الحدثتقارير

هل تسكن إقليم كاليدونيا الجديدة غالبية جزائرية؟ ..هل يطالب سكان كاليدونيا الجديدة بانضمام جزرهم إلى الجزائر؟

مــنقول



يطبع التوتر علاقات الحكومة الفرنسية بدعاة الاستقلال في إقليم كاليدونيا الجديدة منذ أواخر عام 2021. وبلغ أوجه مطلع العام الفائت، عندما اقترحت الحكومة الفرنسية تعديلًا دستوريًا يرفع التجميد عن القوائم الانتخابية، ويمنح المولودين في كاليدونيا الجديدة والمقيمين فيها منذ 10 سنوات على الأقل، حق التصويت في الانتخابات المحلية.

صادق مجلس الشيوخ الفرنسي على مقترح التعديل في الثاني من إبريل/نيسان عام 2024، ولم تمنع احتجاجات دموية اندلعت في الأرخبيل، في 13 مايو/أيار 2024، الجمعية الوطنية الفرنسية من المصادقة على مشروع القانون في اليوم ذاته.

غير أن أعمال العنف في الجزر التي تديرها فرنسا، أعادت إلى الذاكرة الجماعية شبح الحرب الأهلية، ما دفع الحكومة الفرنسية إلى تعليق مساعي ترسيم التعديل، عبر تأجيل طرح المشروع للتصويت النهائي أمام غرفتي البرلمان في فرساي، وفتح حوار مع الأطراف الفاعلة في كاليدونيا الجديدة.

ومع استمرار التجاذب السياسي بشأن الملف، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، حديثًا، ادعاءً مفاده أن غالبية شعب كاليدونيا الجديدة من أصول جزائرية، وأنها تطالب بانضمام الأرخبيل إلى الجزائر.

غالبية سكان كاليدونيا الجديدة من الجزائريين وتطالب بالانضمام إلى الجزائر

هل تسكن إقليم كاليدونيا الجديدة غالبية جزائرية؟

بلغ عدد سكان أرخبيل كاليدونيا الجديدة 271 ألف نسمة عام 2019، بحسب بيانات المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية. ويمثل الكاناك، وهم السكان الأصليون لكاليدونيا الجديدة، 41.2 في المئة من إجمالي عدد السكان، يليهم الأوروبيون بنحو 24.1 في المئة، ثم الواليزيون والفوتونيون بنسبة 8.3 في المئة. وتمثل أقليات أخرى نسبة 7.5 في المئة من إجمالي عدد السكان، فيما لم يُصرّح 7.5 في المئة بانتمائهم العرقي.

إحصائيات المعهد الفرنسي للإحصاء لسكان كاليدونيا وانتماءاتهم العرقية
عدد سكان كاليدونيا الجديدة وتوزيعهم العرقي (بيانات المعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية)

يعني ذلك أن غالبية سكان جزر كاليدونيا الجديدة من الكاناك الميلانيزيين، الذين سكنوا المنطقة منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، بينما لم تطأ أقدام الجزائريين الأرخبيل إلا بعد سيطرة فرنسا عليه في عام 1853، وتحويله إلى مستعمرة عقابية.

بدأ نفي الجزائريين إلى كاليدونيا الجديدة عام 1864، واستمر إلى غاية عام 1898. وبين العامين، أصدرت محاكم خاصة أو عسكرية فرنسية أحكام نفي بحق 2100 ثائر جزائري، أُرسلوا فيما بعد إلى جزر كاليدونيا الجديدة، في رحلات بحرية كانت تستغرق خمسة أشهر، فَقد خلالها عدد غير معروف منهم حياتهم، فيما عاش آخرون ما تبقى منها في الأرخبيل، البعيد بـ 11 ألف ميل عن موطنهم الأصلي.

وخلافًا للمحكومين الفرنسيين، مُنع المنفيون الجزائريون من استقدام زوجاتهم، وحُرم من تجاوزت فترات محكوميتهم ثماني سنوات من العودة إلى الجزائر، التي تركوا فيها بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف يتيم.

وتشير تقديرات جزائرية إلى أن عدد الكاليدونيين من أصول جزائرية-كاليدونية يبلغ اليوم 20 ألفًا، فيما صرّح أكثر من 30 ألفًا من سكان كاليدونيا الجديدة، عام 2019، بانتمائهم إلى مجموعات عرقية مختلفة.

نشأة وتطور مطلب الاستقلال في كاليدونيا الجديدة

بدأت مطالب استقلال كاليدونيا الجديدة عن فرنسا في القرن التاسع عشر، عندما أشعلت سياسة مصادرة أراضي عشائر الكاناك، ومنحها للمستوطنين الأوروبيين، فتيل تمردٌ عام 1878. وقُتل في التمرد، الذي ما يزال الأعنف في تاريخ الأرخبيل، 1200 من الكاناك وأكثر من 200 من المستوطنين البيض.

وتبعت التمردَ عقود من التمييز الاقتصادي والاجتماعي ضد مجموعات السكان الأصليين، حُرم خلالها الكاناك من حق المواطنة، وحوصروا داخل مناطق عُرفت بالمحميات، وفرض عليهم العمل القسري.

لم تنتعش آمال الاستقلال في كاليدونيا الجديدة إلا مع قيام حركات التحرر في منطقة المحيط الهادي، واستقلال جزر ساموا ونايرو وفيجي وتونغا وسليمان وفانواتو المجاورة، تباعًا، على مدار العقود الأربعة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.

وتحسبًا لتبعات تنامي النزعة القومية لدى الكاناك، أقرت الحكومة الفرنسية إصلاحات سياسية وأوقفت الاستيلاء على الأراضي، لكنها عملت بالموازاة على تسهيل الهجرة الأوروبية إلى الأراضي الكاليدونية، لتكريس التفوق الديمغرافي للعرق الأوروبي وضمان استمرار وجوده في المنطقة.

الغرق في كاليدونيا.. كيف تدير فرنسا مستعمرتها المنسية؟

وفشلت الإصلاحات الفرنسية في ثني السكان الأصليين عن المطالبة بالاستقلال، بعد أن جرّ إصرارهم على المطلب الكالدوش، وهم الكاليدونيون الجدد من أصول أوروبية الموالون للإدارة الفرنسية، إلى طاولة المفاوضات عام 1983.

انتهت المفاوضات باعتراف فرنسا أخيرًا بحق كاليدونيا الجديدة في الاستقلال، واتفقت الأطراف على تنظيم استفتاء لتقرير مصير الأرخبيل عام 1989.

وحاولت الحكومة الفرنسية الالتفاف على مطلب الاستقلال، في سبتمبر عام 1984، حين أقرت قانونًا يُبقي كاليدونيا الجديدة تحت سيادة فرنسا ويقسّمها إلى أربعة مناطق تتمتع بحكم ذاتي موسع، وتتحكم فرنسا في شؤونها الاقتصادية والأمنية.

عارض تكتل لأحزاب الكاناك المطالبة بالاستقلال، بات يُعرف بـ “جبهة الكاناك الاشتراكية للتحرير الوطني”، القانون واعتبره تحايلًا هدفه تقسيم الإقليم وإضعاف حركة المطالبة بالاستقلال، ودعا إلى مقاطعة الانتخابات الإقليمية المزمع إجراؤها في 18 نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته.

وإلى جانب المقاطعة، انخرط أتباع التكتل في أعمال عدائية ضد أجهزة الأمن الفرنسية والمؤسسات التي يسيطر عليها المستوطنون الأوروبيون، قبل أن يعلنوا تشكيل حكومة مؤقتة لكاليدونيا الجديدة.

وردًا على الاعتداءات، نفّذ المستوطنون أعمال عنف دموية ضد الكاناك، ودخلت كاليدونيا الجديدة حربًا أهلية استمرت أربع سنوات، حاولت السلطات الفرنسية احتواءها بتنظيم استفتاء مسبق لتقرير المصير في يوليو/حزيران عام 1985، لكنها أخفقت في الحصول على إجماع الأطراف الفاعلة واضطرت فيما بعد إلى إعلان حالة الطوارئ في الإقليم.

ونُظّم أول استفتاء لتقرير المصير في كاليدونيا الجديدة في عام 1987، لكن الكاناك قاطعوه احتجاجًا على منح حق التصويت لكل من أقام في الأرخبيل مدة ثلاث سنوات، معتبرين ذلك محاولة “إغراق ديمغرافي” لمطلب الاستقلال.

ولم تنته الحرب الأهلية في كاليدونيا الجديدة إلا في يونيو عام 1988، بتوقيع اتفاقيات ماتينيون، التي رسّمت المصالحة بين الأطراف المتنازعة وحاولت تدارك الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين المجموعات العرقية. ودخل الإقليم بموجب الاتفاقيات مرحلة حكم ذاتي انتقالية مدتها عشر سنوات، كان يُفترض أن تنتهي بتنظيم استفتاء محلي لتقرير المصير.

إلا أن الحكومة الفرنسية وقّعت، في مايو عام 1998، اتفاق نوميا مع الكالدوش والكاناك، وأجلت بموجبه استفتاء تقرير المصير عشرين سنة أخرى، مع تغيير صيغته إلى ثلاث استفتاءات متطابقة بدل واحد. وفي مقابل ذلك، منح الاتفاق الإدارة الذاتية في كاليدونيا الجديدة المزيد من الصلاحيات وجمّد القوائم الانتخابية عند عام 1998.

وبموجب الاتفاق، نُظم ثاني استفتاء لتقرير المصير في تاريخ كاليدونيا الجديدة وأول استفتاء بمشاركة تكتل أحزاب الكاناك المطالبة بالاستقلال، في عام 2018، وصوّت 57 في المئة من المشاركين فيه ضد الاستقلال.

وشهد عام 2020، فوز الموالين للإدارة الفرنسية بالاستفتاء الثاني بنسبة 53 في المئة من مجموع الأصوات المعبر عنها، قبل أن ينشأ خلاف بين تكتل الأحزاب المطالبة بالاستقلال والحكومة الفرنسية، بعد رفض هذه الأخيرة طلب التكتل تأجيل الاستفتاء الثالث بسبب انتشار وباء كوفيد-19 في كاليدونيا الجديدة.

وإثر الخلاف، قاطع الكاناك الاستفتاء وفاز به مؤيدو الإدارة الفرنسية بنسبة 96.5 في المئة، لتطرح الحكومة الفرنسية، سنتين بعد ذلك، مقترح رفع التجميد عن القوائم الانتخابية، الذي من المنتظر أن يمنح 25 ألفًا ممن استقروا في كاليدونيا الجديدة بعد عام 1998، حق التصويت في الانتخابات المحلية.

ويخشى الكاناك أن يؤدي هذا التعديل إلى تفوق ديمغرافي يقضي على آمالهم في الاستقلال عن فرنسا، وهو ما يفسر رد فعلهم العنيف، الذي أسفر عن مقتل سبعة أشخاص وجرح العشرات في منصف مايو الفائت.

لا تطالب أي تيارات سياسية في كاليدونيا الجديدة بالانضمام إلى الجزائر، وإذ يطالب الكاناك بالاستقلال والكالدوش بالبقاء تحت الإدارة الفرنسية، تتفاوت مواقف بقية التيارات بين الدعوة لتقسيم الإقليم إلى مناطق وتخصيص قائمة انتخابية مستقلة لكل منطقة وبين الدعوة إلى التوصل إلى إجماع نهائي ومستدام مع الحفاظ على وحدة الإقليم.

موقع مسبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى