تقاريرفي الواجهة

هل يستحق ترامب كل هذا الاهتمام

مازن صاحب

الطاووس.. ترامب!!

نال الرئيس دونالد ترامب تصفيقًا داخل الكونغرس أثناء إلقائه خطاب الاتحاد، الذي يعبر عن السياسات الأمريكية، أكثر مما ناله من تصفيق حماسي خلال حملته الانتخابية. وقراءة لغة الجسد التي استخدمها، خاصة وقفة “الطاووس” التي تكررت مع كل موجة تصفيق، تُظهر أن سياسات ترامب لا تنطلق من فراغ، بل من وعي النخب الأمريكية بأن عدم إعادة النظر الشاملة في السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة يجعل حلم الرفاهية الأمريكية مجرد كلام فارغ.
في أطول خطاب رئاسي في جلسة مشتركة في التاريخ، قال ترامب: “إن أمريكا بدأت تستعيد ثقتها بنفسها بعد مرور شهر ونصف على بدء ولايتي الثانية، وإن الحلم الأمريكي لا يمكن إيقافه”. واستعرض خططه بشأن الرسوم الجمركية العالمية، وتحدث عن “استعادة” قناة بنما من خلال استثمارات أمريكية جديدة، وتعهد بـ”شن حرب” على عصابات المخدرات المكسيكية، ودعا غرينلاند إلى الانضمام إلى الولايات المتحدة، كما ضغط من أجل التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب في أوكرانيا.
التساؤل المثير للجدل: لماذا كل هذا التصفيق للرجل “الطاووس”؟ وهل يستحق ذلك فعلاً؟
بدأ ترامب خطابه بالإشارة إلى أن الانسحاب الكارثي لإدارة بايدن من أفغانستان ربما أقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن اللحظة قد حانت لشن هجومه على أوكرانيا. وكان ذلك إقرارًا غير مباشر بأن بوتين هو المسؤول عن بدء الحرب وتصعيدها، وهو تطور إيجابي مقارنة باتهاماته السابقة الغريبة، التي ألقى فيها باللوم على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأعرب عن امتنانه للرسالة التي أرسلها الرئيس الأوكراني، التي أكد فيها استعداد بلاده للانخراط في مفاوضات مع روسيا تحت قيادة ترامب، والتوقيع على اتفاقية المعادن الحيوية ذات المنفعة المتبادلة.
موجة التصفيق الثانية جاءت ردًا على نجاح ترامب في تأمين الإفراج عن مارك فوغل، السجين الأمريكي في روسيا، الذي كان حاضرًا في القاعة. وقد اتخذ بوتين قرارًا محسوبًا بإطلاق سراح فوغل في بداية الإدارة الجديدة، في محاولة لتشجيع ترامب على التعامل مع روسيا بمرونة خلال مفاوضات السلام.
أما الموجة الثالثة، فكانت ردًا على قدرة ترامب في التنافس بفعالية في عصر المنافسة الجيوسياسية المتزايدة والتغير التكنولوجي السريع. فعلى سبيل المثال، أعلنت إدارة ترامب هذا الأسبوع أن شركة تايوان لأشباه الموصلات (TSMC) – أكبر مصنع للرقائق المتقدمة في العالم – ستستثمر 100 مليار دولار لتعزيز قدرتها التصنيعية داخل الولايات المتحدة.
المثير للاهتمام أن ترامب فشل في مخاطبة كل أعضاء الكونغرس من الحزبين، بل ركز فقط على جمهوره الانتخابي لتعزيز قاعدته الشعبية تحت شعاره “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”.
واختار ترامب تسليط الضوء على إيلون ماسك، الملياردير المسؤول عن جهود وحدة الكفاءة الحكومية، والذي كان جالسًا ضمن ضيوف الرئيس داخل قاعة “الكابيتول”. وقال: “ماسك يعمل بجد، ولم يكن بحاجة إلى هذا كله”. وفي وقت لاحق، تلا ترامب قائمة طويلة من البرامج التي خفضت إدارة الكفاءة الحكومية تمويلها، ووصفها بـ”برامج احتيال وإهدار”، وكرر الادعاءات بأن عددًا كبيرًا من الأمريكيين المتوفين يتلقون مزايا برنامج الضمان الاجتماعي!!.
كل ذلك يؤكد نموذج “الترامبية” في التواصل مع الرأي العام أولاً، ومن ثم مع قيادات المجتمع الأمريكي بكل تنوعاته الدينية والقومية. إن الرهان على حلم الرفاهية الأمريكي، الذي يُعتبر القاسم المشترك لمفهوم المواطنة في هوية الدولة الأمريكية، هو ما يجعل هذا النموذج مؤثرًا.
جميع حركات ترامب في فن الإلقاء، أو تعبيرات وجهه أثناء طرح كلامه واستقبال التصفيق، والرد على بعض نواب الحزب الديمقراطي، تثير الانتباه. فربما تصبح “الترامبية” نموذجًا يُحتذى به في أي انتخابات رئاسية قادمة. ففن التسويق الشخصي لمنصب الرئيس، والأوامر التنفيذية التي تحمل طابعًا دستوريًا، والدفاع عنها أمام السلطة التشريعية، يمثل حقيقة النظام السياسي الأمريكي.
ويجعل ذلك الكثير من المهتمين بفنون التسويق السياسي يتعاملون مع نموذج الأفعال لا الأقوال بأعلى سقوف ممكنة، ثم التعامل مع الحد الأعلى المطروح في طرف المعادلة الأخرى. وهذا ما ظهر في لقاء ترامب مع الرئيس الأوكراني، الذي حصد انتقادات واسعة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الأوروبية، ليقف ترامب وقفة “الطاووس” معلنًا أنه تلقى رسالة موافقة من الرئيس الأوكراني، الذي وصفته زعامات أوروبية بأنه تلقى “أكبر إهانة في عمر الدولة الأمريكية”.
السؤال الأخير: كيف ينتظر زعماء الأحزاب العراقية في نظام المحاصصة سياسات ترامب الجديدة وانعكاساتها المتوقعة في نموذج الطاووس ؟.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى