هل كان كمينا روسيا ؟ .. قصة الضربة المزدوجة

هل كان كمينا روسيا ! قصة الضربة المزدوجة رياض بدر كاتب وباحث مستقل

كي نفهم احد اهم جوانب الحروب الطويلة (ليس المعركة بل الحرب) فعلينا قراءة مايجري على ارض المعركة لا ما تتناقله وتصوغه ابواق إعلامية لها اجندات مغرضة ومكشوفة وتاريخ طويل في فبركة المعلومات وقلب الحقائق, فكل منتصر كان قد (خسر) معارك عديدة اثناء حرب انتصر فيها في النهاية.

منذ فترة صّدقَ واكادُ اُجزم بأن كُل مَن يتابع الحرب في اوروبا صّدقَ اخبار ابواق حلف الشر (الناتو) بان الجيش الروسي يخسر ويتقهقر.

التقهقر المزعوم اولا انه في داخل اوكرانيا وليس في داخل حدود روسيا الاتحادية وهذا شيء في غاية الاهمية اي انها اراضٍ جرى الاستحواذ عليها في معارك سابقة وبسهولة وسرعة.

الحرب مستمرة منذ اكثر من 7 اشهر والنتائج الملموسة والحقيقية هي ما يجرى على ارض العدو الرئيسي وليس ارض قرقوزات في اوكرانيا وكييف, فالاقتصاد الغربي دخل في اسوأ ازمة اقتصادية بتاريخه, نعم هي الاسوء على الاطلاق منذ اكثر من 90 عاما (اثناء الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي) يحاول تغطيتها بحرب عسكرية وفشل ايضا.

فعندما تُحارب عدة دول مرة واحدة يجب ان تفكر في امرين او هدفين لا ثالث لهما :

  1. المعارك على الارض والتي من خلالها يحاول العدو اشغالك وعرقلة تقدمك سواء عسكرياً او بين الامم وخلق مُستنقع لك وهنا اقصد الجيش والمرتزقة النازيين الجدد في اوكرانيا, فهؤلاء عليك بتدميرهم عسكريا وتطويقهم قدر الامكان لكن عدم القضاء عليهم تماما إلا في مناطق معينة كي تستخدم هزيمتهم كنقطة اعلامية ضد انفسهم وضد الاعلام الغربي من خلال تكبيدهم خسائر مستمرة مثلما حدث في ماريوبل وغيرها, وطبعا لا احتاج ان اقارن بين القوتين عسكريا فهذه نكتة.
  2. استنزاف العدو الاكبر, حيث انه هو الممول الاول للحرب وقرقوزاته في كييف ويكون هدفك القضاء عليه نهائيا كي لا يعود لك مستقبلا ابدا.

أطلق بوتين على هذه الحرب اسم العمليات العسكرية الخاصة في اوكرانيا, ويجب ان ننتبه الى مقصد ودقة التسمية.

اي انها لا تقصد ولن تكون حرب او عملية هدفها الاوحد احتلال اوكرانيا باكملها فاوكرانيا في العقيدة الروسية اغلبها من اصول روسية (هي اصلا ارض روسية) وهذا سيقلب الود والانتماء التاريخي الى عداء, لذلك نلاحظ كان هناك بطء في تقدم القوات الروسية في بداية المعارك وذلك لتجنب ايقاع خسائر بين صفوف المدنيين.

فبدأت الاهداف الرئيسية للعمليات بالفعل تتحقق وهي تدمير قواعد حلف الشر (الناتو) التي بنوها على الحدود الروسية من مراكز تدريب ومخازن اسلحة ومختبرات بايولوجية بل حتى اسس لبناء ترسانات نووية والقضاء على فرق النازيين الجدد واسر من تبقى منهم وكانت ضربة قاصمة جعلت حلف الشر في هستيرية ليومنا هذا لسرعة الرد وقوته, وهنا نتكلم عن امر مهم لا يجب نسيانه اي ان الهزائم لا تنسى بالتقادم إطلاقا وتقاس على تدمير الاهداف طويلة الامد اي هدف حلف الشر في التوسع فقد قضي على حلمه في تطويق روسيا تماما وهذا امر لا يقبل الشك او النقاش واصبح من الماضي.

اطالة امد الحرب اضر حلف الشر اكثر بكثير من اضرار روسيا والانهيار الاقتصادي في الغرب في استمرار مرعب وهنا نتكلم عن استزاف اراده حلف الشر لروسيا فاذا به يسقط هو فيه وبكلتا يديه وبتخبط تام غير مسبوق في تاريخ الغرب.

إنهاء الحرب من جانب روسيا يُعطي قبلة حياة لحلف الشر فهل من المعقول ان يتركهم بوتين بعد ان امسك برقبة حلف الشر, هذا تهريج.

هنا تبدأ خطة الاستنزاف الاكبر وتكون عادة حصرا اثناء معارك عسكرية وهي ببساطة:

التخلي ولو وقتيا عن مايسمى عسكريا موضع قدم امام الجبهة فكأن يتم الانسحاب من تلك القرية او البلدة الغير مهمة ولا حتى استراتيجية وذلك لسحب العدو للدخول اليها لجعله يعتقد انه يحقق تقدم ولا يجنح للمفاوضات لشعوره بالانتصار وبالفعل هذا ماحدث عندما صار يعلن قرقوز كييف انه لن يتفاوض مع بوتين ابدا فقط بعد انسحابات روسية من مواضع قدم.

ترك بعض الاليات الغير مهمة في ساحة المعركة للعدو سيقنعه بانه ينتصر وان الانسحاب ليس فخاً او كميناً مع تغيير في القيادة العسكرية امرا كان بمثابة اضفاء ختم تصديق الوهم لحلف الشر بان بوتين يتقهقر وانه يواجه مشاكل داخلية.

تغيير القيادة كان بمثابة بداية الشوط الثاني من المباراة وهكذا يجب ان ننظر اليه, عندها ستتغير قناعتنا وكيفية تحليل ما يحدث (قدتكون صعبة الفهم لمن لم يمارس عمل عسكري من موقع قيادة في حرب فعلية) دليل كلامي هذا, ان حلف الشر قام بعملية نوعية ضد اهداف داخل روسيا وهي مهاجمة جسر القرم بمجرد شعوره بالانتصار, فماذا كان الرد الروسي!

تم ضرب اهداف حيوية بقوة وشراسة شلت اوكرانيا ليومنا هذا بل شلت تفكير حلف الشر (الناتو) وادخلته في تخبط لايدري مايقول ويفعل حيث تاكد لديه بان التقهقر الروسي لمن يكن سوى خديعة وفخ نُصب لهم ووقعوا فيه.

فالتقدم الروسي على الارض بدأ منذ تلك الغارات وليس كما تفعل ابواق الناتو الان وكأن الغارات كانت بسيطة وانتهت فالعمليات العسكرية اشتدت منذ ساعة بدأ الغارات ولغاية الان واستعادة مواضع القدم جارية على قد وساق لا سيما في الدونيتسك لكن ابواق الحلف لاتغطيها لانها ستزيد الطين بله وستكشف حقيقة الفخ الذي سقطوا فيه وها هي مرتزقتهم تلوذ بالفرار مرة اخرى من المعركة تاركة ورائها الجثث والمعدات.

فخرج الرئيس الفرنسي ماكرون بل حتى بايدن يحاول من تهدأة بوتين وجره للمفاوضات منذ ساعات الامر الذي رفضه بوتين, فهل سمعتم يوما بان منتصر يجنح للمفاوضات !

الاستنزاف يأتي أُكلهُ بصورة مُضطردة وهذا هو اسلوب الحروب الذكي لتقليل الكلفة وتضخيمها على العدو الذي ينزف بغزارة.

نرجع الى حرب الاستنزاف, سنرى كيف ان قرية بائسة هنا او هناك جعلت الجيش الاوكراني وحلف الشر ينزف كثيرا فالمُنسحب لم يكلفه الانسحاب منها سوى بضع لترات من الوقود في حين العدو سيصطدم بالالغام والقصف المكثف (عند اقتحام منطقة دون قتال تصبح القطعات المتقدمة مكشوفة جوا وبرا حيث لم تتحص بعد يغريها الاعتقاد بالانتصار السريع بالاضافة الى انها بلا غطاء جوي اصلا) فبدأت عمليات اصطياد الجيش الاوكراني الذي دخل الكمين برجليه مع ما بقي من النازيون الجدد فاذا بقرقوزهم في كييف يصرخ فجأة ولم يفهم صريخه الاكثرية, يستنجد بالناتو لارسال اسلحة متطورة فورا, هل فهمنا ما يدور على الارض الان !

نعم كان فخا ضخما احرق عشرات المليارات من اليوروات بلمح البصر بالاضافة الى معدات وافراد ومرتزقة راحوا في ساعات ولم يكلف روسيا سوى بضعة براميل نفط رخيصة وطلعات طائرات مسيرة ارخص من ايران.

حرب الاستنزاف اخطر من حرب الاسلحة بكثير لا سيما عندما تكون بين طرفين احدهما لا يقهره سلاح والاخر مُفلس تماما ( الاتحاد السوفيتي انهار بسبب الاستنزاف وليس بسبب حرب عسكرية وكأن الاية قلبت الان).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى