أحوال عربية

هل ينجح سيناريو استبدال الأسد بالجولاني!

سمير عادل

سورية ليست أفغانستان، لا من ناحية الجغرافية السياسية، ولا على صعيد البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع.

 وأيًّا كانت الأسباب وراء سقوط نظام بشار الأسد، أو أيّ تحليل أو تفسير في إطار ذلك، وكذلك أيًّا كانت صياغة لنظريات المؤامرة تشرح سقوط الأسد بهذا الشكل السريع، وفي خارج جميع التوقعات للمحللين والمراقبين ومراكز الدراسات، وحتى بالنسبة لأروقة العديد من المخابرات الدول المختلفة، فهناك حقيقة واحدة تفرض نفسها وهي؛ أنَّ تسونامي سياسي هو الذي عصف بالمعادلة السياسية في الشرق الأوسط، بعد زلزال السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ في عملية حماس على غلاف غزة.

الجغرافية السياسية والبنية الاجتماعية والثقافية لسورية عائقان أمام السياسة الأمريكية في تسليم سورية إلى الإسلام السياسي، كما سلمت أفغانستان الى الطالبان قبل ثلاث سنوات، أو كما حاولت تمرير مشروعها في احتواء الثورتين والمصرية وهبوب نسيمهما على المنطقة بتفويض الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين في حكم المنطقة، أو بإطلاق العنان لأجنحته مثل داعش والقاعدة، للعبث بأمن وسلامة الجماهير، كما حدث في سورية والعراق وليبيا واليمن.

صحيح أنَّ الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتعاون والتنسيق مع المخابرات التركية، قد قدمت كل أشكال الدعم للجماعات الإسلامية من كل حدب وصوب في سورية منذ عام ٢٠١١، لكن تداعيات ذلك الدعم ارتد على عمق تلك الدول عبر العشرات من العمليات الإرهابية، وخلقت حالة من عدم اليقين والفوضى ليس على صعيد المنطقة فحسب بل على صعيد العالم برمته، فضلا على تدفق ملايين اللاجئين التي ملئت بلدان المنطقة والقارة الاوربية.

أي بشكل آخر نقول، لا الدول الغربية المذكورة تريد إعادة تلك التجربة، ولا بلدان المنطقة تريد الخوض فيها من جديد، بما فيها تركيا التي لعبت دورا محوريا في دعم الجماعات التي وصلت الى دمشق اليوم. 

إنَّ الجغرافية السياسية تلعب عاملا مهما في عدم خطف سورية وجماهيرها من قبل “هيئة تحرير الشام” أو أيَّة جماعة إسلامية مثلها، فمصر والسعودية والامارات  لن تبلع بسهولة حكم “الإخوان المسلمين”، كما أنَّ تركيا لا تريد في أي حال ولا من مصلحتها اللعب بالنار وأن تعكر صفو علاقتها مع تلك الدول التي توسلت كثيرا من أجل إعادة العلاقة معها. وقد فعلت تركيا الكثير في ميدان المكياج الذي اشتهرت مسلسلاتها الدرامية به، واجتاحت الأسواق العربية وبلدان المنطقة من أجل تسويق أبو محمد الجولاني زعيم ما سمي “هيئة تحرير الشام”. فالموضة التي خرج بها الجولاني (احمد الشرع) مؤخرا عبر فيديو يدعوا الشعب السوري للاحتفال بسقوط نظام الأسد في يوم الجمعة المصادف ١٣ كانون الأول ٢٠٢٤، حيث كان يتزين بزي غربي أنيق، وهي أي تلك الموضة والمكياج هي من صنع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس مخابراته الذين كانا في زيارة الى دمشق عشية إطلاق الجولاني لكلمته.

أمّا العامل الآخر الذي يحول دون استبدال الأسد بالجولاني، هو البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع السوري، صحيح أنَّ هناك تراجعاً كبيراً في المجتمع السوري على صعيد المدنية والتحضر بسبب الحرب واطلاق العنان لكل الأفكار الرجعية والدينية لتسهيل السيطرة على المجتمع، سواء من قبل النظام الاستبدادي والفاشي القومي الراحل في سورية أو على صعيد الجماعات الإسلامية، إلا أنَّ تجذر المدنية والتحضر والعلمانية تضرب عمق التاريخ السوري. وتجربة العراق تعلمنا ما نتحدث عنه، فبالرغم من الحروب والحصار الاقتصادي والغزو والاحتلال، إلا أنَّ سلطة الأحزاب الإسلامية والميليشيات بدعم ايران والولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع لحد الان من أسلمة المجتمع وقلع جذور المدنية والتحضر منه لحسم السلطة السياسية لصالح الإسلام السياسي.

بيد أنَّ العاملين الموضوعيين المشار إليهما آنفاً، لا يعنيان، عدم انزلاق المجتمع السوري الى مستنقع “هيئة التحرير الشام” التي تحاول تركيا تشذيب لحية رئيسها أبو محمد الجولاني وإلباسه بدلة مدنية ورباط عنق مثل باقي أعضاء حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، ولا يعني عدم احتدام الصراع على السلطة لحد اندلاع حرب أهلية جديدة، فهناك قوى إقليمية أخرى  مثل إسرائيل التي لديها مشروعها المغاير كليّا للأجماع الدولي وبلدان المنطقة، ومشروع تقسيم سوريا الى فدراليات قومية وطائفية في أفضل الأحوال أو دعم الفوضى وعدم الاستقرار يخدم مصالحها الاستراتيجية ومشروعها الشرق الأوسط الجديد. وعلى الطرف الآخر تقف ايران التي يتلقى نفوذها الضربات تلو الأخرى دون إعطائها الفرصة لالتقاط أنفاسها ولملمة جراحها، ويمكن أن يكون لها دورا فاعلا في إشاعة الفوضى في سورية، فهي تمتلك تجربة غزيرة في إشاعة الفوضى والإرهاب في العراق أيام الغزو والاحتلال الأمريكي، اذا ما تأكدت أنَّ كل شيء ضاع منها، كي تتمكن من ابتزاز الأقطاب الإقليمية والدولية في ترتيب أي معادلة سياسية في المنطقة. 

الا ان هناك مسالة قد تكون حاسمة بالنسبة لوضع سوية وحتى في المنطقة، وهي إنَّ توقف دعم الغرب للإسلام السياسي الذي سيلعب دورا أيضا في مساعدة المجتمع السوري بعدم الانزلاق الى مستنقع الإسلام السياسي والحرب الأهلية. فالإسلام السياسي وجماعاته تتغذى أبدا على عوز الجماهير والفقر والفوضى ودعم الغرب وعدد من دول المنطقة لميليشياته. فعلى سبيل المثال فإنَّ “هيئة التحرير الشام” جبهة النصرة-القاعدة، قدمت نموذجا سيئا للسلطة في محافظة إدلب في سورية التي تسيطر عليها، وزنازينها لحد اللحظة مليئة بالمعارضين السياسيين لها، وما زالت أيادي قادتها حتى يوم الأمس وعلى راسها الجولاني ملطخة بالدماء، بيد أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية لم تحرك ساكنا سوى وضعها على قائمتها للإرهاب، مثلما تحركت تجاه داعش في تصفية قادتها. ما نريد أن نقوله هو أنَّ الإسلام السياسي لن تقوم له قائم دون دعم الغرب بالدرجة الأولى له.

وعلى الجانب الآخر يجب أن تلعب القوى العلمانية والمدنية والتحررية في المنطقة والغرب وفي جميع دول العالم بدعم إعادة تنظيم المدنية والدفاع عن القوى العلمانية والتحررية في المجتمع السوري، وعليها أن تكون صوت وصدى القوى التي تنزع نحو المساواة والحرية في المجتمع السوري. 

إنَّ انتصار التحرر هو انتصار لنا جميعا في المنطقة، وهزيمة الإسلام السياسي أي كان منبعه الطائفي، وإحباط مشروعه يفتح لنا نافذة أمل ويرسم خطوة نحو التحرر والمساواة. علينا السعي والنضال من اجل إحباط محاولات تلك القوى الإسلامية التي تحاول تنظيم صفوفها وإعادة تأهيلها مثل داعش والقاعدة سواء المدعومة من الجمهورية الإسلامية في إيران وخاصة في العراق الذي سيكون محطة انطلاق جديدة، أو التي تحاول تلطيف صورتها عبر تشذيب لحى قادتها وتلطيف صورتها والباسهم ملابس مدنية وتسويقها الى المجتمع السوري. حينها فقط حينها سيمكن الحديث عن بدايات ثورة سورية حقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى