من الطيور كالدوري والحمام بل وحتى البوم إلى أن استلمها منذ 07 سنوات الديوان الوطني للآثار.
هذه القلعة التي كان من المفروض حسب العديد من المواطنين أن تكون بمثابة متحف للجهاد حتى تحتفظ بمكانتها كقلعة تاريخية شهدت مراحل متعددة من الاحتلال الفرنسي للأغواط ربما قد تحتاج إلى بعض اللمسات الترميمية والطلاء الداخلي لأن خارجها في غنا عن أي نوع من الترميم أو التعديل لما تتميز به القلعة من متانة وصلابة يعكسان صمود أهل المدينة في استمرار رفضهم للاستعمار أو الاحتلال… غانم ص